شوف تشوف

الرئيسية

ماذا بعد تقارير المجلس الأعلى للتربية؟

يواصل المجلس الأعلى للتربية والتكوين سلسلة تقاريره الموضوعاتية. دورة هذه السنة، التي انطلقت قبل يومين، سيناقش فيها أعضاء المجلس ثلاثة تقارير عن «التكوين المهني» و«التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة» وتقرير ثالث هو عبارة عن «تحليل نتائج التلاميذ المغاربة في الدراسة الدولية PIRLS 2016». والحقيقة أن إشكالات كثيرة تطرحها هذه التقارير، ليس فقط من جهة موضوعيتها وعلميتها، بسبب المنهجية المعتمدة في إنجازها، ولكن أساسا من جهة الجدوى منها، خصوصا عندما نلاحظ أن أغلب توصيات ونتائج هذه التقارير ماتزال حبرا على ورق. ذلك لأن واضعي السياسات العمومية الخاصة بقطاعات التربية و التكوين، وكذا متخذي القرارات فيها، غالبا ما تنتهي علاقتهم بها بمجرد مغادرتهم مقر المجلس الذي يحتضن الجلسات العمومية للمصادقة عليها، لنجد أن الحضور الوحيد لهذه التقارير لا يتعدى اقتطاع فقرة أو فقرتين بشكل متعسف في بعض الامتحانات المهنية أو بعض المباريات التي يحتضنها قطاع التربية الوطنية، ليكون مصير هذه التقارير هو الأرشيف.
الوجه الآخر لهذه التقارير هو الميزانية الضخمة التي يتم صرفها لإنجازها والمصادقة عليها، سواء لتعويض «الخبراء» أو مكاتب الدراسات الذين يتم اختيارهم لإنجازها، أو لتعويض «المتعاونين» مع مكتب الدراسات والأبحاث التابع للمجلس، فضلا عن المدققين اللغويين لهذه التقارير، دون أن ننسى التعويضات الجزافية لأعضاء اللجان الدائمة الذين يتداولون في النسخة الأولية للتقرير، وتعويضات 69 عضوا بالمجلس يمنحهم القانون التنظيمي للمجلس حق الحصول على تعويضات. الوجه المثير للاستغراب في تعويضات الأعضاء، هو ظاهرة «الغياب المقنن» الذي يلجأ له أغلب الأعضاء، حيث يبدأ الحضور بنسبة كبيرة عند افتتاح الجلسات، وبمجرد أن يسجل هؤلاء حضورهم ويضمنوا تعويضاتهم، فإن أغلبهم يغادرون عند أول جلسة شاي أو عند الظهيرة، ولا يعودون في فترة ما بعد الغداء، إذ إن تسجيل الحضور يعني تسجيل «يوم عمل» للعضو. والدليل على ذلك هو أن نسبة الأعضاء الذين صوتوا على رأي المجلس بخصوص مشروع القانون الإطار لا تتعدى الثلث، لكون التصويت تم في المساء، أي بعد أن غادر أغلب الأعضاء. لنحصل في الأخير على تقارير كلفت ملايين الدراهم من المال العام، لكن دون أن يتم اعتمادها. مع الإشارة، هنا، إلى أن مشروع القانون الإطار، الذي يفترض أن يعطي الطابع الإلزامي للرؤية الاستراتيجية، لا يحمل أية مادة تلزم القطاعات الحكومية المعنية بالتربية والتكوين بنتائج وتوصيات التقارير الموضوعاتية، وهذا وجه آخر لمشكلة هذا المجلس.
فعندما أمر الملك، في غشت 2013، بإنجاز تقييم لحصيلة تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فإن المجلس قضى سنتين كاملتين لإنجازه، مع ما يعنيه ذلك من تكاليف، سواء على المستوى المالي أو على مستوى الجهد والزمن. وعندما صدر سنة 2015، لاحظنا في السنوات الموالية أن السلطات الحكومية المعنية بالتربية والتكوين والبحث العلمي لم تستند إليه قط لمعالجة الاختلالات الكبيرة التي رصدها هذا التقييم، إن على مستوى تعميم التعليم وتقليص الهدر المدرسي، وضمان الحق في التعلم للجميع، فضلا عن اختلالات المناهج والبرامج والحكامة والجهوية واللاتمركز الإداري، و، أيضا، على مستوى الحافزية المهنية للموظفين واستقلالية الجامعات وتوطين المسالك المهنية بها، إلى غير ذلك..، مع أن الغاية التي حددها الملك محمد السادس، عندما أمر بإجراء هذا التقرير التحليلي، كانت واضحة وهي «تقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات». ومن يتتبع تفاصيل القرارات التي اتخذت في سنوات ما بعد صدور هذا التقرير، سيرى بوضوح أن قطاعات التربية والتكوين ماتزال تتخبط في الاختلالات والنواقص ذاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى