شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

لمن تقرع أجراس الفوترة الإلكترونية؟

الدكتور فؤاد بنصغير
أستاذ جامعي
خبير/ مكون/ مستشار في القانون الإلكتروني

لقد دخل المغرب مند مدة طويلة في مرحلة نزع صفة المادية عن الوثائق القانونية، ووضع لذلك إطارا قانونيا عاما وهو القانون 53.05 (التوقيع الرقمي+ نظم التشفير+ سلطات المصادقة الإلكترونية…) ليعطيها قيمة ثبوتية.
ومن بين هذه الوثائق القانونية نجد الفاتورة الإلكترونية، التي وضع لها إطارا قانونيا خاصا بها، إضافة إلى الإطار القانوني العام (القانون 53.05).
ذلك أن المشرع المغربي قد أقر نظام الفوترة الإلكترونية في قانون المالية لسنة 2018 والذي سيدخل لا محالة حيز التنفيذ في مستقبل الأيام، بحيث يتوقف الأمر على شرط صدور النصوص التنظيمية (وليس فاتح يناير 2019 كما أشيع).
وبعد ذلك ستصبح الفاتورة الإلكترونية وثيقة إلزامية في التصريح الضريبي، وبالتالي لن تعود للفاتورة التقليدية على دعامة ورقية أية حجية قانونية.
فما هي الفاتورة الإلكترونية؟ وما هي المتطلبات والواجبات التي تنشأ عنها؟ وما هي قيمتها القانونية في مجال الإثبات؟
هذه الأسئلة وغيرها لا بد من التوقف عندها ليكون الملزمون بها على بينة من أمرها، عندما تصبح (قريبا لا محالة) إلزامية.
لكن، قبل الحديث عن النظام القانوني للفوترة الإلكترونية وعن قيمتها القانونية في مجال الإثبات، لابد من الحديث عن التزام مسك المحاسبة بطريقة إلكترونية التي تدخل الفوترة الإلكترونية في إطاره، والذي جاء به هو كذلك قانون المالية لسنة 2018.

أولا: مسك المحاسبة عن طريق إلكتروني
نصت المادة 145 من مدونة الضرائب على أنه: «يجب على الخاضعين للضريبة أن يمسكوا المحاسبة المشار إليها في الفقرة أعلاه وفق شكل إلكتروني، حسب معايير محددة بنص تنظيمي».
يتعلق الأمر هنا بالتزام مسك مجموع العمليات المحاسبية، حسب برنامج معلومياتي، وليس فقط عملية إدخال البيانات المحاسبية في نهاية السنة المحاسبية، التي تدخل أكثر في إطار تقديم وحفظ الوثائق المحاسبية على دعامة معلومياتية.
نشير إلى أن المقصود بالدعامة المعلومياتية هو كل جهاز أو آلية تتيح تخزين البيانات الرقمية: قرص مدمج/ مفتاح USB /قرص صلب…

ثانيا: الفوترة الإلكترونية
بعد أن نتحدث عن الفاتورة الإلكترونية نفسها، سنتولى تبيان الالتزام القانوني بها.
أ-الفاتورة الإلكترونية
سنقوم بتعريف الفاتورة الإلكترونية أولا، ثم تقديم أنواعها ثانيا.
1-تعريف الفاتورة الإلكترونية
تعتبر الفاتورة الإلكترونية نسخة إلكترونية (على دعامة إلكترونية) من الفاتورة الورقية التقليدية (على دعامة ورقية).
إنها بالتحديد الفاتورة (وهي تحتوي بطبيعة الحال على كل المعلومات المتطلبة قانونا، مثلها في ذلك مثل الفاتورة الورقية التقليدية) التي يتم إنشاؤها وإرسالها وتلقيها وأرشفتها (حفظها) على شكل إلكتروني بواسطة برنامج فواتير خاص.
هذا يعني أن العملية برمتها يجب أن تتم من البداية إلى النهاية بطريقة إلكترونية، دون اللجوء إلى الدعامة الورقية في أي مرحلة من المراحل.
وبالتالي، عندما يتم إنشاء فاتورة على شكل إلكتروني ثم يتم طباعتها وإرسالها في شكل ورقي، فإن الأمر لا يتعلق بفاتورة إلكترونية.
وبالطريقة نفسها، إذا تم إنشاء فاتورة على شكل ورقي تتم رقمنتها بواسطة الماسح الضوئي وإرسالها عبر البريد الإلكتروني، فإن الأمر لا يتعلق بفاتورة إلكترونية.
غير أنه في هذه الحالة الأخيرة قد تكون للفاتورة الإلكترونية قوة ثبوتية، شريطة أن يتم تأمينها عن طريق توقيع إلكتروني مؤمن (وضع له القانون 05-53 شروطا محددة) وحفظها في شكليها الورقي والإلكتروني.
وينطوي استعمال الفوترة الإلكترونية على استخدام نظام يسمح بضمان أصلية (authenticité) الفاتورة الإلكترونية وسلامة(intégrité) ومقروئية (lisibilité) محتواها.
وتعني أصالة الفاتورة الإلكترونية أن يتم ضمان هوية مصدر هذه الفاتورة.
وتعني سلامة الفاتورة الإلكترونية أن يتم ضمان عدم العبث بمحتوى هذه الفاتورة، خاصة وأنها مثل غيرها من الوثائق المحاسبية تمر عبر شبكة الأنترنيت المفتوحة وغير المؤمنة (يمكن العبث بمحتوى الفاتورة الإلكترونية من قبل القراصنة(.
وتعني مقروئية الفاتورة الإلكترونية أن يكون بالإمكان في أي وقت قراءة محتواها.
ومعنى ذلك قراءة الفاتورة عند طلبها عن طريق الحاسوب بالطريقة التي أنشئت وحفظت بها.
وتظهر أهمية هذا الشرط بعد تخزين الفاتورة لمدة معينة ويتم طلب قراءتها إلكترونيا عند الحاجة، كما لو كان الأمر يتعلق بالرقابة من الإدارة الضريبية أو مطابقة النسخة للأصل المحفوظ إلكترونيا.

2-أنواع الفاتورة الإلكترونية
تحدث المشرع المغربي عن نوعين أساسيين من الفاتورات: الفاتورة EDI والفاتورة الموقعة إلكترونيا.
فالنوع الأول هو الفاتورة على شكل «التبادل المعلومياتي للمعطيات» (Echange de données informatisées EDI) الذي يرتكز على نظام مهيكل للتبادل الإلكتروني للبيانات والوثائق الضريبية بين الملزمين بأداء الضرائب والإدارة العامة للضرائب.
أما النوع الثاني فهو الفاتورة الموقعة توقيعا رقميا، (والتوقيع الرقمي الذي فصل فيه القانون 05-53 يختلف عن التوقيع الإلكتروني، لأنه يرتكز على نظام التشفير) والتي تتطلب توقيعا مؤمنا للفاتورة.
نشير إلى أن النوع الثاني هو المتبع اليوم، لأنه مؤمن ولأن النظام الثاني غير مؤمن ويتطلب من أجل ذلك خلق بنية تحتية للمفاتيح العامة (Infrastructure à clés publiques).

هذا يعني أن الفاتورة الإلكترونية الموقعة توقيعا رقميا (التوقيع الإلكتروني هو الذي يرتكز على المفتاح الخاص الذي يستخدم في توقيع الفاتورة والمفتاح العام، الذي يستخدم في التحقق من هذا التوقيع) تتطلب تدخل طرف ثالث، وهو هيئة المصادقة على التوقيع الرقمي وخلق ما يسمى البنية التحتية للمفاتيح العامة، التي لا يتسع المجال في هذا المقام للتفصيل فيها.

3-الالتزام القانوني بالفاتورة الإلكترونية

نصت المادة 145 ثالثا من المدونة العامة للضرائب على أنه: «يجب على الخاضعين للضريبة أن يسلموا إلى المشترين منهم أو إلى زبنائهم فاتورات أو بيانات حسابية مرقمة مسبقا ومسحوبة من سلسلة متصلة أو مطبوعة بنظام معلوماتي وفق سلسلة متصلة يثبتون فيها، زيادة على البيانات المعتادة ذات الطابع التجاري».
وبطبيعة الحال سيبقى تطبيق هذا الالتزام رهينا بنشر النصوص التنظيمية، وفي جميع الأحوال سيتم ذلك بطريقة تدريجية.

ب-المتطلبات والالتزامات
سنتحدث في ما يلي عن متطلبات الفوترة الإلكترونية وعن الالتزامات التي وضعها المشرع على كاهل الملزمين.

1-متطلبات الفوترة الإلكترونية
يتوجب على الخاضعين للضريبة أن يتوفروا على برنامج معلوماتي للفوترة، وعلى عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية.
– برنامج معلوماتي للفوترة: من أجل الاستجابة لالتزام القيام بالفوترة الإلكترونية، نص المشرع على ضرورة أن يتوفر الخاضعون للضريبة على برنامج معلوماتي للفوترة يستجيب لمعايير تقنية تحددها الإدارة.
حيث جاء في المادة 187 من المدونة العامة للضرائب أنه: « يجب على الخاضعين للضريبة (…) أن يتوفروا على برنامج معلوماتي للفوترة يستجيب لمعايير تقنية تحددها الإدارة» .
– عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية: كما يجب على هؤلاء أن يتوفروا كذلك على عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال التبادل الإلكتروني بين الإدارة الجبائية والملزمين (القانون 05-53 في مجال الإثبات).
حيث تشير المادة 192 من المدونة نفسها إلى أنه: «يجب على الخاضعين للضريبة (…) أن يتوفروا على عنوان إلكتروني لدى مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، في مجال التبادل الإلكتروني بين الإدارة الجبائية والملزمين».

2-الالتزامات
فرض المشرع على الأشخاص الذين يمسكون المحاسبة عن طريق إلكتروني التزامين: التزام الاحتفاظ بالفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية، وتقديم الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية.
– الاحتفاظ بالفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية: يتوجب على الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية أن يحتفظوا بالفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية، أو يتعرضوا لجزاءات.
* المبدأ
نصت المادة 211 من مدونة الضرائب على أنه: «(…) ويجب على الخاضعين للضريبة الذين يمسكون محاسبة بطريقة إلكترونية (…) أو الملزمين بمسك هذه المحاسبة بشكل إلكتروني (…) أن يحتفظوا كذلك بالوثائق المحاسبية سالفة الذكر على دعامة إلكترونية».

* الجزاء المترتب على عدم الاحتفاظ بالفاتورة الإلكترونية حامل معلوماتي
يعاقب كل شخص يخل بهذا الالتزام بغرامة، حيث نصت المادة 185 مكرر على أنه: «دون الإخلال بتطبيق الجزاءات المنصوص عليها في هذه المدونة، تطبق غرامة قدرها خمسون ألف درهم عن كل سنة محاسبية على الخاضعين للضريبة، الذين لا يحتفظون خلال عشر سنوات بالوثائق المحاسبية أو نسخ منها على حامل معلوماتي، وإذا تعذر ذلك على حامل ورقي».

-تقديم الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية: يتوجب على الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية أن يقدموا الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية أو يتعرضوا لجزاءات.
* المبدأ
يلزم القانون الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية أن يقدموا الفاتورة الإلكترونية على دعامة إلكترونية إلى الإدارة الضريبية.
*- الجزاء المترتب على عدم تقديم الفاتورة على دعامة إلكترونية
يعاقب كل شخص يخل بهذا الالتزام بغرامة، حيث تنص المادة 191 المكررة على أنه: «تطبق غرامة تساوي 50 ألف درهم عن كل سنة محاسبية على الخاضعين للضريبة المشار إليهم في الفقرة الثالثة من المادة 210 أدناه، الذين يمسكون المحاسبة بطريقة إلكترونية والذين لا يدلون بالوثائق المحاسبية (ومن بينها الفاتورة الإلكترونية) على دعامة إلكترونية في إطار المراقبة الجبائية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى