شوف تشوف

الرأي

فريمان يعتذر

شامة

 

 

مورغان فريمان واحد من أكثر ممثلي «هوليوود» الذين أعشقهم، لكن فريمان وقع في ورطة، اتهمته عدد من الممثلات ومن العاملات في شركته للإنتاج بأنه تحرش بهن، ولأني أحب فريمان أحببت أن أعرف تفاصيل أكثر، فالإنسان يظل إنسانا يخطئ ويصيب، مهما حاولنا نحن تقديسه باسم الإعجاب، ومهما حاول هو تنزيه نفسه حفاظا على مكانته في أعين المعجبين.
أصابتني الحيرة وأنا أطلع على ما قالته المشتكيات بحق «فريمان»، إحداهن قالت إنه قال لها يوما إنها جميلة، وأخرى قالت أنه أطرى على جمال قوامها، في عرفي أنا كامرأة من المغرب، سوف يستهزأ بي إن اعتبرت هذا تحرشا، وسأوصف بالمغرورة، والمعقدة والغبية، وكل الصفات، وقد يصل الأمر إلى اتهامي بأني لم أرتد ما يكفي من ملابس محتشمة لكي لا أثير غريزة الرجل، وأني فعلت أمرا ما جعله يتحدث إلي بهذا الشكل.. لذلك كل ما سأفعله إما سأتغاضى عن هكذا أمور، أو سأفرض على نفسي رقابة مشددة حتى أبقى بعيدة عن أي اتهام بأني أغريت هذا المسكين. سأقوم بكل شيء إلا شيئا واحدا، أن أشير إليه وأقول هذا متحرش، فأنا لن أستطيع تحمل لوم الناس لي، ولا استهزاءهم، لذلك سألتزم الصمت، وحين يأتي يوم أتحدث فيه، سيهزؤون مني أيضا ويقولون لي ساخرين: «لماذا لم تتحدثي يومها؟ لماذا الآن فقط تحدثت؟».
لكن هذا لم يحدث مع نساء مورغان فريمان، ليس لأن أمريكا بلد يحمي النساء كما نعتقد خطأ، لكن لأن تصريحات هؤلاء النساء أتت في وقت أمريكا والعالم تجتاحه ما بات يعرف بحركة «مي تو»، والتي بدأت مع تدفق شلال الاعترافات من نساء «هوليوود» بأنهن تعرضن للتحرش، وللاغتصاب وللابتزاز، من أشهر وأقوى منتج أفلام في عالم «هوليوود»، فمن تريد الشهرة لا بد أن تمر على يديه وتقبل بشروطه، ومن ترفض، تحارب.

مورغان فريمان فهم أن الظرف ليس مناسبا للعناد، وأن فورة الاعترافات النسائية شكلت يقظة في عالم النساء، وباتت المرحلة مرحلة خروج هؤلاء النساء من فترة لوم الذات إلى فترة التأشير بالأصبع للمتهم، والنظر في عينيه، والجهر أمام العالم بأسره: «هذا المتحرش أرادني أن أصمت لأن العالم لن يقف معي بل سيقف ضدي، لكني قررت الوقوف ضده وضد العالم من أجل نفسي أولا وعلى العالم أن يقف معي».
لهذا وقف مورغان فريمان ذو الثمانين عاما، ذو الصيت العالي، والمال الوفير، والمكانة في قلوب الجماهير، وقف يعتذر لهؤلاء النساء، وقال: «أنا أعتذر لكل من اشتغلت معي وسمعت مني أو بدر مني ما لم يرقها أو ضايقها.. أنا فعلا آسف لم أقصد أن أضايق أحدا لكني آسف أن هذا حدث، وأرجو أن تتقبلن اعتذاري».
النساء في أمريكا أمضين وقتا طويلا ونضالا أطول لكي يصلن إلى هذه المرحلة، مرحلة أن يفهم الرجل أنه ليس بالضرورة كل النساء سوف يفرحن بما يراه هو غزلا، وأنه من الأفضل أن يحتفظ بهذا الكلام لنفسه لأن المرأة تفضل سماعه من الرجل الذي تحب، وأن سماعه من غير من تحب لا يعتبر سوى تحرش.
أحببت كثيرا العمل مع الأجانب لأنهم لا يتعاملون معي حسب جنسي لكن حسب ما في عقلي، في الوقت الذي علي أن أجهد فيه كثيرا وأنا أشتغل مع رجال من المغرب أو المشرق حتى يعوا أني عقل أولا وأخيرا، وأن غير ذلك هو يخصني وحدي، وأني إن اردت السماح به لرجل فسيكون الرجل الذي أنا أختاره بنفسي، وليس الذي سيفرض نفسه علي. وحين عملت بأمريكا، كان علي التغاضي عن الكثير من تصرفات أبناء العرب حتى لا أتهم بأني تسببت في قطع رزق أحدهم فقط لأنه قال لي كلمات غزل، في الوقت الذي تحسب هذه الكلمات حسب القوانين الداخلية للعمل تحرشا، بل هناك ما هو أكثر من التحرش وهو ما يعرف هناك بالمضايقة، أي أن أي سلوك أشعرني به صاحبه بالضيق علي أن أبلغ عنه، ولم أكن لأتردد في ذلك محمية بقانون المؤسسة الأمريكية لكن العرب، وبشكل خاص النساء العربيات اللواتي كن زميلاتي ومنهن رئيساتي كن يقفن ضد أن أستعمل حقي في حماية نفسي باسم القانون، وكنت أتهم من قبلهن هن النساء بأني «عاجبني راسي»، في حين أن كل ما كنت أفعله أني أستعمل حقي.
المفارقة بدت جلية حين شكوت الأمر لأصدقاء لي عربا يقيمون بأمريكا، ناصروني ودعموني، واعتبروا أن لا حق لأحد بمضايقتي حتى لو اعتبر الآخر هذا غزلا، أو كلاما طائشا، في الوقت الذي نساء من بلدي كن زميلات لي رفضن أن أستعمل في بلد مثل أمريكا حقي هذا في وقف مضايقتي باسم الغزل، وهو ما جعلني أتساءل إلى اليوم عن السر في هذا التطبيع الذي تقيمه نساؤنا، ومنهن المتعلمات، والمستقلات ماديا، بل حتى المناضلات، مع تحرش الرجل بهن، والسكوت عن الأمر، بل حتى محاولة إسكات الأخريات وإخراسهن، إما بالتخويف من كلام الناس، أو بالسخرية أنه «حمدي الله داها فيك».
أختم بما لم أنسه يوما، وبقي محفورا في ذاكرتي، مدرب أمريكي قدم يوما إلى المغرب وأشرف على تدريبي رفقة خمسة شباب كنت أنا المرأة الوحيدة بينهم، وكان اثنان منهم يحاولان التضييق علي ليس بالتحرش، بل بانتقادي والسخرية مني، أنا كنت أواجه هذا السلوك بالتجاهل لأني كنت أعرف أنهم يسعون لإثارة أعصابي، لكن المدرب انتبه للأمر فقام بطردهما من التدريب أمام دهشتي، يومها اكتشفت أني كنت أحمل نفسي فوق طاقتها حتى أبدو بقوة تكفي لتحمل غيرة هذا النوع من البشر وحسدهم، لكني تعلمت ألا أفعل، وأن أقول لمن يضايقني: «توقف».
وربما هذا ما علينا نحن نساء المغرب تعلم قوله بعيدا عن الخوف من كلام الناس، ومن لوك ألسنتهم بالحكي عنا، ألا نهتم بهم بقدر ما نهتم بقول كلمة واحدة: «توقف»، لعل رجالنا يمتلكون بعضا من شجاعة مورغان فريمان وتأتي عليهم لحظة يقولون فيها: «أنا آسف».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى