الرأي

فلسفة الخطأ

كنت في مطار محمد الخامس في طريقي إلى كندا بتاريخ 26 ديسمبر من عام 2015م وقد جهزنا أنفسنا أنا وزوجتي المغربية لمواجهة الصقيع الكندي، حيث تهبط درجة الحرارة إلى عشرين تحت الصفر وأزيد. وقع نظري في المطار على طاجين مغربي (كيحمّق) فقلت هو أفضل هدية إلى ابنتي عدولة هناك. ثم تتابع الاهتمام لنكتشف كنوز المغرب فأخذنا (البلغة) وأشياء أخرى متفرقة فرسول الرحمة قال: تهادوا تحابوا. بحثت عبثا عن البطاقة البنكية الألمانية؛ فالبنك الشعبي المغربي لا تعمل بطاقته في كل مكان، وهي خارج المغرب لا تساوي قطعة البلاستيك التي فيها، لذا فأنا أعتمد على البطاقات الخارجية التي تمكنني من دفع الفواتير أو سحب الكاش. احترت في البطاقة أين أصبحت فما زلت أقلب أغراضي وأفتش جيوبي الكثيرة، حيث اعتدت أن ألبس ملابس بسيطة فيها جيوب كثيرة تنفع في الرحلات. ثم فجأة تذكرت توزيع البطاقات؛ فالمغرب أحتاج فيه بجنب جواز السفر إلى بطاقة الإقامة المغربية، وفي أوربا بطاقة الدويتشي بانك وفي السعودية بطاقة الإقامة وشهادة السواقة، وهكذا احتشدت في جيوبي عشرات الأشياء والوثائق. من قصتي في المطار المغربي ولدت في ذهني فكرة فلسفة الخطأ، فنحن مركبون على الخطأ والنسيان، وهاتان العلتان لا دواء لهما إلا بالكتابة والتوبة، فيكافح النسيان بالتذكر، والخطأ بالاستغفار والتواضع. فليس من إنسان معصوم عن الخطأ، وأعظم خطيئة قامت بها الكنيسة والتشيع وأضرابهم، هي رفع مقام البابا والملالي وأمثالهم من المقامات إلى ما فوق النقد والخطأ؛ فمنحوهم العصمة والقداسة، وهذا عين الخطأ.
والعلة في النسيان أنها من صفات الدماغ فلا يحفظ كل شيء، وقيل إن النوم يقوم بوظيفة هامة في النسيان، بسبب احتشاد الذاكرة بالكثير، مثل الكمبيوتر الذي يقوم بوظيفة مسح (Delete) ذلك أن كمية المعلومات التي تدخل الدماغ من الحواس الخمس هائلة، بسبب المزيج المركب منها، ولذا كان النسيان من رحمة الله فينا من جانب. ولنتصور الذكريات السيئة التي نحملها وتثقلنا كيف لو عادت وتكررت بدون رحمة، ولكن النسيان من طرف يحمل آفة العلم، ولذا كانت الكتابة هي الذاكرة الجديدة لبني آدم، فقيدوا العلم بالكتابة. والكتابة كما جاء في القرآن عن صحف إبراهيم وموسى ليست ممتدة عبر التاريخ أكثر من خمسة آلاف سنة، ولم يصل الإنسان إلى اختراع المطبعة إلا بعد اختراع الكتابة بأربعة آلاف وخمسمائة سنة، أما الكمبيوتر والنقش على الهواء فهذا أصبح له ثلاثون عاما، ولا نعرف على وجه الدقة ماذا ينتظرنا في الألف سنة القادمة.
وفلسفة الخطأ أن الخطأ أنواع؛ منه ما يمكن تصحيحه، ومنه يمضي فلا نستطيع الإمساك به وتصحيحه، وحين يخطئ الإنسان في حق آخر قد ينفع فيه الاعتذار وليس دائما، ولكن قتل مائة ألف في سوريا لن ينفعه اعتذار بشار الكيماوي ولو بكى دما بقدر نهر دجلة.
وهنا ينقشع الضباب أمام مفهوم اليوم الآخر حيث يتحقق العدل الإلهي فلا تظلم نفس شيئا ولو كان مثقال حبة من خردل.
مع هذا فالخطأ جيد لأن البشر لم يتقدموا إلا بالمحاولة والخطأ والحذف والإضافة، فأن يجرب الإنسان أمرا ويخطئ فيه هو مقدمة الدخول إلى تصحيح الخطأ.
وفي الحديث أن المرء لا يحاسب على الخطأ والنسيان وما استكره عليه. ومعنى هذا الكلام أنه حيث وجدت إرادة ونية وعمل يحاسب عليها المرء، وحين نزلت الآية من آخر سورة البقرة وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ارتعب البعض، حتى فهمها الصحابة بأنها ممارسة العمل: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
الدرس من الخطأ أن كلنا يقع فيه، ولكن يجب تصحيحه وعدم الاستمرار فيه؛ فإن فات يقوم بالتعويض عنه؛ وإن لم يستطع إلى ذلك سبيلا فعليه بالتوبة والاستغفار إنه كان غفارا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى