القانونية

قراءة في مشروع قانون الخدمة العسكرية كما صادق عليه مجلس النواب 1/2

هشام المراكشي
صادق مجلس النواب، أخيرا، على مشروع قانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية، هذا المشروع الذي تضمن 19 فصلا وختمه المشرع بكون أن تطبيقه سيظل رهينا بصدور نص تنظيمي يحدد مجموعة من المعطيات التقنية. ومشروع قانون 44.18 ينظم مسألة قديمة جديدة ألا وهي الخدمة العسكرية، وسنتولى بيان وشرح مواد هذا المشروع على الشكل التالي:

مقالات ذات صلة

السياق العام للخدمة العسكرية في تاريخ المغرب
إن الخدمة العسكرية أو ما كان يصطلح عليه في ظل مرسوم 1966 الملغى بالتجنيد الإجباري ليس مسألة حديثة في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، ولعل خير دليل على ذلك وجود أراضي الجيش المنظمة بمقتضى ظهير 1919، فتاريخ الخدمة العسكرية قديم في المغرب وهو ما يتأرجح بين الإلغاء والتفعيل، وآخر مرة تم تنظيم هذا القانون سنة 1966 بمقتضى مرسوم 1966، الذي تم إلغاؤه سنة 2008 بتعليمات ملكية.
وعموما وعطفا على مشروع قانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية، فهو يتماشى مع روح دستور 2011 الذي جاء في المادة 38 منه: «يساهم كل المواطنات والمواطنين في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية تجاه أي عدوان أو تهديد».
وسنتطرق إلى مقتضيات هذا المشروع على الشكل التالي:
نطاق تطبيق الخدمة العسكرية ومدتها:
من خلال المادة الأولى من مشروع قانون 44.18 فإن الخدمة العسكرية يخضع لها جميع المواطنات والمواطنين، وعليه فإنه وأول مرة يتم إخضاع العنصر النسوي للخدمة العسكرية، هذا يتماشى مع المادة 19 من الدستور التي تعتبر أن الرجل والمرأة متساوون في الحقوق والواجبات.
والسؤال المطروح هل سيطبق هذا القانون على جميع المغاربة الحاملين للجنسية المغربية؟ وهل سيشمل أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج؟ وهل يشمل الأجانب المقيمين بالمغرب والذين حصلوا على الجنسية المغربية طبقا لظهير 1958، كما تم تعديله بمقتضى قانون 06/62 المتعلق بالجنسية المغربية؟
لم يجبنا مشروع قانون 44.18 عن هاته المسألة، ويجب على المشرع في النص التنظيمي الذي سيحدد شروط وكيفية هاته الخدمة العسكرية أن يتولى تبيان هاته الأمور بدقة، درءا لكل لبس.
وفي ما يتعلق بمدة هاته الخدمة العسكرية فقد حددها المشرع في المادة 4 من مشروع قانون 44.18 في 12 شهرا، وهي غير قابلة للتجديد أو التمديد، وبعدما يتم إلحاق المجندين بالجيش الرديف تلقائيا، حيث يصبحون أحد عناصر جيش الاحتياط.

حالات الإعفاء من الخدمة العسكرية
الإعفاء هو امتياز إيجابي مقرر لفائدة بعض الأشخاص نظرا لظروفهم الصحية أو المهنية أو الأسرية، بمقتضى هاته الظروف يعفون من المشاركة في الخدمة العسكرية المطبقة على الجميع، وتعتبر حالة الإعفاء هذه من صميم نظام العدل والعدالة في تحمل الأعباء، كل حسب استطاعته وظروفه. ومن خلال الاطلاع على الحالات التي بموجبها يتم الإعفاء من الخدمة العسكرية، نجد أنها متنوعة بين أسباب صحية وأسرية واجتماعية ودراسية وغير ذلك، وهاته الأسباب هي:
1-أسباب صحية
إن الخدمة العسكرية وبلا شك تتطلب جهدا بدنيا وعضليا مقبولا به، حيث سيخضع المنخرطون فيها لتداريب ميدانية ومهنية وتكوين مستمر مما يتطلب القدرة البدنية والعقلية والنفسية حتى لا تخرج هاته الخدمة عن الأهداف السامية المقررة لها، ولما كان المشرع واعيا بهاته المسألة فهو اعتبر العجز البدني أو الصحي سببا من أسباب الإعفاء من الانخراط في الخدمة العسكرية، ولقد اشترط المشرع للاستفادة من هاته الحالة للإعفاء أن يدلي الشخص بتقرير طبي صادر عن المصالح الاستشفائية العمومية المؤهلة.
ومن خلال هذا النص فإن المشرع استبعد القطاع الخاص من إمكانية إعداد هذا التقرير وهو أمر محمود، درءا لأي تلاعب أو تقارير صورية. ويبدو أن المشرع سيحدد في النص التنظيمي المراكز الاستشفائية المؤهلة لتسليم هاته التقارير الطبية.
والمشرع عندما تطرق إلى مسألة العجز، تحدث عن العجز البدني والصحي ونتمنى لو استبدل مصطلح الصحي بمصطلح العقلي والنفسي، درءا لأي تأويل من جهة ما.

2-أسباب أسرية
إن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، والتي تسهر الدولة بمختلف أجهزتها على توفير الحماية لها، والتي نص دستور 2011 على حمايتها ونظرا لهاته المكانة التي تحتلها الأسرة في المنظومة القانونية، فإن مشروع قانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية اعتبر أن رعاية الأسرة والاهتمام بها يعفي من الانخراط في الخدمة العسكرية، وعليه فإن حالات الإعفاء لسبب أسري هي:
أ) الزواج بالنسبة إلى المرأة:
إن الزواج، حسب المادة 4 من مدونة الأسرة، هو ميثاق ترابط بين رجل وامرأة.
وقد اعتبر المشرع أن الزواج يعتبر سببا من أسباب الإعفاء من الانخراط في الخدمة العسكرية بالنسبة إلى المرأة فقط، وبمفهوم المخالفة فإن زواج الرجل لا يعفيه من الانخراط في الخدمة العسكرية، وتستفيد المرأة من هذا الإعفاء بمجرد زواجها ولو لم يسفر هذا الزواج عن أبناء.
ب) وجود محضون أو كفيل:
من الحالات التي قرر فيها المشرع الإعفاء نجد حالة وجود محضون أو كفيل تحت رعاية المرأة، ويستشف من هذا المقتضى أن هاته الحالة خاصة بالمرأة فقط دون الرجل.
وفي هاته الحالة فإن المشرع لم يشترط أن تكون المرأة متزوجة، فيكفي أن تكون هي الحاضنة لطفل أو أكثر كما في حالة الطلاق، حيث الحضانة تسند إلى المرأة بمقتضى مدونة الأسرة، أو تكون المرأة كفيلا لطفل ما في إطار القانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين.
ففي هاتين الحالتين، أي وجود محضون أو مكفول تحت رعاية المرأة، يعفي هاته الأخيرة من الانخراط في الخدمة العسكرية.
ج) إعالة الأسرة: من أسباب الإعفاء من الانخراط في الخدمة العسكرية والقيام بالواجب الدستوري والوطني مسألة إعالة الأسرة، فالشخص المعيل لأسرته يعفى من هاته الخدمة، والمشرع استخدم هذا اللفظ بصفة عامة، ويجب على النص التنظيمي أن يحدد المقصود بهاته الحالة درءا لأي لبس أو تأويل خاطئ ومناف لروح النص، وكذلك يحدد المقصود بالإعالة هل المادية أو المعنوية، أم هما معا؟ كحالة وحيد والديه أو من كان أبواه شيخين كبيرين ويقوم بتطبيبهما وتمريضهما.
د) وجود أخ أو أخت في الخدمة:
من الحالات التي جعلها المشرع سببا للإعفاء من الخدمة العسكرية، ما نص عليه في البندين الرابع والخامس من المادة الأولى، والأمر يتعلق بوجود أخ أو أخت في الخدمة العسكرية، أو أنه تم استدعاء شخصين من الأسرة نفسها في الوقت ذاته، وعليه لا يمكن أن ينخرط في الخدمة العسكرية أكثر من فرد واحد من الأسرة ذاتها في الوقت نفسه، أما أن يتم ذلك في أوقات مختلفة فهذا ليس بسبب من أسباب الإعفاء من الانخراط في الخدمة العسكرية.

3) متابعة الدراسة
باعتبار أن حجرة الدراسة هي الأصل بالنسبة إلى الفتى والفتاة، لكي يتمم دراسته الجامعية، فإن المشرع اعتبر أن متابعة الدراسة يعتبر سببا من أسباب الإعفاء من الانخراط في الخدمة العسكرية، مع الإشارة إلى أن المشرع لم يحدد نوع الدراسة والمستوى الجامعي وهل في في القطاع العام أم الخاص؟ وهل الأمر يتعلق بالتعليم الأكاديمي، أم التكوين المهني أو في إطار التكوين المستمر؟ ويجب على النص التنظيمي تدقيق هاته المقتضيات وتوضيح المقصود بمتابعة الدراسة.

4) حالات إعفاء مؤقتة
تطرق المشرع في مشروع قانون 44.18 إلى حالات الإعفاء التي اعتبرها أنها مؤقتة فقط، وهي عندما يتعلق الأمر بأعضاء الحكومة والبرلمان دون استثناء، حيث تنتهي مدة قيامهم بهاته المهام أو عدم تجديد الثقة فيهم أو انتخابهم من طرف الناخبين، ويجب الوقوف على هذا النص بصيغته الحصرية، أي إن الإعفاء المؤقت يشمل البرلماني وأعضاء الحكومة فقط، أما المستشارين في الجماعات الترابية وكذا رؤساء المجالس البلدية والقروية فإن النص لم يتطرق إليهم باعتبارهم يعفون من الانخراط في الخدمة العسكرية. ولا نعتقد أن من حق النص التنظيمي إضافة هاته الفئة، لأن النصوص التطبيقية هي للتفسير وليس لخلق قواعد قانونية جديدة، وعليه فإذ أراد المشرع إعفاء هاته الفئة (المستشارين في المجالس الترابية) فإنه يجب التنصيص عليها في قانون 44.18 وليس في النص التنظيمي.
ومن الفئات المهنية التي يمكن أن تكون محل إعفاء، تحدث المشرع عن بعض فئات الموظفين وأعوان الدولة والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات والمقاولات العمومية، التي تقتضي المصلحة العامة الاحتفاظ بهم في مهامهم.
وقد أحال المشرع على النص التنظيمي الذي سيحدد هاته الفئة وأصنافها.
وعليه فإنه باستثناء الفئات المذكورة أعلاه، سواء التي تتمتع بإعفاء دائم أو إعفاء مؤقت، فإن جميع المغاربة ذكورا وإناثا المتراوحة أعمارهم بين 19 و25 سنة ملزمون بالانخراط في الخدمة العسكرية متى تم توجيه الاستدعاء إليهم داخل الأجل المحدد، وهو عدم تجاوز سن 25 سنة.
والسؤال المطروح هو: ما هو العمل لو تم توجيه الدعوة إلى شخص وكان في حالة إعفاء دائم أو مؤقت، وانتهى سبب الإعفاء بعد بلوغه 25 سنة؟
تنبه المشرع إلى هذا المقتضى واعتبر أن من تم توجيه الاستدعاء إليه وكان في حالة من حالات الإعفاء، سواء الدائمة أو المؤقتة، وانتهى هذا السبب بعد بلوغه 25 سنة فإنه بالرغم من ذلك فإنه يظل ملزما بهاته الخدمة، شريطة عدم بلوغه 40 سنة، وهو ما نص عليه المشرع في المادة 4 من مشروع قانون 44.18، حيث جاء فيها «غير أنه يمكن استدعاء الأشخاص البالغين من العمر أكثر من 25 سنة، والذين استفادوا من الإعفاء لأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة الأولى لأداء الخدمة العسكرية إلى حين بلوغهم 40 سنة، وذلك في حالة زوال السبب الداعي إلى إعفائهم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى