شوف تشوف

الرئيسية

مجرد جسد

تفاقم الاهتمام باللباس مؤخرا على غير العادة حتى وصل لدرجة العنف والاعتداءات. وتبعا لذلك يمكن القول إن هناك صراعا حقيقيا تدور أطواره على حدود الجسد، ولم يعد يقنع بالحدود الجغرافية المترامية الأطراف على امتداد الأرض.. بل صار يقع على نطاق أضيق لا يتجاوز منحنيات وتضاريس الجسد، لتجعل منه جزءا لا يتجزأ من معركة طارئة لا تعنيه في أغلب الأحيان سواء من قريب أو بعيد.

فاللباس ما عاد سترا للعورة، ولا وسيلة للدفء أو الاتقاء من الحرارة بحسب الفصول أو المزاجية، ما عاد إعلانا للوجود ورفيقا للعمل بحسب المشاغل وأولويات الحياة، بل صار علامة سياسية أو ماركة إيديلوجية سطحية تعلن الانتماء لمجموعة سياسية دون أن تنطوي على مجموعة من المبادئ أو القيم الحقيقية الثابتة، نظرا لسهولة تغير هذه الأخيرة بحسب تغير موازين القوى والمصالح، هي تفصح عن إرسالية بسيطة جدا، تتمثل في: نحن هنا. وهنا كذلك. وبالتالي يصبح تواجد الشخص محصورا في اعتباره عنصرا عدديا فقط لمجموعة من المجموعات، لا أقل ولا أكثر، غير قادر على تغيير مبادئها، أو بناء أهدافها في ظل تقبل النموذج في قالبه الجاهز.

ربما صار البعض أكثر أنانية، وأكثر نمطية والحالة هذه، لا يستطيع قبول الآخر، ولا يستطيع تقبل الآراء المختلفة، أو حتى اكتشافها عبر الحوار والإقناع، لذلك تتم المطالبة بإعلان الانتماء عبر اللباس حتى لا يتعب الآخر في تحديده، لأنه ببساطة غير جاهز للإقناع أو الاقتناع، فإما أن تكون مع أو ضد، إما أن تكون مع مجموعة «صايتي حريتي» أو ضد، إما أن تكون مع المثليين بارتداء ألوان الطيف أو تكون ضد، إما أن تكون مع إحدى المجموعات الدينية عبر تحديد اللون أو طريقة وضع غطاء الرأس، أو تكون ضدهم. فالأمر لم يعد يرتبط بارتداء لباس ليوم جميل، للذهاب للعمل أو للقيام بجولة لتصفية الذهن… كما لم يعد الشارع مكانا للذهاب لقضاء المآرب والانشغالات، بقدر ما صار مكانا لاستعراض الانتماء السياسي الجاهز وكأن الجسد ما هو إلا لوحة للإعلانات المجانية.

فكل الأحداث التي مرت مؤخرا والمرتبطة بقضية اللباس، جعلت منها الجوهر لتستبعد إلى الهامش باقي المشاكل التي يعانيها المواطن المغربي كالجوع والعطش والبطالة… ماذا لو كان ألم الجوع قابلا للإحساس مثل مشاهدة اللباس، وبه يتحدد مستوى هذا الألم وانتماؤه، ماذا لو كان ألم المرض أو الإحساس بالقهر والظلم قابلا للظهور للعلن، قابلا لأن يصيب كل من يراه؟ أكيد لتم الدفاع عن كل هذه القضايا ولتم إعطاؤها كل الأولوية وكل المبررات لتصير أساسية.

ربما نحن أحوج أكثر من أي وقت مضى لسقراط ليقول قولته الشهيرة «تكلم حتى أراك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى