الرأي

كندا مجتمع النبوات

لم استطع أن احبس دموعي التي انبجست، وأنا أستمع إلى المسرح الكندي الذي لاينطق العربية، تغني فيه مجموعة كبيرة من الفتيات الصغيرات: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع. وجب الشكر علينا ما دعا لله داع، ثم يتم ترداد ما يشبهه باللغتين الفرنسية والانجليزية، احتفالا باستقبال 25 ألف لاجئ سوري فروا من جحيم البراميلي الذي صدق حين قال: الأسد أو نحرق البلد؛ فأخرج الأضغان أمواجا، وفرت الجموع على وجهها قطعانا.
جستن ترودو رئيس الوزراء الكندي يشرف بنفسه على تدفئة الهاربين السوريين، فيلبس الطفلة السورية المعطف الدافئ وهي التي فرت من مجتمع يضم مسكينا ويتيما وأسيرا.
إنه يذكر بمجتمع المدينة الإنساني، وموعظة الجبل التي نطقها المعلم يسوع عيسى بن مريم، حين فتح فاه فقال طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. طوبى للعطاش إلى البر لأنهم يرتوون. طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون. طوبى لأنقياء القلب لأنهم الله يعاينون. طوبى لكم إذا فعلوا بكم ما فعلوا فقد فعلوا ذلك بالأنبياء من قبل.
عائلة كندية فضلت أن تتبرع بنفقات الزواج على عائلة سورية مشردة. والعديد حيا في البرلمان الكندي (العجيب والثوري مناصفة بين الرجال والنساء) خطوة ترودو وهو يدعو لاستقبال السوريين في مطار مونتريال. الأوبرا تتهيأ لأناشيد الإسلام الأولى وكلمات حواريي عيسى عليه السلام.
إنه مجتمع النبوات أليس كذلك؟ يقينا لو بعث نبي ورسول ليرى منظر الدمار الذي يدشنه البراميلي في بلاد الشام مستعينا بأوغاد القوقاز والفرس لاحتلال سوريا وقتل أطفالها، ثم يلتفت غربا ليرى كندا بواجهة رئيس وزرائها الجديد وهو يرحب بالمعدمين والفقراء والمشردين من بقايا مجتمع يتمزق، ويتعاون فيه مجلس اللعنة عفوا مجلس الأمن في استصدار قرار براءة البراميلي بعد قتله مليونا من السوريين وتشريد نصف الشعب السوري. لا يملك نفسه إلا أن يقول على لسان النبي والرسول: هناك في كندا مجتمع النبوات من جديد. مجتمع الصحابة في المدينة المنورة وهم يستقبلون رسول الرحمة بالأغنية التاريخية مع فرقة موسيقية بنشيد طلع البدر علينا (الذي يحرمه الوهابيون طبعا فهو بدعة لأن فيه موسيقى وغناء). إنه يذكرنا بالمسيح وهو يحمل غصن الزيتون راكبا حمارا وحوله الحواريون يدخلون المعبد وهم يصيحون في المنافقين والفريسيين والكتبة والصدوقيين أن جاء ملكوت الرب تعبدت طرقه اكرزوا بالحقيقة في كل واد.
نحن كما نرى بين الحقيقة والمظهر، بين الواقع والكلمات، بين واقع يتجدد على المعنى الإنساني في كندا، وبين تسويق كلمات تنسب إلى الله ورسوله وبين ما يقول وكتاب الله ورسوله بعد المشرقين فبئس القرين.
كثيرون يكررون وا أسفاه أن هذا المجتمع اللاديني يطبق أفضل الديانات الإنسانية منذ أن بعث الأنبياء والرسل. ذلك أن الحقائق شيء والشعارات شيء آخر.
أذكر جيدا من سوريا حين جاء انقلاب اللعنة في 8 مارس من عام 1963م فرفعوا شعارات الثالوث المقدس: الحرية والوحدة والاشتراكية؛ فاغتالوا (الحريات)، وحولوا البلد إلى منخس عبيد منافق، يهتف في المظاهرات ويزعق بالدم بالروح نفديك يا أبا الجماجم, وحولوا (الوحدة) إلى تفتيت منظم لكل شيء بما فيه الإنسان بين لسانه وضميره؛ فأصبح عبدا، انضم إلى قائمة الخنازير والقردة وعبدة الطاغوت. أما (الاشتراكية) الصفراء فتحولت إلى فقر وفساد، فلا يدخل البلد مواطن إلا ويرى مظاهر الوسخ والفوضى والذل والفقر، وحيثما تنفس دخلت مناخره جزيئات من (الأمن)؛ فإذا دخل البلد وضع على البوابة عن يمينه كرامته، وعن الشمائل عقله، ودخل مقوس الظهر قبل دخول أرذل العمر، ليتحول إلى نبات يؤدي وظائف النبات. هل يتنفس؟ إذن مسموح له بالتنفس!
هل يتكاثر؟ إذن مسموح له بالتكاثر، لينجب أولادا أكثر وأكفر للعبودية.
هل مسموح له بالوعي والتفكير والنطق والتعبير؟ لا إنها التابوهات الخطيرة والأرض الحرام؛ فليس عليه أن يؤدي عمل اليوم قبل الغد لأن هناك ما بعد الغد.
موت مقيم، وعبودية ضاربة، وعقل مغادر في إجازة مفتوحة، ولسان يزعق بالثالوث المقدس: وحدة تعني التفسخ والتحلل والشرذمة مثل أي جسد ميت يتحلل في التربة. حرية بدون أي حركة إلا في اللهاج بالثناء على الطاغوت. اشتراكية تعني اشتراكية في الفقر والذل والعبودية والقرف والوسخ والفوضى. حاشا الفوضى.. هي فقط للمساكين. أما الدولة وكل إمكانياتها فهي للتجسس على المواطن مسكينا ويتيما وأسيرا، مثل حمار غليظ الجلد اعتلى ظهره خمسة عشر ضابطا أمنيا يسوقونه في الاتجاه الغلط، فلا يقتربون من الإصلاح إلا إلى الضلال البعيد.
هل نفهم لماذا يهرب الناس إلى كندا؟ لماذا يقوم جستن ترودو بتلبيس الطفلة السورية معطف الشتاء بعناية بالحجم واللون. لماذا تغني الأوبرا الكندية طلع البدر علينا من ثنيات الوداع. لأن الشمس تطلع الآن من المغرب بعد أن خسف الله الأرض في الشرق والشرق الأوسط حتى حين، والموتى يبعثهم الله؛ فهذه هي دورة التاريخ، بعد أن ودع العرب التاريخ فهم في كهوف الوثنية ينهقون.
شكرا لك ترودو. كان حدسي في مكانه حين حملت عائلتي الى بلاد الصحابة وموطن حواريي المسيح وتلامذة غاندي ومريدي كونفوشيوس وأتباع زن وبوذا وصوفيي الهند وكل محبي السلام في العالم.
تبقى وصية أخيرة خاصة للمسلمين والعرب الهاربين إلى تلك البلاد الجميلة، أن اغرسوا في قلوب أولادكم حب السلام الأبدي، كما نادى به فيلسوف الحداثة إمانويل كانط، ولقحوا كل من حولكم بلقاحات السلام لأن العنف مرض هار سار، مثل سعار الكلاب إذا وقع قتل صاحبه ومن حوله، فسعار الكلاب يغادرها لمن حولها من إنس وحيوان فيعض كل مصاب من حوله، وهذا هو حاليا مرض داعش وفاحش وحالش، وكل حزب بما لديهم فرحون، فلا تكونوا من المشركين، ممن جعلوا دينهم شيعا كل حزب بما لديهم فرحون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى