الرأي

لماذا تقصف روسيا حلب من قاعدة إيرانية؟

أن تلتزم الإدارة الأمريكية الصمت المطبق تجاه أمرين أساسيين، الأول: انطلاق قاذفات روسية يوم “الثلاثاء” من قاعدة همدان الجوية الإيرانية، وقصف مواقع لـ”الدولة الاسلامية”، وجبهة “فتح الشام” أو “النصرة” سابقا، في مناطق حلب ودير الزور وأدلب، وتتجنب التعليق على التصريحات التي أدلى بها سيرغي شويغي، وزير الدفاع الروسي التي قال فيها “إننا نقترب مع الأمريكيين من تنسيق عمل عسكري في حلب شمال سورية”، فهذا يعني أن هذه الإدارة تبارك هذا القصف الروسي الذي يعكس تحالفا استراتيجيا روسيا إيرانيا، وان هناك “ضوء أخضر” أمريكيا لروسيا للقضاء على “التنظيمات الارهابية”، و”النصرة” و”الدولة الاسلامية”، على وجه الخصوص.
المسؤولون الروس الذين يجوبون المنطقة، ويطلقون التصريحات هنا وهناك حول الأوضاع في سورية، ومدينة حلب تحديدا، باتوا ينطلقون من “التفاهمات الأمريكية الروسية” السرية، ويتحدثون باسمها، وينفذون ما نصت عليه من خطوات ميدانية، وما يمكن أن يتلوها من حلول سياسية.
روسيا باتت هي المرجعية الاساسية في ما يتعلق بالمنطقة من تطورات، وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة، ووجدت في القواعد الإيرانية الجوية البديل عن قاعدة “أنجرليك” التركية، التي ترابط فيها طائرات أمريكية وسعودية.
الرسالة من استخدام هذه القواعد الإيرانية واضحة، وتتلخص في التأكيد على استراتيجية العلاقة بين موسكو وطهران، فروسيا التي تملك قواعد جوية في حميميم في شمال سورية، ليست في حاجة إلى اللجوء إلى القواعد الجوية الإيرانية، فهي أقرب إلى حلب كثيرا، وتزدحم بكل أنواع الطائرات القاذفة والمقاتلة.
في الوقت الذي تقصف فيه القاذفات الروسية مواقع المعارضة “الارهابية” في حلب ودير الزور، تنشط الدبلوماسية الروسية في خط متواز، عنوانه الأبرز الزيارة التي قام بها ميخائيل بوغدانوف، مساعد وزير الخارجية الروسي إلى طهران، حيث التقى نظيره الإيراني حسين جابري أنصاري، ومنها إلى الدوحة للقاء المعارضة السورية “المعتدلة”، وممثلين عن حركة “حماس″.
وكان لافتا أن برنامج بوغدانوف لم يتضمن زيارة الرياض حيث يوجد مقر المعارضة السورية الأبرز التي يتزعمها السيد رياض حجاب، فهل هذا يعني أنه لا يعترف بها، ولا يعتبرها الممثل الحقيقي لهذه المعارضة، والشريك المقبل في الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف، مثلما كان عليه الحال في الجولات السابقة؟
الساحة السورية، ومنطقة حلب على وجه الخصوص، تبدو على حافة معركة حاسمة، سيخوضها الحلف السوري الروسي الإيراني في الأيام القليلة المقبلة بمباركة أمريكية للإجهاز على ما تسميه روسيا بالفصائل والمنظمات الارهابية، بعدما نجحت في تجميعها في منطقة واحدة ورئيسية، وهي ريف حلب الجنوبي، وبما يؤدي في النهاية إلى استئناف المفاوضات للتوصل إلى حل سلمي عموده الفقري حكومة سورية موسعة، تتمثل فيها بعض الشخصيات السورية المعارضة، وتتولى حقائب ثانوية ليس من بينها الحقائب السيادية مثل الدفاع والخارجية والداخلية، تحلف اليمين أمام الرئيس بشار الأسد، الذي لم تعد الدول العظمى تطالب برحيله، وربما هذا هو الهدف الأبرز من زيارة بوغدانوف للدوحة وليس للرياض.
المطالب التركية تواضعت كثيرا في الأيام الأخيرة، وبالتحديد منذ الانقلاب الفاشل، فبعدما كانت تتمثل في مناطق عازلة في حلب، باتت تنحصر الآن في انسحاب قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية من مدينة منبج التي استولت عليها، وأخرجت “الدولة الاسلامية” منها، والعودة إلى مناطقها شرق الفرات، بعدما أكملت مهمتها، ولكنها مطالب لم تلق أي استجابة من الروس والأمريكيين معا حتى الآن، وحتى لو تم بحثها، أي المطالب التركية، فإن الانسحاب لن يكون مجانيا ودون مقابل.
الأسبوعان القادمان هما أسبوعا معركة حلب الفاصلة عسكريا، وفقا للتفاهمات الأمريكية الروسية أولا، والتفاهمات التركية الروسية ثانيا، ثم بعد ذلك تبدأ مفاوضات الشق السياسي ومساوماتها في مطلع (شتنبر) المقبل برعاية الدولتين العظميين.
أين العرب في كل هذا المشهد؟ وما هو دورهم؟ في المعركتين العسكرية والسياسية؟ ونحن نتحدث هنا عن داعمي المعارضة السورية منعا للبس والتعميم.
دور إعلامي محدود جدا، وينحصر في نشرات التلفزة، والبرامج الحوارية، وخبرائها العسكريين المتقاعدين، ولكن بدون حواسيبهم هذه المرة.
نحن نعيش الزمن الروسي فعلا وقولا، ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه، قبل أن يغالط الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى