شوف تشوف

الرئيسية

محمد السادس: «الاتحاد العربي الإفريقي كان خطوة انتقالية نحو الوحدة العربية»

الملك يقول في بحثه: «ليس من الضروري لقيام وحدة سياسية بين قطرين عربيين أن يكونا متجاورين جغرافيا كما يوسوس المغرضون وعملاء الاستعمار»

كنا قد توقفنا، في الحلقة الماضية، عند الجزء الذي بدأ فيه الملك محمد السادس يفصل فيه أوجه التباين بين النظامين المغربي والليبي في سياق حديثه عن خاصية من خصائص الاتحاد العربي الإفريقي الذي جمع بين البلدين بموجب معاهدة وجدة، وهي خاصية «التوافق الإيجابي بين أنظمة متناقضة»، وأشرنا إلى أنه ما كان ملفتا انتباه الملك محمد السادس، في بحثه، إلى أن اتحاد المغرب وليبيا هو توافق بين دولتين تشهدان نظامي حكم ليسا مختلفين فقط، بل متناقضين وفق تعبير الملك نفسه في كتابه.
وقد ذكرنا أنه بقدر ما كان هذا التوافق المنطلق من التناقض خاصية مميزة لاتحاد المغرب وليبيا بقدر ما كان، ضمنيا، عنصرا أساسيا يفسر سر جمود هذا الاتحاد وانكماشه، ذلك أنه لم يكن متوقعا بشكل كبير أن يدوم اتحاد بين دولة ملكية وأخرى جمهورية قضت على الملكية وسعت إلى تقويض نظام الحكم الملكي في الدولة التي أنشأت معها اتحادا في وقت لاحق، علما أن الاتحاد ما كان إلا وسيلة لتطبيع العلاقات بين القذافي والحسن الثاني بعد صراع محموم.
وقد كان الملك قد بدأ في رصد أوجه الاختلاف على المستوى الدستوري، قبل أن ينتقل إلى بيان التباين على الأصعدة الأخرى بدءا بالصعيد الاقتصادي، وهنا يقول الملك: «تأخذ المملكة المغربية بالنظام الليبرالي مع إقرار حق الدولة في التدخل عند الاقتضاء، فحق الملكية مضمون، وللقانون أن يحد من مداه واستعماله إذا دعت إلى ذلك ضرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي المخطط للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون، أما في ليبيا فقد جاء في إعلان سبها المذكور، ما يفيد التمسك بالاشتراكية تحقيقا لملكية الشعب «الذي بيده الثروة» ومؤدى ذلك أن الجماهيرية لها نظام اقتصادي يقوم على التوجيه المركز للنشاطات الاقتصادية والاجتماعية».
بعد ذلك ينتقل الملك محمد السادس إلى إبراز جوانب الاختلاف بين المغرب وليبيا على مستوى السياسة الخارجية ذاكرا: «أما على صعيد العلاقات الخارجية، فإذا كانت المملكة المغربية لها علاقات وثيقة مع الدول الغربية ومع الولايات المتحدة الأمريكية وتربطها علاقات تعاون جيدة مع بعض دول المعسكر الشرقي وخاصة مع الاتحاد السوفياتي، فإن الجماهيرية العربية الليبية على العكس من ذلك لها علاقات وثيقة مع الدول الشرقية، وعلاقات متوترة جدا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتوصف بأنها تقوم بدور المعارضة على الصعيد العالمي».
هذه التباينات الدستورية والاقتصادية وأيضا على صعيد تدبير السياسة الخارجية دفعت الملك محمد السادس إلى القول: «من ذلك كله يتبين أن الاتحاد العربي الإفريقي يقوم على التوافق الإيجابي (Concordance active  كما يترجم الملك المفهوم في حاشية الصفحة) بين أنظمة متناقضة، من حيث أنه يتوفر على أجهزة وهيآت تمكنه من انتهاج سياسة مشتركة بين البلدين في مختلف الميادين».
غير أن ثمة نقط أخرى مميزة لاتحاد المغرب وليبيا، إلى جانب خاصية التناقض هاته والخاصية الأولى المتجلية في احتفاظ الدولتين بسيادتهما الداخلية والخارجية، وهاته الخاصية الثالثة، بنظر الملك محمد السادس، هي تكريس فكرة مرحلية الوحدة، وهو ما يعني أن الاتحاد العربي الإفريقي ما هو إلا خطوة مرحلية نحو تحقيق وحدة المغرب العربي وبعدها الوحدة العربية.
وتبعا لذلك يظهر أيضا الطابع الهش للاتحاد العربي الإفريقي، إلى جانب العوامل سالفة الذكر، فمرحليته حكمت عليه بعدم الاستمرار ذلك أنه لم يكن مقبولا، منطقا، أن تدوم فترة مرحلية وانتقالية إلى أمد بعيد، كما أن وجود رهانات أخرى أكبر تتجلى في بناء اتحاد المغرب العربي وإقرار وحدة عربية شاملة عجل من تفكك الاتحاد المغربي الليبي.
بخصوص خاصية تكريس فكرة مرحلية الوحدة هاته يقول الملك: «يتميز الاتحاد العربي بأنه اتحاد مؤقت، ولفترة انتقالية غير محددة، وهو مفتوح للدول المنتمية للأمة العربية والأسرة الإفريقية. فهو يهدف طبقا للمادة الثامنة من معاهدة وجدة إلى «المساهمة في توحيد المغرب العربي وبالتالي في تحقيق وحدة الأمة العربية». وهو على هذا الأساس وكما ورد في الديباجة «يشكل لبنة أساسية لوحدة المغرب العربي وبالتالي خطوة تاريخية في سبيل تحقيق وحدة الأمة العربية». فهذا الاتحاد إذن يكرس فكرة مرحلة الوحدة».
يردف الملك أيضا موضحا فكرة كون الاتحاد العربي الإفريقي ما هو إلى خطوة للوحدة المغاربية والعربية ذاكرا: «مؤدى ذلك كله أن الوحدة السياسية الشاملة، سواء في إطار المغرب العربي أو في إطار العالم العربي، تعترضها عقبات لا يمكن تجاوزها إلا عن طريق التدرج. وطبقا لهذا المبدأ فإن وحدة المغرب العربي، وبالتالي وحدة الشعوب العربية والإسلامية يمكن تحقيقها على خطوات ثابتة. وهذا الأسلوب التدرجي قامت على أساسه الكثير من الوحدات السياسية الكبيرة المعاصرة».
غير أن الملك محمد السادس يعود ويستدرك قائلا: «على أن التدرج في تحقيق الوحدة الشاملة ينبغي أن يكون خطوة إلى الأمام ويتسم بالواقعية، وأن تكون بالتالي كل وحدة سياسية جزئية بين الأقطار العربية مكملة للخطوات السابقة لا مضعفة لها. وليس من الضروري لقيام أية وحدة سياسية بين قطرين عربيين أن يكونا متجاورين جغرافيا كما يوسوس المغرضون وعملاء الاستعمار (هنا يحيل الملك على كتاب «التطور السياسي للمجتمع العربي» لكاتبه سليمان محمد الطماوي)، لكن الطابع التدريجي للاتحاد العربي الإفريقي، وتكريسه لفكرة مرحلية الوحدة سواء على صعيد المغرب العربي أو على صعيد الأمة العربية، لا ينطوي على أي أساس عنصري أوعرقي، لأن هذا الاتحاد بحكم تسميته وأحكام العضوية فيه هو اتحاد مفتوح للدول العربية وللدول الإفريقية معا. وهذا ما يستدعي إلقاء نظرة على شروط العضوية في هذا الاتحاد».
وهنا ينتقل الملك محمد السادس لتفصيل شرطين أساسيين في عضوية الاتحاد العربي الإفريقي وهما الانتماء إلى الأمة العربية أوالأسرة الإفريقية وحصول موافقة ليبيا والمغرب، شارحا أن الانضمام إلى الاتحاد لا يتوقف على الانتماء إلى الدين الإسلامي أوالأخذ بنظام أو إيديولوجية معينة أو التمتع بموقع جغرافي في العالم العربي أو في القارة الإفريقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى