شوف تشوف

الرأيشوف تشوف

فهم تسطا 2/2

من مغربات نتائج هذه الانتخابات فوز رئيس جماعة في تولال اعتقل قبل الحملة متلبسا برشوة خمسة آلاف درهم، وفازت لائحته وأصبح مستشارا من وراء أسوار السجن، مما يعني أن النجاح في الانتخابات لا يتطلب حملة كتلك التي قام بها مرشح الاتحاد الاشتراكي يونس مجاهد في الرباط وحصل على ستة أصوات، بل تتطلب «الزهر» كذلك الذي يملكه هذا المرشح الذي ربح مقعده من داخل زنزانته. ولو أن الاتحادي يونس مجاهد «ربح» في الانتخابات بطريقة أخرى، فالرفيق مجاهد لديه شركة مقرها الحزب، وهي من فازت بصفقة حملة الحزب ويشتغل من مقرها، ويقال والله وأعلم إن لشكر شريكه في هذه الشركة.

وحالته شبيهة بحالة جامع المعتصم الذي دخل السجن في سلا بسبب التسيير الجماعي ثم خرج منه لكي يعين في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ثم ليصير مدير ديوان رئيس الحكومة وها هو اليوم يسير نحو منصب عمدة لسلا التي استقبله سجنها ذات زمن.
أما ضحايا الانتخابات فكثر، ومنهم الذين ماتوا أو قتلوا، أو تعرضوا للتسمم، كالثلاثين مشرفا على الانتخابات في الخميسات الذين أكلوا وجبة دجاج أرسلتهم جميعا إلى غرفة المستعجلات.

لقد كانت هذه الانتخابات درسا سياسيا أعطاه الحزب الحاكم في مادة الانتهازية والقدرة على قول الشيء ونقيضه عملا بقاعدة «الغاية تبرر الوسيلة».

وعندما نشرنا في «الأخبار»، قبل الانتخابات، خبرا حول إمكانية تحالف العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وسردنا حالات للتحالف في طنجة والغرف المهنية، خرج صقور الحزب وكتائبه الإلكترونية يكذبون ذلك وهاجموا الجريدة، واعتبروا «البام» خطا أحمر لا يمكن التحالف معه لأنه، كما يردد أمينهم العام، حزب يجسد الفساد والتحكم.

قبل الانتخابات، وفي عز العملية الانتخابية، صال وجال رئيس الحكومة على متن طائرة خاصة، ليس من أجل تقديم برامج للناخبين وإقناعهم بالتصويت على حزبه العدالة والتنمية، ولكن أغلب المهرجانات التي أطرها بنكيران تحولت إلى مسرحيات هزلية من تلك التي كانوا في الراديو يقولون عنها «ساعتان من الضحك»، كال فيها كل أصناف الشتم والسب في حق خصومه السياسيين، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الاستقلال والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ونائبه، ووصلت الاتهامات إلى حد اتهام هذا الأخير بالاتجار في المخدرات، واستعمال حزب «البام» أموال «الغبرة» لتمويل حملته الانتخابية، كما وصف حزب الأصالة والمعاصرة بأقدح النعوت، واعتبره حزبا له أصل تجاري فاسد ويجب أن يحل نفسه لأنه يعاني من خطيئة النشأة.

لكن، وبمجرد الإعلان عن النتائج، وبمجرد وضع مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، للعصا في «رويضة» مفاوضات اقتسام «غنيمة» الانتخابات، حتى سارعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إلى تدبيج بلاغ نشره الموقع الرسمي للحزب في «نصاصات الليل»، أعلنت فيه قرار الحزب التحالف مع أحزاب المعارضة، بعدما كانت تعتبر ذلك خطا أحمر. وفي صباح الغد، بدأت ترد بلاغات واتفاقيات تحمل في «ترويستها» رمز «المصباح» إلى جانب رمز «التراكتور»، وأصبحت «مصابيح» بنكيران تنير طريق «الجرار» لحرث المجالس البلدية بالعديد من المدن، ومنها مدن وجماعات لا يتوفر فيها «البام» على الأغلبية التي تخول له رئاستها.

وهكذا حصلت تحالفات بين أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي بالعديد من المدن، حيث تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة لتشكيل المجلس البلدي لمدينة قلعة السراغنة، كما تحالف الحزبان لتشكيل المكتب المسير لبلدية سيدي بنور، وبررت قيادة حزب رئيس الحكومة وضع يدها في يد «البام»، كما تفعل دائما، باستحضار المصلحة العامة للساكنة، وضمانا للانسجام والفعالية التي تلبي حاجيات عموم الساكنة.

ولم تتدخل الأمانة العامة للحزب لوقف هذه التحالفات، ما يؤكد أنها تمت بموافقتها وبتزكية منها، مع ما ينسجم مع مذكرة الحزب التي وقعها بنكيران، بعد الإعلان عن النتائج، حيث اشتراط ضرورة مصادقة الأمانة العامة على أي تحالف يتم خارج تحالف أحزاب الأغلبية.

وبمدينة ميدلت، تحالف «المصباح» مع «الجرار» و«الحمامة»، لتشكيل المجلس البلدي، بتوقيع ميثاق شرف، مع الاعتذار لكلمة الشرف، جاء فيه أن التحالف في ما بينها مستمر ومتين وأن كل أساليب التشويش المغرضة لن تنال منه، وتم توزيع المناصب بين المكونات على أساس منح رئاسة المجلس لحزب العدالة والتنمية وباقي تشكيلة المكتب تمت بالتراضي والتوافق بين المكونات، وكان حزب العدالة والتنمية قد فقد رئاسة مجلس مدينة ميدلت، بعد فضيحة اعتقال رئيسها السابق، بعد نشر فيديو ظهر فيه يبتز مقاولا بالمنطقة، للحصول على رشوة.

وبدت معالم التقارب والغزل بين الحزبين بشكل جلي بمدينة الناظور، فرغم توفر مكونات الأغلبية الحكومية على الأغلبية لنيل رئاسة المجلس البلدي، اختار بنكيران وضع يده في يد «البام» وأهداهم بلدية الناظور على طبق من ذهب، ما دفع بمستشاري الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار إلى تقديم شكاية لزعماء أحزابهم، ولم يفلح العنصر ومزوار في إقناع بنكيران بفك الارتباط بحزب «البام» وتشكيل تحالف بديل يتكون من العدالة والتنمية والحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار، خاصة أن حزب الأصالة والمعاصرة يتوفر على 16 عضوا مدعوما بحزب العدالة والتنمية الذي يتوفر على 6 أعضاء، شكلوا أغلبية مكونة من 22 عضوا من أصل 43 عضوا يتكون منهم المجلس، في حين يتوفر حزب الحركة الشعبية على 13 عضوا وحزب التجمع الوطني للأحرار على 8 أعضاء، بما مجموعه 21 عضوا، ما يعني أن مكونات التحالف الحكومي تتوفر على الأغلبية المطلقة لو حافظ حزب العدالة والتنمية على ميثاق التحالف الحكومي.

والطريف في تحالفات بنكيران مع حزب «الغبرة» كما اتهمه، هو أن برلماني هذا الحزب، أحمد أيتونة، الذي يمثل إقليم شفشاون، وجد نفسه وحيدا، لما انفض من حوله جميع المستشارين الذين نجحوا باسم العدالة والتنمية، وعددهم 20 مستشارا من أصل 27 تتكون منهم جماعة «بني رزين»، والتحقوا لدعم مرشح الأصالة والمعاصرة الذي يتوفر على أربعة مقاعد، ما جعل البرلماني الذي يترأس الجماعة منذ 18 سنة، يتقدم بشكايات لدى الدرك الملكي ضد مستشاري حزبه.

وبمدينة بركان وببعض مدن الريف والجهة الشرقية، تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة، ضد مرشحي حزب الحركة الشعبية المنتمي للأغلبية الحكومية، «هادو راه معاه فالحكومة وما عقلش عليهم»، واصطف بنكيران إلى جانب حزب «الجرار» لتشكيل مجلس بلدية بركان ومجلس الجماعة الحضرية «شراعة» للإطاحة بمرشحي الحركة الشعبية، كما تحالف الحزب مع حزب الاستقلال بالعديد من المدن، ومنها مدينة جرسيف، على أساس إسناد رئاسة البلدية لحزب الاستقلال ورئاسة المجلس الإقليمي لحزب العدالة والتنمية، وتحالفت أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي بجهة الداخلة واد الذهب، حيث تم إسناد رئاسة بلدية الداخلة إلى حزب العدالة والتنمية، ورئاسة الجهة إلى حزب الاستقلال، كما تحالف بنكيران مع الاستقلال ضد الحركة الشعبية بالمجلس البلدي لمدينة تنغير.

أما في تطوان فقد شكل تحالف «البام» و«البيجيدي» صدمة لشبيبة الحزب الحاكم بسبب الأحكام المسبقة التي ترسبت لدى الكثير من الأعضاء ضعيفي التأطير السياسي، تجعلهم يصمون آذانهم عن سماع واقع آخر غير طلقات المدفعية الثقيلة للأمين العام وقصفه الحزب تارة بوصف المافيا، وأخرى بالتبزنيس واستعمال أموال المخدرات والغبرة لاستمالة الناخب.

منذ 2009 بتطوان كان إدعمار والطالبي مثل «الضريرات»، عندما أزاح إدعمار الطالبي تأجج الصراع الخفي منه والظاهر بينهما، بعد ظهور نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة ذهب إدعمار مباشرة إلى الأصالة والمعاصرة لبناء التحالف ولم يستشر «الحمامة» على الرغم من كونهما معا يعيشان تحت سقف التحالف الحكومي، نزلت القيادات المركزية بعد ذلك للصلح بينهما ومطالبتهم بالتحالف والالتزام بالتحالف الحكومي، لكن ذلك لم يستمر إلا ساعات قليلة عادت بعدها «الضريرات» إلى عادتها القديمة، ومعها عاد الطالبي العلمي من الطريق بعدما كان ذاهبا إلى الرباط، لوضع طلب ترشيحه لدى السلطات بعدما وصلته أخبار عن تفاوض إدعمار مع «الأصالة والمعاصرة».

في الفنيدق، نشب صراع قوي بين العدالة والتنمية و«البام» كان سببه عقلية «الضريرات» دائما، وصراع البرلماني السليماني والقيادي التهامي.
العدالة والتنمية منح في 2009 الرئاسة لحزب لم يحصل سوى على 5 مقاعد، وكان هدفه نزع الرئاسة من «البام» بأي ثمن، حتى إنه تم الترويج آنذاك لقرص مدمج يتحدث فيه التهامي عن هيكلة دور القرآن بالمنطقة، والانتباه إلى خطر انتشار الأفكار المتطرفة لدى الشباب.

هذا القرص تم استعماله في الحملة الانتخابية مع ترويج أن التهامي شخص ملحد وعدو لتحفيظ القرآن، كما أن نفس الفيديو نشره أحد المرشحين بلائحة العدالة والتنمية بالفنيدق على الرغم من مرور سنوات عليه، وعلق أنه يريد تذكير الساكنة به خلال الحملة، في خرق سافر لقوانين المنافسة الشريفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى