شوف تشوف

الرأي

محمد مجيد بالقراءة اللاتينية

سألت الناشط، البرلماني السابق، عن أصول الاسم الذي يحمله، رد في حضور الصحفي اللامع حسن العلوي القاسمي: إنه «حركة الشباب والمبادرة والتنمية». هكذا باختصار كان الراحل محمد مجيد يختزل اسمه وصفته لدى ترجمتهما إلى معنى معاصر.
أي علاقة بين الاسم العائلي وعنوان حركة ذات أهداف مدنية، أرادها على قياس حروف اسمه؟ الشاهد بكل بساطة أن دلالات الحروف التي يتركب منها الاسم، أكان لشخصية اعتبارية أو شركة أو مؤسسة ذات نفع عام أو خاص، تختصر المسافة، نطقا وكتابة. فحرف الميم يحيل على الحركة، في غير دلالتها الحزبية، لأنه ينتمي إلى تجمع الأحرار الذي انتخب نائبا عنه في دائرة في آسفي، قبل أن ينشق عنه، ويعلق نشاطه في غير المبادرات التي تتجاوز النطاق الحزبي.
لكن تجمع الأحرار بدأ كحركة تضم المترشحين المستقلين، قبل أن ينبري الوزير الأول الأسبق أحمد عصمان لتأسيس كيان حزبي، استبدل كلمة «المستقلين» بالأحرار. كي يبتعد عن الحزب الذي كان اسمه «الأحرار المستقلون» بزعامة محمد رشيد ملين. وندرت في الحياة السياسية الحديثة الأحزاب التي لا سوابق لمرجعياتها إلا القليل.
أما حرف الجيم، فهو يشير إلى الشباب بالفرنسية، وقد حافظ الراحل مجيد على شبابه، ولم يكن يتخلف عن أي تظاهرة ثقافية أو رياضية أو اجتماعية تعنى بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وحركية المجتمع، تماما كما أن الياء في صيغتها الفرنسية تشير إلى المبادرة. وهي كانت بالمفهوم السياسي والاقتصادي تعكس مجالات الحرية والمنافسة ودعم اقتصاد السوق والابتعاد عن هيمنة الدولة، في غير القطاعات الاستراتيجية، فإنها كانت لديه ترادف المغامرة واقتحام المجهول، أي الأسوار العالية التي كانت تمجد خصائص الدولة الراعية لكل شيء.
لكن حرف الدال الذي يعتبر مسك الختام في اسمه، ينتهي بطرق أبواب التنمية. وما من شك في أنه أمعن طويلا في اختيار اسم الهيئة التي كان يرأسها، كناية بالقدرة على تكييف الأسماء والألقاب التي تكون لصيقة بالأهداف والمعاني.
وحتى عندما يكون هناك شخص تجاوز سن الشباب يقود حركة ذات توجهات شبابية، فالعبرة تكون بالعقل الذي يحافظ على نضارته وحيويته. إلا أن من غير المفهوم أن يكون حزب يطالب بالتغيير مثلا، لا يلتفت إلى تغول ديناصوراته الذين لا يفنيهم غير قانون الطبيعة. ويوم لم تكن أي امرأة في البرلمان، طالب محمد مجيد بتخصيص لجنة دائمة، مثل المالية والداخلية والخارجية وشؤون الشباب والرياضة والأوقاف، تعنى بالدفاع عن قضايا المرأة. وتمنى على الأحزاب أن «تتساهل» في المنافسات حيال ترشح النساء. ومن طرائفه أنه قال: «لو كانت امرأة تدير وزارة الداخلية، لما تطلب الموضوع كبير عناء لإفساح المجال أمام انتخابها إلى البرلمان».
أهي أنانية منه، أم كانت تجسيدا لوضع الاسم على المسمى؟ لا يهم، فقد تناقشنا طويلا في أسماء أحزاب ومنظمات. وما كان باستطاعة مجيد أن يشير لاسمه بكل أنواع الأنشطة الرياضية، خصوصا كرة المضرب التي أوفاها حقها في رعاية أحد أبرز الأندية الرياضية في الدار البيضاء. ودعاني الصحفي عبد الحي أبو الخطيب لمرافقته إلى بيت الناشط محمد مجيد، فقلت له إني لا أعرفه شخصيا، فرد بأن أبواب ناديه مفتوحة أمام كل الصحفيين، وسيكون سعيدا بإضافة اسم جديد إلى قائمة صداقاته، من غير المهتمين بالصحافة الرياضية، إذ لم يكن يفرق بين ضيافة البيت أو النادي. فكل ما يجمع شتات الناس والمعارف والمشارب يعتبره داره. وكل ما يفرق بينهم يراه بناء أو فضاء أو فكرا يجب أن يُهجر. فقد كان صديقا للإعلاميين يعزهم ويقدرهم ويحترمهم. وعلق الصحفي أبو الخطيب مرة على سلفه رئيس تحرير «ماروك سوار»، بأن في إمكانه أن يستفيد أكثر من صداقة محمد مجيد، إذ يكفي أن يصبح اسمه مجيد السماعيلي بدل عبد المجيد السماعيلي.
وصادفته يوما يتحدث عن أوضاع اللاجئين، في مناسبة زيارة وفد دولي إلى المغرب. ثم عرفت أنه كان ممثلا للمفوضية السامية للاجئين في المغرب، منذ زمن مبكر، أي قبل أن تصبح مسألة اللجوء وحياة المنافي في صلب الاهتمامات اليومية كقضية إنسانية بإشكاليات سياسية. فقد كان يتحاشى الأضواء في هذه القضية، إدراكا منه أن في الإمكان التعاطي وتعقيداتها خارج دائرة المجهر الكاشف.
أين يا تراه تعلم معنى التواضع في إدارة ملفات، بلا ادعاء أو مجاملة؟ وقد وجهت إليه سؤالا بعد اشتداد أوضاع «اللاجئين الصحراويين» تأزما في مخيمات تيندوف، وكانت تلك من الفرص النادرة التي أوضح فيها أن هؤلاء المغاربة ليسوا لاجئين. وتطابقت وجهات نظرنا إزاء توصيف خاطئ لقضية سياسية وإنسانية. فاللاجئون عادة يفرون من بلدانهم إبان اشتداد القتال الذي يذهب الأبرياء ضحاياه، لكنهم في هذه الحالة ليسوا لاجئين، لأنهم اختطفوا من ديارهم قبل أن تنشب الشرارة الأولى لحرب الصحراء. ولم يثبت إبان أكثر من 16 سنة من المواجهة العسكرية التي التزمت فيها القوات المسلحة الملكية بالمنهج الدفاعي لصد الأعمال العدوانية، أن جرى الحديث عن لاجئين أو نازحين.
على افتراض أن حالة اللجوء تنتهي عندما تسكت المدافع، لماذا لم تقع أي مبادرة أو خطوات ملموسة على طريق تشجيع العودة الطوعية لأولئك اللاجئين؟ جواب ذلك أنهم لا يملكون حرية اتخاذ القرار، فهم رهائن محتجزون، يتم استخدامهم لجلب المساعدات الإنسانية التي تذهب إلى جيوب أغنياء الأزمة.
وإلى اسم آخر وحكاية أخرى، مع التذكير بأني قرأت اسم الراحل بحروفه اللاتينية، إذ يصبح «M.J.I.D».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى