الرأي

لماذا تتبنى السعودية عقيدة بوش «من ليس معنا فهو ضدنا»؟

استضافت الرياض يوم السبت الماضي اجتماعا طارئا لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي لبحث حرق السفارة السعودية في طهران، ثم بعد ذلك توجه الوزراء جميعا إلى القاهرة للمشاركة في اجتماع طارئ آخر لنظرائهم العرب بدعوة من السعودية لبحث الموضوع نفسه، واستصدار إدانة قوية ضد إيران، وموقف تضامني مع السعودية في مواجهة هذا العدوان.
الإعلام السعودي المدعوم خليجيا، خرج السبت على لسان أحد كتابه المعروفين بقربهم من النظام، ويعكس في الغالب سياساته وتوجهاته، بنظرية جديدة، أو بالأحرى عقيدة جديدة، تقول وفي تزامن مع انعقاد المؤتمرين في الرياض والقاهرة، «إن من ليس معنا فهو ضدنا»، وهي رسالة واضحة إلى الحكومات العربية الأخرى.
بمعنى آخر، إن كل من لا يقف في خندق المملكة العربية السعودية وحروبها الحالية في اليمن وسورية، والمستقبلية ضد إيران، فهو ضدها، ولا موقف وسط على الإطلاق، وممنوع النقاش أو الجدل، فقد حسم الأمر، وما على الآخرين غير الطاعة والتنفيذ.
العقيدة السعودية الجديدة تأتي آخر حلقات الاستقطاب الطائفي في المنطقة، وتحشيد الدول العربية والاسلامية في خندقه، وفي مواجهة إيران والمذهب الشيعي على وجه الخصوص، فهذا هو العدو الأخطر الذي يجب التصدي له، وإعطاؤه الأولوية المطلقة عما عداه، وتوظيف كل الإمكانيات العسكرية والمادية والبشرية والإعلامية في هذا المضمار.
الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش هو صاحب الطبعة الأصلية لهذه «العقيدة»، وأطلقها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وتمهيدا لشن حرب ضد العراق كانت معدة سلفا، واستطاع حشد تحالف من 34 دولة لشنها، وبتحريض من اللوبي الاسرائيلي ورموزه التي تغلغلت في الإدارة الأمريكية ومفاصلها الرئيسية، ولكن المملكة العربية السعودية، وإن استطاعت حشد العدد نفسه من الدول تحت لواء حلفها الاسلامي الجديد، ليست أمريكا، وليست قوة عظمى تملك حاملات طائرات وأكثر من ثلاثين ألف رأس نووي.
عقيدة الرئيس بوش هذه حولتها إلى أكثر دولة مكروهة في العالم، وألحقت بها هزيمة كبرى على أيدي رجال المقاومة في العراق وأفغانستان، وخسائر بشرية تفوق السبعة آلاف قتيل وأربعين ألف جريح، وأكثر من خمسة تريليونات دولار خسائر مادية، علاوة على توفير الحاضنات للجماعات الاسلامية المتشددة، وعلى رأسها «الدولة الاسلامية» التي تتمدد حاليا في أقطار عربية وإسلامية عديدة.
لا نعرف ما إذا كان من تبنوا هذه العقيدة في المملكة العربية السعودية يعرفون هذه الحقائق مجتمعة أو منفردة أم لا، ونرى لزاما علينا أن نلفت انتباههم إليها، قبل فوات الأوان، خاصة أن المنطقة تزحف بسرعة إلى حرب طائفة كبرى قد تستمر لعقود، وتحرق الجميع دون استثناء.
اقتحام السفارة السعودية في طهران عمل إرهابي مدان بأقصى العبارات والكلمات، ويتصف بالرعونة وقصر النظر، فليس من الشجاعة الإقدام عليه، لأن حماية هذه السفارات من مسؤولية الدولة المضيفة، ولكن هذا لا يعني إعلان حرب بسببه على إيران، خاصة أنها، وعلى أعلى المستويات، اعترفت بالخطأ واعتذرت عنه.
الإيرانيون اقتحموا السفارتين الأمريكية والبريطانية في السابق، واحتلوهما، ولكن لم تخض البلدان حربا ضد إيران للانتقام، وإن كانتا لجأتا إلى قطع العلاقات، وفرض عقوبات، وهذا رد مشروع ومتوقع، فالحروب، وقرارات خوضها يجب أن تكون آخر الخيارات.
نطالب العقلاء العرب، أو من تبقى منهم، الذين ستشارك دولهم في اجتماعي وزراء الخارجية الخليجي والعربي، أن يمتلكوا الشجاعة والقدرة، ويناقشوا السعودية بكل صراحة عن مخططاتها وحروبها في المنطقة، والسياسات التي تتبعها، والأهداف التي تريد إنجازها من خلفها، لأن هذه السياسات ستنعكس على المنطقة واستقرارها وأمنها، ومستقبل أجيالها الحالية والقادمة، وثرواتها. نطالبهم أن يكونوا أعلى صوتا، وأن يتخلوا عن الصمت الذي قد يفسر على أنه علامة رضا، وموافقة مبدئية على هذه السياسات، وما تفرزه من حروب آتية ومستقبلية.
من حقنا أن نعرف نوايا صاحب القرار السعودي الذي يخيرنا، كدول وشعوب، بين الوقوف معه أو ضده، وما الذي يريد الوصول إليه، ومن حقنا أيضا أن نسأله عما إذا كان الخطر الاسرائيلي من ضمن أولوياته، وأي مكانة يحتل على سلمها، في القمة أو الوسط، أو في القاع.
عندما سألت مجلة «الايكونوميست» البريطانية الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي في الممكلة، وزعيم جناح الصقور، ومهندس الحرب ومنفذها في اليمن، بحكم منصبه كوزير دفاع، عندما سألته عن توقعه لموعد نهاية الحرب في اليمن، بعد عشرة أشهر من بدئها لم يستطع الإجابة، لأنه بكل بساطة لا يملكها.
قرأت المقابلة مع الأمير بن سلمان ثلاث مرات، وبلغتها الانكليزية الأصلية، في محاولة لفهم المنظور الاستراتيجي لمنظري وواضعي العقيدة السعودية الجديدة، وما ترمي إليه، وخرجت بانطباع راسخ بأن المزاج السعودي الجديد هو مزاج حرب، ومهما كانت التكاليف، فالرجل تحدث عن بيع أهم الأصول الاستراتيجية للبلاد، وهي شركة «أرامكو» التي تتحكم بالثروة النفطية السعودية، تصديرا واحتياطا وتصنيفا، وملايين الأمتار من الأراضي الحكومية في المنطقة الغربية، أي مدينتي جدة ومكة، ولسان حاله يقول أننا لسنا على وشك الإفلاس مثلما تقولون، ومستعدون لتغطية نفقات الحروب إذا اضطررنا إلى ذلك.
نقف مع المملكة العربية السعودية، مثلما نقف مع أي بلد عربي وإسلامي آخر، في الحفاظ على وحدته الترابية، وأمنه واستقراره، ونقاتل في خندقها في مواجهة أي عدوان يستهدفها، ولكننا في الوقت نفسه نعارض بقوة سياساتها التي تتدخل في شؤون دول أخرى، وتوظف قدراتها المالية والعسكرية الجبارة لزعزعة أمنها واستقرارها، تحت شعارات ديمقراطية وحقوق إنسان، هي آخر من يلتزم بها.
نعارض الحروب والتقسيمات الطائفية، ونقف وسنقف ضدها، سواء جاءت من قطبها السعودي أو الإيراني، وبالقدر نفسه، وإذا أرادت القيادة السعودية خوض هذه الحروب فإنه ليس من حقها فرضها علينا، أو أي شعب عربي آخر، وعليها أن تتشاور مع الذين سيكونون ضحايا هذه الحروب.
نرى أن من واجبنا أن ندق الجرس، وأن نقول الحقيقة، حتى لو عرضتنا للكثير من المخاطر، وفي ظل طغيان حملات التضليل الإعلامي على أوسع نطاق بهدف التحريض على الحرب الطائفية، والتحشيد لها، في إطار مخطط جهنمي يريد حرق المنطقة، وصب المزيد من الزيت على نيران الفوضى الدموية التي تسودها.
نحن مع أمن واستقرار وحقن دماء أبناء أمتنا، ونقف في خندق الحوار والتفاهم لتسوية الخلافات مهما كبرت، لأننا نؤمن إيمانا قاطعا بأن عدو هذه الأمة هي اسرائيل، ومن يدعم احتلالها لأرضنا ومقدساتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى