شوف تشوف

الرأي

قصة أول نزاع إنساني.. واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق؟

في القرآن مفهومان يحتار فيهما الجاهل ويشعر الباحث بلون من التناقض بينهما؟ والقرآن يقول: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا؟ وهو ما أربك أيضا المفكر العراقي القبانجي (الشيعي) والمتنصر (المغربي) رشيد حمامي، وعلى هذه الخطى والخطأ سلك كثيرون؟ فكيف نفهم اقتلوهم حيث وجدتموهم؟ أو ما يروجه دعاة داعش وفاحش: قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة؟ وهي آية من آخر سورة التوبة؟ وبين ست آيات من آخر ما نزل من القرآن في سورة المائدة عن قصة ولدي آدم، وكيف يفرز من هذه القصة ويتحدد اتجاهان: من يقتل؟ ومن لا يقتل ولو دفاعا عن نفسه؟
تقول الآيات الست إن الأخ الأول (الفاشل) الذي رسب في امتحان (القربان) حسد أخاه المتميز الذي تقبل منه قربانه ونجح في الاختبار أن هدده بالقتل؟ ليس لذنب فعله، بل فقط للتميز: قال لأقتلنك؟ قالها بالتشديد؟ لأقتلنك وليس سوف أقتلك؟ فكان جواب الأخ غير معقول، حسب المفاهيم المعهودة في كل قوانين الأرض الحالية بحق الدفاع عن النفس؟
لم يقل له حسب الثقافة المعهودة والتقليدية: جرب أن تمد يدك حتى أكسرها وأجعل وجهك خريطة؟
قال له على نحو لا يكاد يصدق: لو أردت قتلي فلن أمد يدي بالدفاع عن نفسي؛ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك.. ثم علل موقفه: إني أخاف الله رب العالمين.
من هذا الموقف نفهم أيضا لماذا اعتبر موسى أن قتله بالوكز للمصري من عمل الشيطان.
أذكر من أخ راسلني وكان السبب في أننا (أنا وصديقي الفلسطيني أحمد مطر من النرويج وآخر عراقي من النمسا) كتابا حول مشكلة العنف في الرؤيا الإسلامية، فكان نصيبي ثمانين صفحة في الرد على ثلاثة اتجاهات، أتذكر الأول منهم الأخ (مازن الصالحي) وهو الآن على ما أعرف مهاجر إلى بلاد (الكفر كذا؟ كندا) في مانيتوبا، عندما قال لا أستطيع أن أفسر موقف هذا هابيل (الأهبل)، إلا أنه قالها قولا، ولكنه استعد للدفاع عن نفسه، والذي حدث أن الأخ (قابيل الفهمان الذكي) خطط له خطة خبيثة؛ فأتاه غدرا من الخلف فقتله؟؟ ما شاء الله على التفسير؟ ألا تلاحظون أن كامل المعنى تم اغتياله فعلا من تفسير موقف الأخ (هابيل)؟
أكتب هذا الشيء في ضوء المعلومات التي وصلتني أن الرئيس المصري المنتخب (مرسي) قد ينهي حياته على حبل المشنقة؟ بعد أن صدر قرار إعدامه من هيئة قضائية لا توصف جدا بالنزاهة، وصدقها الأزهر بفتوى من كتاب الله كذا؟؟ ولو نفذ الحكم فقد يندفع بعض الشباب بدافع الثأر وربما أيضا تحت مفهوم (الدفاع عن النفس) فيحصل احتراب داخلي في مصر.
كنت في مونتريال في كندا عندما دعاني بعض الشباب إلى الجامعة الفرنسية لأتحدث في موضوع اللاعنف؛ فقمت باستعراض الآيات الست من سورة المائدة (الآية 27ـ 32). وكان العرض صادما للمفاهيم التقليدية، بل وحس الدفاع الغريزي، لأن القصة ـ ويجب على القارئ فتح القرآن وقراءتها على مهل ـ تقول إن نزاعا حصل بين أخوين في فجر التاريخ الإنساني، هما ولدا آدم، ويقول البعض إن أحدهما هو قابيل والثاني هابيل (ربما من الهبل ويسمونه المغاربة البوهالي؟) والسبب أن الجنس البشري في تفكيره يمشي ضد اتجاه القرآن بتزكية القتل، وليس بتزكية أن لا يقتل الإنسان تحت أي مسوغ. ولد البوهالية (الأهبل عفوا!) هو الذي لم يدافع عن نفسه، مع أن الأول هدده بأنه سيقتله؟ ولماذا لأن الله تقبل (قربان) الأول ولم يتقبل قربان الثاني؟
الآن ركزوا معي على كلمة (القربان) لأن التاريخ الإنساني كما يرويه المؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت) في سفره الضخم (42 مجلدا بعنوان قصة الحضارة والذي يجب أن يكون في بيت كل محب للثقافة!) يذكر أن الإنسان احتار في تفسير القوى الكونية من حوله؛ رعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت؟ لم يأتهم التفسير من سورة الرعد (وينشئ السحاب الثقال ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته)، بل رأوا أن أفضل طريقة لاسترضاء هذه القوى تقديم القربان؟ فالعقل الإنساني لم يفهم أن الكون يقوم على قوانين نوعية، يمكن بفهمها ضبط مسار الكون، بل ونقل الأرض من مدار إلى مدار، إذا هددت بمذنب ينهي الحياة على الكوكب، كما حدث مع مذنب (يوكاتان) في شمال شرق المكسيك قبل 66 مليون سنة؛ فكان خلف انقراض الديناصورات، حسب نظرية (لويس الفارز) من جامعة بيركلي؟
نفس شعائر تقديم القرابين تطورت إلى التضحية بالإنسان، ومما فعلت قناة الديسكوفري أنها حاولت فهم كيف يمكن التضحية بحوالي عشرين ألف إنسان، في ثلاثة أيام العيد، عند حضارة الأزتيك في المكسيك، تلك التي دمرها الإسبان على يد (هيرناندو كورتيس) في مطلع القرن السادس عشر للميلاد، كما أظهرها فيلم النهاية (Apocalypse) الذي أخرجه ميل جيبسون؟
وما يجب فهم أيضا لماذا قام إبراهيم وإسماعيل ببناء الكعبة في أرض غير ذي زرع للناس جميعا، وفيها أهم ترميز بعدم التضحية بالإنسان، تحت أي مسوغ وحرب، حين تم استبدال القربان بالحيوان. هنا نحن أمام شعيرة ليست دون معنى، ولن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوى منكم. بكل أسف نحاول دوما أن نسند كلماتنا بالنصوص، وهذه يفهمها الإنسانيون بدون نصوص منزلة وكتب مقدسة. أن لا يضحى بالإنسان، لا كما يفعل داعش وفاحش؟
رسالة إبراهيم باختصار وامتدادا من قصة أول نزاع بين ولدي آدم، أن الصراعات لا تحل بالقتل، وأن حل النزاعات أن يقف أحد الطرفين فيعلن أنه لن يدخل في هذا النزاع الدموي، ولو قتل فهو لن يدافع عن نفسه؟
مفهوم ثوري من هذا النوع أنشأه إبراهيم عليه السلام بعد آلاف السنوات من قصة ولدي آدم، كي يحول الكعبة إلى مكان لشحن السلام في العالم سنويا، وأن يكون مفتوحا لجميع الناس بصالات هائلة يدرس فيه الناس معنى السلام وأهميته للعالم.
مع كتابة هذه الأسطر يعلن (القايد السبسي) من تونس الأحكام العرفية بعد مقتل ثمانية وثلاثين من السياح، ليقول إن الدولة كلها أصبحت في مهب الريح، ولكن السؤال العميق لماذا يحدث ما يحدث؟
أذكر جيدا حين وقع الارتطام العالمي في برجي نيويورك، أن كل الناس بدؤوا يتحدثوا عن (كيف) وقع ما وقع، ولم يتجرأ أحد أن يسأل لماذا حدث ما حدث؟ حتى أنني اطلعت على ملف كلف به الخبيث (كيسنجر) كي يهتدي إلى خلفية الحادث؛ فلم يكمله على ما علمت وبقي الملف مغلقا، ولا نعلم بالضبط أين وصلت التفسيرات؟
قبل فترة دعاني شباب مغاربة إلى مدينة (مونبولييه) الفرنسية بعد حادث (شارل إيبدو)، ومقتل الصحافيين الذين ضحكوا على نبي الرحمة (ص) وسخروا منه؛ فكلفهم هذا قتلا، ثم ارتفعت أسهمهم إلى السماء، وباعوا من مجلتهم الحزينة الملايين؛ فملؤوا بها البطون والكروش، ولكن ما يحدث كله مؤشرات إلى تلبد سماء العالم، بهذه الغيوم الكئيبة من قصة ابن آدم القديمة، وصراع الإخوة، والبشر كلهم أخوة.
كانت الدعوة (مونبولييه) التي سوف تتحول إلى مشروع كتاب مستقل عن موضوع اللاعنف، وكيف نفهم دعوة الأنبياء عليهم السلام في ترسيخ مفاهيم السلام بين الأنام.
في محاضرة الجامعة الفرنسية في مونتريال، انبرى شاب يقول القاتل كان بطلا والمقتول كان مجنونا حين خسر المعركة (راح من كيسو)؟ قام شاب وقال له، بل على العكس يجب النظر إلى الأحداث من خواتيمها، فمن لم يدافع عن نفسه ربح الموقف أخلاقيا؛ فدخل إلى ضمير القاتل فلم يبارح، والقاتل الذي تحول إلى مجرم وليس بطلا، يصف رب العزة والجلال موقفه بأنه كان من الخاسرين وليس الأبطال. (انظروا إلى كلفة تحول الثورة السورية إلى السلاح؟)
يقول المهندس الاستراتيجي النووي (برودي) في كتاب (لأخلاق والحرب): كان هدفنا سابقا الانتصار في الحرب، أما الآن فأصبح تجنبها؟
من يقتل من يريد قتله فينتصر هو بطل كما في مباريات الكاوبوي الأمريكي بالمسدسات، ولكن من يقتل آخر لا يدافع عن نفسه، يصاب بعقدة ذنب لا تتركه، وهو ما حدث للقاتل في قصة صراع ولدي آدم.
يقول القرآن إنه أصبح من الخاسرين، حين مارس الجريمة بعد طول تردد (كما يشير إلى ذلك رشيد رضا في تفسيره المنار: فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله).
ولكن كما يقول الفيلسوف الفرنسي، ميشيل هيلبوك، الذي أثار كتابه (الاستسلام) ضجة في فرنسا، إن أكثر ما يؤثر فيه منظر الموت، وهو ما حصل لقابيل حين احتار في إخفاء الجريمة وكيف يدفن أخاه؛ فرأى غراب البين الأسود يبحث في الأرض؛ فأصبح من النادمين، وقال: يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين.
الآن أيها القارئ قف بتمعن عند كلمة (نادمين)، أي أن القاتل تطهر حين اعترف بالذنب والتوبة والندم، وأن موقف أخيه كان الصحيح، وهكذا تستقيم الأمور.
هنا نرى أن المقتول أصبح المنتصر الحقيقي، وأن القاتل تحول إلى مجرم، ولم يسو وضعه النفسي إلا بالتوبة عن الفعل، واتباع طريق المقتول الشهيد.. هذا هو الشهيد إذن..
ما أريد الوصول إليه؛ أن مرسي لو شنق فهو سيكون بمثابة السماد الذي يقوي شجرة الحرية، وفي تركيا من قبل شنقوا عصمت إينونو، فأخرجت شجرة تركيا أردوغان وغول وداوود أوغلو..
إذا كان من ثمة نصيحة للمعارضة المصرية فهي اثنتان: الصبر على الأذى وعدم التورط في القتل، كما يفعل مجاهدو سيناء (عفوا مجرمو سيناء) والاستفادة من الدرس السابق أن الحكم ورطة، وأن إدارة دفة الحكم يجب أن تكون مشاركة بين الأطراف، وعسى أن ينهي إخوان مصر ومرة واحدة فكرة الخلافة الإسلامية (عفوا الخرافة الإسلامية)؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى