شوف تشوف

شوف تشوف

«لاعب ولا محرمها»

لفهم ما يقوم به الأمير مولاي هشام من خلال حملته الترويجية ليومياته، يجب أن نعود بالذاكرة إلى زمن الطفولة، خصوصا عندما كنا نلعب الكرة فيأتي أحد الأطفال الذي لا مكان له في الفريقين، فيخرج عينيه ويقول «لاعب ولا محرمها».
وكنا نسمي هذا النوع من «العصيان» الطفولي «حارومي»، أي أن أشارك في اللعب أو أن أفسده من أساسه.
الأمير مولاي هشام تعب من ترديد طلبه الذي عبر عنه دائما، أي الرغبة في المشاركة في «اللعبة»، أي الحكم من داخل ما يسميه في كتابه «دار الملك». غير أن الجواب جاءه دائما بالنفي. فالعرش لا يتسع سوى للجالس فوقه.
ولذلك اختار الأمير أن يحترف لعبة «حارومي». وكتابه الصادر حديثا حلقة أخرى ضمن سلسلة طويلة من المشاكسات التي يريد من خلالها أن يقلي السم لكل من يعتبرهم «متورطين» في طرده من جنة البلاط.
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف لا يدخر الأمير أي مجهود، حتى ولو تطلب الأمر اختلاق القصص والأحداث، مثل قصة دراسته في المعهد المولوي والكوليج الملكي. وفي كل الربورتاجات التي صورت حول المعهدين لا يظهر الأمير مولاي هشام في أي واحد منها، ملثما لا يظهر محمد بنزايد الذي تحدث عنه في مذكراته. وحتى الأستاذ بنزاوية الذي طالما تحدث عن الكوليج الملكي والمعهد المولوي لم يأت في يوم من الأيام على ذكر مولاي هشام كتلميذ في هذين المعهدين.
والمرة الوحيدة التي شارك فيها مولاي هشام مع تلاميذ المعهد الملكي كانت عندما رافقهم في رحلة كشفية إلى إفران، ما لبث أن عاد منها مسرعا لعدم قدرته على مخالطة أبناء الشعب.
وعندما يتحدث الأمير مولاي هشام عن الأموات لا نملك كصحافيين سوى أن نضع كلامه بين قوسين، لأنه يعتمد فيه على روايات أشخاص لا نستطيع التحقق مما نسبه إليهم لكونهم في دار الحق، أما عندما يسوق كلاما على لسان الأحياء فمن واجبنا أن نتحرى التدقيق لدى هؤلاء الشهود الذين لازالوا بيننا. وهذا ما سنقوم به.
ومن المؤكد أن «الأمير المنبوذ» مصدوم من قرار الحكومة السماح لكتابه بالتوزيع في المغرب، فقد كان يراهن على منع تداول يومياته من أجل ضمان انتشار للكتاب على نطاق عالمي واسع، وهو ما سيمكنه من افتعال حالة من المظلومية التي قد تصنع منه بطلا أسطوريا يلهب حماس الغاضبين، ويعيد الأنفاس إلى خلاياهم النائمة، في أفق أن  تتحول «الهمسة إلى زئير» وفق ما يخطط له رفقة فريق عمله الدولي في مؤسسته الفكرية، أو ما يسطره أنصار «الفوضى الخلاقة» في مختبراتهم السياسية، والتي ظهرت بشائرها في أوكرانيا وماليزيا ومصر وفينزويلا والزمبابوي.
لذلك فقد مهد لظهور كتابه الموجه إلى الخارج بمقالات حديثة، ضمنها برنامجه السياسي للمغرب الآخر، أي «مغرب ما بعد ثورة الكمون»، وحرص على تسريب بعض فقراته الساخنة لضمان الإثارة المحتملة، والوصول إلى المنع المنشود، كأكبر هدية يمكن لكاتب مبتدئ أن يحلم بها.
ولكل الذين يعتقدون أن الكتاب هو مجرد عمل أدبي لأمير متعب بحمولته الثقافية، يقتحم من خلاله كصعلوك قديم عوالم الحرملك الجديد، ويبوح  لنا فيه بأسرار القصور كشاهد على العصر، ويستنطق عوالم القبور كساحر بدون طلاسم أو بخور، أو يستبق بواسطته التأريخ لمرحلة ما زالت لم تستنفد كل مخزونها بعد، يكفيهم أن يعودوا إلى روايته التي يبشر فيها بثورة الكمون قبيل الثامن من فبراير 2018 لكي يطالعوا برنامجا سياسيا موغلا في السطحية، وخاليا من أية رمزية، صادر عن شخص مولع بمهنة «الأمير»، يتراوح حلمه بين دك أسوار القصر الذي لم يعد يسكنه بعدما غادره، وبين تحويله إلى متحف أو جامعة أو مارستان، والرغبة في تجريد العائلة المالكة من قداستها المخيفة، وإعادتها إلى طبيعتها البشرية، بعد تخليصها من المخزن، ذلك القرين القبيح بالنسبة له، الذي يسكنها مثل عفريت من عفاريت سيدنا بنكيران، عفوا، عفاريت سيدنا سليمان.
ورغم أن الأمير لا يمل من تكرار روايته حول إجهاض حلمه في بناء مدينة «أم عزة» بغلاف مالي يصل إلى مليارات الدراهم لا يقول لنا في كتابه كيف جمعها، فإن طموح الأمير يتجاوز حلم بناء مدينة نموذجية خضراء وجامعة باسم أبيه الذي قدمه في كتابه كسكير لا يصحو من شرب الويسكي، ولم يحافظ على حرمته ولا على سمعته وذكراه، ويفوق بكثير الرغبة في حكم إمارة «أم عزة» التي ستكون بحجم إمارة موناكو أو إمارة «ليشنشتاين» التي يحرص على ادخار ثروته بها تحسبا لعوادي الزمن، والاحتفاظ بما جناه عبر سنوات من الدلال والاحتيال في تهريب هدايا عمه الحسن الثاني إلى حسابات في الخارج كما اعترف في كتابه بعظمة لسانه.
لذلك فهو يتخيل مدينة بديلة تتجاوز سياسة ترييف المجال المنتهجة لحد الآن، من أجل تحقيق التحول المعاق، وتحرير مجالس تسييرها من سطوة وصاية المخزن وجشع لوبيات العقار المرتبطة به.
وإذا كان «الأمير المنبوذ» يطالب بأن يعترف له بقصب السبق في التفكير في بناء أول مدينة إيكولوجية بإفريقيا بكاملها، فإنه يسكت عن المطالبة بالاعتراف له بالريادة في التفكير في تدريس الأطفال المغاربة في المدارس بالدارجة، واعتبارها وسيلة ثورية في القطع مع الهدر المدرسي، كما يتخيل سموه، وطريقة تمكننا من تجاوز حالة الاستلاب التي يعاني منها التلميذ عندما يتم تلقينه دروسا باللغة العربية الكلاسيكية.
وهنا يلتقي الأمير مع الأفكار المعبر عنها منذ وقت قصير من طرف التاجر نور الدين عيوش، والتي شكلت حينها بالون اختبار لقياس سرعة رياح التغيير ومعرفة اتجاهها، ومدى تقبل المغاربة لتلك الفكرة الجهنمية، والتي ستكون ناجعة ومنتجة لو اقترنت في نظره بسياسة تعليمية براغماتية على الطريقة الأمريكية العزيزة جدا على قلبه.
وما لا يعرفه الكثير من الناس أن الأمير منتج سينمائي لفيلم بعنوان «من الهمس إلى الزئير» سنة 2012  للمخرج والسيناريست «بن مويز»، والذي يحكي عن التغيرات السياسية في خمس دول، وهو الفيلم الذي اعتبرته هيلاري كليتنون «ليس وثيقة مبهرة فحسب، بل منبعا للإلهام للناس في مختلف أرجاء العالم، الذين يبحثون عن جعل الحكومات مسؤولة أمام مواطنيها»، معتبرة أن قصص الفيلم تدل على أن الديمقراطية هي نتاج تضحيات جسام، و»نحن كلنا مسؤولون لحماية الوعد بها للأجيال القادمة».
وربما لن ننتظر طويلا حتى نرى كتاب يوميات أمير منبوذ قد تحول إلى فيلم على شاشة السينما، بمقاطعه المضحكة عن الراوي الذي جلبه مولاي عبد الله من ساحة جامع الفنا إلى القصر لتسليته، ومقاطعه المرعبة عن قطع رأس المهدي بنبركة وحمله فوق طبق إلى الحسن الثاني، ولن نفاجأ لو جاء مولاي هشام ليطلب الدعم لمشروعه السينمائي من المركز السينمائي المغربي مثلما صنع عندما جاء حاملا ملفات لطب قروض من البنك الشعبي والقرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي كل سنة لإنجاز مشاريعه السياحية وضيعاته الفلاحية التي تذهب عائداتها إلى البنوك الأمريكية والسويسرية.
والواقع أن الأمير «غضبان» بمجرد ما يرفض له طلب يسارع إلى سياسة «لاعب ولا محرم» الطفولية. ولذلك فالكتاب رد فعل على مجموعة قصور محطمة بناها الأمير على شاطئ أحلامه وتحطمت على صخرة الواقع.
فعندما طرق الأمير أبواب مجموعة القرض الفلاحي ليطلب قرضا جديدا، ليس لشركته دومين بورا Domaines El Boura  أو شركته الثانية «دومين أولاس Domaines Oulassi»، لكن من أجل اقتناء شركة مستقرة في هولاندا اسمها «أميليا AMELIA» متخصصة في صناعات «البيو دييزيل»، تم رفض طلبه مما جعله يغضب مجددا. رغم أن مسؤولي البنك شرحوا له أن المؤسسة تمول مشاريع داخل المغرب وليس خارجه، وإلا ستكون متهمة بإخراج العملة الصعبة.
والغضبة نفسها عاودت الأمير عندما رفض مكتب الصرف الترخيص له بإخراج 80 مليون درهم من المغرب إلى بلد أجنبي تحت ما سماه الأمير استثمارا له في الخارج، بعدما وضع ملفا غير مقنع لدى المكتب.
واضح إذن أن كتاب «الأمير المنبوذ» ليس سوى نوبة غضب تندرج ضمن لعبة «حارومي» التي لشدة ما أدمنها الأمير أصبحت مهنته الجديدة.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى