شوف تشوف

مدن الملح (2/2)

حسب الكاتب فقد كانت هناك جلسة يومية بين عزمي وتميم، يقوم فيها «المفكر» بدور معلم الأمير، لأن حمد وموزة يثقان فيه بلا حدود، إلى درجة أن جعلاه مسؤولا عن تربية وتنشئة ابنهما حاكم المستقبل سياسيًا.
ولذلك، يقول الكاتب، «بعد أن أصبح تميم حاكما للبلاد ووالده الشيخ حمد لا يزال حيا، كان أن ازداد نفوذ المعلم الأول، كانت الجزيرة لا تزال تحت سطوة وسيطرة حمد بن جاسم رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق، الذي تعامل البعض مع خروجه من السلطة على أنه كان انقلابا ناعما لصالح الأمير الابن، بتخطيط من الشيخة الأم وتنفيذ واستسلام من الأمير الأب، ولذلك بحث بن جاسم عن مناطق نفوذ يحتفظ من خلالها بسطوته، فلم يجد إلا الإعلام، الذي حاول أن يبعده عن نفوذ وتأثير تميم.
ولأن الأمير الشاب كان لا يزال عودًا طريًا، فلم يرد أن ينازع حمد بن جاسم في ما يريد، ولجأ إلى عزمي بشارة ليكون مسؤولا عن مؤسسة إعلامية جديدة، بعيدة عن مؤسسة الجزيرة التي كانت قد فقدت كثيرا من مصداقيتها في الشارع العربي بعد موقفها من الثورات التي توالت في أعقاب ثورة تونس.
ظهرت إلى النور جريدة العربي الجديد، وفضائية العربي الجديد، برئاسة ورعاية عزمي بشارة، ورغم أنهما لا تزالان بلا قدرة على التأثير، إلا أن معالجاتهما للشأن المصري تحديدا تشير إلى أن عزمي ليس إلا خادما أمينا لدى أمير قطر، ينفذ ما يريده وما يرغبه، فلا يمكن أن تجد حقدا أو كراهية على مصر في أي وسيلة إعلامية في العالم مثلما تجد في العربي الجديد، جريدة وفضائية».
والمثير في موضوع أزمة قطر هو أن أحد أكبر المدافعين اليوم عنها من خارج أمة اقرأ التي لا تقرأ، هي ألمانيا وفرنسا، وطبعا ففرنسا التي تنطبق عليها اليوم مقولة «مالين الميت صبرو والعزايا كفرو» لا تدافع عن قطر لأجل سواد عيني الشيخة موزة بل لأن لديها مصالح اقتصادية كبيرة مع قطر، وأيضا مع إيران، وهي مصالح تطورت في عهد السقرديوس ديال ساركوزي.
نقلا عن مذكرات الإعلامي والخبير الاقتصادي اللبناني مروان إسكندر، الذي كان المستشار المالي لجد أمير قطر الشيخ خليفة الذي انقلب عليه ولده حمد فيما كان في سويسرا يتفقد ثرواته المودعة بحساباته هناك، قبل أن تتم الإطاحة به هو أيضا بالطريقة نفسها التي أسقط بها والده، يقول الصحافي البريطاني روبيرت فيسك:
«في 2008 قام ساركوزي بجولة في دول الخليج خصص فيها ست ساعات فقط للسعودية ويومين بالتمام والكمال لقطر. ساركوزي استغل الفرصة وهو يقول للأمير حمد بن خليفة «راني مزعوط فواحد المغنية اسمها كارلا بروني وبغيت نتزوج بيها لكن الشقفة تاع سيسيليا مراتي طالبة فالطلاق 4 المليون دولار وخوك محنسر ما عندو تّا فرنك»، فما كان من الأمير «المزرزر فلوس» سوى أن أخرج دفتر شيكاته ووقع له على المبلغ الذي أخذته سيسيليا.
و«مشات سيسيليا تاهيا ضرباتها بتزويجة وخدات رجل الأعمال الفاسي اليهودي ريشار عطياس للي مستقر فنيويورك ومستثمر فالإشهار والتواصل والكونسالتينغ».
إذن فساركوزي «هو للي طلق الزريعة تاع قطر ففرنسا وللي خلاّها جا كملها مول كرواصة تاع هولاند»، ولمعلوماتكم فقطر عندها 85 في المائة من أسهم متاجر le tanneur و12.03 في المائة من مجموعة la gardère و7.5 في المائة من طوطال و7 في المائة من فانسي و2 في المائة من فيفاندي و5 في المائة من فيوليا و100 في المائة من أسهم نادي باري سان جيرمان، وبعبارة واحدة فحجم الاستثمارات القطرية في فرنسا وصلت هذا العام 30 مليار أورو.
ولذلك نفهم أن «الخلعة اللي شادة فرنسا هاد ليام ماشي على ود قطر ولكن على ود فلوسها».
لكن هناك قراءة أخرى للأزمة القطرية- السعودية- الإماراتية، وهي تلك التي تحدث عنها روبرت فيسك مؤخرا عندما تساءل «ما الذي جعل الرئيس دونالد ترامب يعتبر قطر، بالرغم من علاقتها الطويلة مع الولايات المتحدة واستضافتها لـ10.000 عسكري أمريكي على أكبر قاعدة جوية في الشرق الأوسط، دولة «ممولة للإرهاب»؟
هل هناك شخص ما قدم له معلومة خاطئة حول دور قطر في المنطقة؟ أم أن السيد ترامب كان متأججا، نظرا لكون رجال الأعمال القطريين يتساءلون، بسبب صفقة عقارية بين الرئيس الأمريكي وحكام قطر متعثرة منذ سنة 2010؟
يقول كلايتون سويشر، الصحافي التحريري الذي كشف قصة أوراق فلسطين عام 2011، والذي يصف بالتفصيل المحادثات السرية بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية ووزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش، كوندوليزا رايس، التي تقول إن السيد ترامب وابنته إيفانكا جاءا إلى قطر قبل سبع سنوات، هناك، كما يقول، تقربا من اثنين من كبار المسؤولين القطريين لمساعدته في الاستثمار، أحدهم حسين العبد الله، عضو مجلس إدارة هيئة قطر للاستثمار، والثاني هو الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وهو عضو في العائلة المالكة الذي كان آنذاك رئيسا للوزراء.
وقد نشرت الهافينغتون بوست أن سويشر يقول إن المحادثات قد فشلت، وادعى أن العبد الله صُدم بخصوص الطريقة التي قدم بها ترامب اقتراحه بخصوص الصندوق العقاري المتعثر، على الرغم من أن الشيخ حمد سمعه على ما يبدو، لكن لم تكن هناك أي أموال قطرية، رغم أن هيئة الاستثمار القطرية تعتبر ثاني أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، حيث تبلغ أصولها 338 مليار دولار.
ويضيف سويشر أن إيفانكا ترامب عادت في وقت لاحق إلى قطر مع زوجها جاريد كوشنر الذي سعى للحصول على صفقة عقارية مختلفة حول ملكية كوشنر، ويعتقد سويشر أيضا أن والد كوشنر تشارلز كان في مناقشات مع الشيخ حمد، وهو رجل أعمال مستقل ولم يعد رئيسا للوزراء، وسعى للحصول على 500 مليون دولار، ولكن قطر قالت إن تشارلز كوشنر سيضطر إلى إيجاد 1.2 مليار دولار من أماكن أخرى.
إذا كان ترامب قد انقلب ضد قطر فقد اكتشفت الإمارة الصغيرة أصدقاء إقليميين لم تتوقعهم أبدا، حيث إن سلطنة عمان قامت بتجهيز أسطول من السفن التجارية لنقل المواد الغذائية إلى الدوحة. وكذلك الشأن مع الملك محمد السادس الذي أمر بإرسال مواد غذائية إلى الدوحة رغم أن قناة الجزيرة القطرية أذاقت المغرب العلقم لسنوات.
والأصدقاء الحقيقيون لا يظهرون في ساعة الرخاء بل في ساعة الشدة، وهذا هو الدرس الذي يجب أن يستفيد منه حاكم قطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى