الرئيسيةالقانونية

مدخل إلى نظام التعويض عن حوادث المرور في القانون التونسي

محمد أنس زميت قاض تونسي ومحكم دولي
لا شك أن كل شخص مهما كانت وضعيته يبقى عرضة لأن تحصل له إصابة جراء حوادث المرور، ونظرا لعدم نجاعة نظام التعويض عن هذه الحوادث والذي كان يقوم على إقرار المسؤولية الشخصية التقليدية، تم الاهتداء إلى نظام التعويض الآلي، والذي ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، وهو نظام مأخوذ من نظرية تعرف هنا بـ«No Fault».
في السياق نفسه يلاحظ أن المشرع الفرنسي تخلى عن قواعد المسؤولية التقليدية، بعد إصداره القانون عدد 677 لسنة 1985، المؤرخ في 05 يوليوز 1985.
أما في العالم العربي، فلقد كانت عدة دول سباقة في تبني هذه النظرية الحديثة مقارنة حتى ببعض الدول الأوربية على غرار الجزائر، بموجب القانون المؤرخ في 30 يناير 1974 المتعلق بالتعويض عن حوادث الطرقات خارج إطار المسؤولية المدنية. كما تبنى المشرع المغربي هذا النظام من خلال ظهير 02 أكتوبر 1984، وأصدر المشرع الأردني القانون عدد 32 لسنة 2001 والمتعلق بنظام التأمين الإلزامي في المسؤولية المدنية الناجمة عن استعمال المركبات، مقرا بدوره المسؤولية الموضوعية في التعويض.
أما في تونس فيمكن التمييز بين فترتين في ما يتعلق بنظام التعويض عن متضرري حوادث المرور، فترة ما قبل قانون 2005، وفترة صدور قانون عـــــدد 86 المؤرخ في 15 غشت 2005.
وبإلقاء نظرة سريعة للثغرات التي تشوب نظام التعويض السابق لقانون سنة 2005 نجدها تنحصر في:
• حرمان عدد من المتضررين من حق الحصول على التعويض لارتكاز النظام السابق على مبادئ، منها بالخصوص مبدأ إثبات المسؤولية.
• وجود تباين واضح في قيمة التعويضات المسندة للمتضررين من قبل المحاكم، في غياب مقاييس موحدة في تحديد الأضرار القابلة للتعويض وفي تقدير نسبتها.
• وجود تباين في نسب العجز من طبيب لآخر، لعدم اختصاص بعضهم.
• وخاصة السبب غير المعلن: ضغط شركات التأمين عن طريق الجامعة التونسية لشركات التأمين (وهي الهيكل الذي يجمع شركات التأمين) نحو وضع قانون جديد يتخلى عن المبالغ الكبيرة، التي كانت تحكم بها المحاكم التونسية وفق اجتهادها في كل قضية، وما ينجر عن ذلك من تحملات مالية كبيرة قد تؤدي إلى تحمل شركات التأمين خسائر كبيرة. علما بأن شكل شركات التأمين في تونس يجب أن يكون وجوبا «شركة خفية الاسم Société Anonyme »، وهي الشركات التي تمثل أساس الاقتصاد من حيث الموارد المالية والجبائية.
لكل هذه الأسباب اتجهت أنظار المشرع التونسي إلى إيجاد طريقة يتم بها تعويض المتضرر، بغاية توفير حماية كافية له وشمول الحماية لأشخاص متضررين لم يكن شملهم التعويض القديم بطرق ميسرة تضمن لهم حقوقهم قبل اللجوء إلى التقاضي، فأصدر القانون عدد 86 لسنة 2005 المؤرخ في 15 غشت 2005، الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 67 بتاريخ 23 غشت 2005، والمتعلق بإدراج عنوان خامس بمجلة التأمين إلى المسؤولية المدنية الناتجة عن استعمال العربات ذات محرك، ونظام التعويض عن الأضرار اللاحقة بالأشخاص في حوادث المرور والمتضمن لــ70 فصلا من الفصل 110 إلى الفصل 179 موزعة على أربعة أبواب.
ومواكبة للتشريعات الحديثة في العديد من البلدان، أقر المشرع التونسي نظام تعويض مؤسس على المسؤولية الموضوعية، مقصيا بذلك وبصفة صريحة الأسس التقليدية للمسؤولية الشخصية بفصلها 82 و83 من مجلة الالتزامات والعقود. وكذلك المسؤولية الشيئية بفصلها 96 من المجلة نفسها، لما نص بالفقرة 3 من الفصل 121 من القانون عدد 86 عن عدم إمكانية التمسك بأي قانون آخر ضد المؤمن، في خصوص المطالبة بالتعويض عن الأضرار اللاحقة بالأشخاص في حوادث المرور.
وقد جسد المشرع نظرية المسؤولية الموضوعية في التعويض صلب القانون الجديد، واضعا الفصل 121 منه كإطار عام والفصلين 122 و124 منه كإطار خاص كأساس لها، أين لا يقع فيها مساءلة المتضرر ويعوض له بصفة آلية دون البحث في مدى مساهمته في الحادث، لذلك انبنت المسؤولية الموضوعية على ثلاثة اعتبارات وتتمثل في:
• ارتباط المسؤولية بالعربة لا بمالكها أو حافظها.
• أنه لا لزوم لقيام المسؤولية إثبات العلاقة السببية بين الشيء والضرر، بل يكفي تدخل العربة بشكل إيجابي في وقوع الحادث، أو بشكل سلبي في بعض الصور لتقوم المسؤولية.
• أن تدخل العربة في الحادث يمكن أن يتحقق حتى عندما لا توجد رابطة سببية، وبغض النظر عن طبيعة هذه السببية بين السيارة والمتضرر، ويحدث ذلك عندما يرجع الحادث إلى القوة القاهرة مثلا. وبالتالي، فإن التعويضات المستحقة للمتضرر من حادث مرور لا تتأثر مبدئيا بتحديد مسؤوليته، طالما أن قانون 15 غشت 2005 كرس المسؤولية الموضوعية كأساس للتعويض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى