الرئيسية

مراهقات يعلقن تحقيق أحلامهن على ممارسة الشعوذة

إلهام العبوبي
ممارسة السحر والشعوذة من الظواهر المنتشرة داخل المجتمع. فضمن كل فئاته ثمة من يعتقدون أن أهدافهم لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الاستعانة بالأرواح، الشريرة منها والخيرة. عدد من الفتيات، بدافع الحب الجنوني والغيرة وحب التملك، لجأن إلى الشعوذة من أجل الظفر بمن تخفق قلوبهن لهم ولها. «الأخبار» زارت عدة أوكار لتجار الأوهام، لتنقل قصصا لمراهقات تحولن إلى خادمات مطيعات لمسيري بيوت الشعوذة، رغبة في جعل محبوبهن كالخاتم في الأصبع. تفاصيل صادمة في التحقيق التالي.
قضت «الأخبار» أياما من البحث عن مراهقات مهووسات بالشعوذة، لكن أغلبهن كن أكثر حرصا في كشف أسرارهن، مكتفيات بالقول إن لكل فتاة ظروفا قاهرة ترمي بها في أحضان المشعوذين. لكن بمساعدة إحدى السيدات بمدينة فاس تعرفنا على فتاة تعيش حالة إدمان مع السحر، وطلبنا بإصرار مرافقتها إلى بيوت المشعوذين الذين تقصدهم بشكل شبه يومي، وبفضلها نجحنا في اقتحام عالم مليء بالغرائب التي لا يمكن لعاقل تصديقها، ووقفنا عند عقليات تخجل الأقلام في وصفها.

CHARLATISME

ضحايا الحب عند تجار الأوهام
عقارب الساعة تشير إلى الثانية زوالا من أحد أيام الأسبوع الماضي. كنا على موعد مع نادية (اسم مستعار) وهي طالبة في العشرينات من عمرها تتابع دراستها بشعبة القانون الفرنسي. امتطينا وإياها سيارة أجرة إلى منطقة «سهب الورد»، حيث يقطن «الفقيه الصحراوي».
ونحن في الطريق سألنا نادية كيف اقتحمت مجال السحر، فردت وهي ترسم ابتسامة على محياها أنها بعد حصولها على شهادة الباكالوريا قررت الالتحاق بسلك الأمن، لكن قصر قامتها وقف حاجزا أمام حلمها، مما جعلها تتعرض للنصب من طرف أشخاص زعموا أنهم يملكون نفوذا ونهبوا مالها بدون فائدة.
وتضيف الطالبة في حديث لـ»الأخبار» أن اكتشاف الشعوذة جاء عن طريق والدتها المهووسة هي الأخرى بزيارة الأضرحة والفقهاء، والتي اقترحت عليها مشعوذة يقال عنها إنها «تجمد» الماء، من أجل إعطائها «القبول» الذي سيخول لها دخول مهنة الأحلام، ومنذ ذلك الحين أصبح المشعوذون ملاذها في كل مشكلة تصيبها.
سألناها إن كانت قد التحقت بسلك الأمن، لكنها ردت أنه في كل سنة يتم رفض ملفها لنفس السبب، ولم تفلح «حجابات الشوافة» في شيء مما جعلها تتخلى عن حلمها، فاستفسرناها عن سبب الزيارة التي سنقوم بها اليوم لـ«الفقيه الصحراوي» فقالت إنها وقعت في حب دركي وسيم، لكنه صعب المنال، ولن ترتاح إلا حين يقع في شباكها.
نادية كشفت أن صور «معذبها» جالت بها كل المشعوذين الذين تعرفهم في مختلف المناطق المغربية، وقامت بأبشع التعويذات، وأغربها تلك التي أمرها بها أحد السحرة بالقنيطرة، إذ طلب منها الإتيان بشعيرات كلب ضال وترديد إحدى التمائم السحرية عليها، ثم إحراقها.
بعد مرور نصف ساعة، وصلنا إلى منطقة «سهب الورد» وما إن تجاوزنا إحدى المقابر المهجورة، حتى بدأت صيحات الشباب تلاحقنا، عباراتهم كانت واحدة »مقصدكن الفقيه إنه عندنا» فأخبرتنا الفتاة أن الطريق التي نسلكها تؤدي مباشرة الى بيت الفقيه، وكل من يمر منها يعرف مشواره.
وأخيرا وصلنا إلى بيت «الفقيه الصحراوي»، كما يصفه السكان المجاورون، وما إن تجاوزنا عتبة الباب حتى فوجئنا بتجمع نسائي من كل الفئات العمرية، لكن أغلبهن كن مراهقات بوزراتهن المدرسية وبمكياج صارخ كأنهن في حفل وكل واحدة منهن تحكي للأخرى سبب زيارتها، لكن هدفهن واحد إما البحث عن زوج أو الإيقاع بعشاقهن، فيما أخريات جئن فقط من أجل استطلاع حظ مستقبلهن.
جلسنا دون أن نكشف عن صفتنا فأثارت انتباهنا فتاة تقضم أظافرها، وكانت تبدو عليها علامات التوتر فبادرنا بسؤالها عن سبب زيارتها، فردت متلعثمة إنه العشق، قبل أن تضيف إنها واقعة في حب ابن الجيران الذي جمعتها به علاقة غرامية لسبع سنوات.
تحكي بفخر أنها كانت تتسلل إلى بيته ليلا دون علم عائلتها، وتقضي معه مدة من الزمن ثم تعود دون أن ينكشف أمرها، تقول وعلامات الحب تلمع من عينيها «أحبه بجنون»، قبل أن تنهار وتفيض عيناها بالدموع، قائلة إنه تركها وبحث عن ضحية أخرى، بعدما بعثر حياتها وسرق شرفها فلم يعد لها حل سوى استرجاعه عن طريق السحر، تضيف باكية.
فجأة طلت علينا سيدة في الخمسينات من عمرها، قيل إنها زوجة الفقيه وأمرتنا بوجه صارم بالتزام الصمت داخل الغرفة، حتى لا نزعج “الفقيه” المنشغل مع إحدى زبائنه.
بعد ساعتين من الانتظار والاستماع إلى مشاكل المراهقات التي لا تنتهي، حان دورنا ودخلنا عند «الفقيه» بمعية زوجته التي وقفت بجانبنا كحارس شخصي، بينما زوجها لم ينتبه لوجودنا إذ كان منشغلا بمكالمة هاتفية فهمنا منها أن المتصل طبيب أسنان، طلب منه عمل «قبول» له من أجل جلب الزبائن لعيادته الحديثة.
نظر إلينا وسألنا عن سبب زيارتنا، فردت نادية بأنها تريد إحكام قبضتها على حبيبها الدركي وجعله يهيم في حبها، فطلب منها اسمه واسم والدته وبدأ يرسم جدولا وضع عليه تمائم غير مفهومه، ورشه بسائل أسود رائحته غير محببة وقام بثني الورقة ووضعها في تعليقة ثم سلمها لها، وطلب منها نقعها في الماء قبل صلاة العشاء، وأخذ بضع حبات من اللوز ورشها بالماء المنقوع وتجفيفها قبل أن تسليمها لحبيبها من أجل أكله. فهذا كاف لأن يهيم الدركي بحب نادية، بحسب “الفقيه”، ثم سلمته مئة درهم شاكرة إياه ووعدته بالمزيد إن تحقق مرادها.
في طريقنا إلى المحطة، قالت نادية إن فكرة السحر باللوز لا تروقها، مما جعلها تفكر في الذهاب إلى إحدى المشعوذات بمنطقة بنسودة. لم نعارضها وتوجهنا وإياها نحو المنطقة المذكورة عند سيدة تعد من أشهر المشعوذات بفاس.
داخل غرفة مبعثرة تفوح منها رائحة البخور، انتظرنا دورنا رفقة سيدة مرفوقة بفتاتين مراهقتين، علمنا بعد الحديث معها أنهما ابنتاها. سألناها عن سبب مجيئها فردت بأنها تريد تزويج ابنتها الكبرى التي «بارت»، حسب قولها، مضيفة أن جميع قريناتها تزوجن وكون أسرة إلا هي رغم أنها «حادكة» وفق قولها.
وتضيف الأم أن بنتها الصغرى تقدم لخطبتها شاب ولم توافق عليه لأنها لا تريد أن تزوج الصغرى قبل الكبرى، ورجحت سبب عدم خطبة ابنتها الكبرى إلى وجود «الثقاف» أو«العكس».
حين حل دورها اوقفت حديثها معنا، وبعد ربع ساعة خرجت بمعية ابنتيها وودعتنا بابتسامة عريضة طالبة منا الدخول عند»الشوافة».
وسط غرفة صغيرة مبعثرة، استقبلتنا بوجه بشوش المشعوذة الحسناء، ثم أخذت لعبة الورق وسلمتها للمعنية بالأمر وطلبت منها وضعها على قلبها قبل أن تعيدها إليها ووزعتها إلى ثلاثة أجزاء وطلبت منها ترديد «قلبي، تخمامي، باش يأتيني الله» واعادت توزيعها على الطاولة واشعلت عود الند وقالت «اش جابك»؟
بدأت نادية بسرد قصتها مع الدركي، وكشفت خصوماتهما المتكررة بعدما اكتشفت أنه كان على علاقة بصديقة، وذكرت أنها في كل مرة تزوره في بيته، تطلب منه أن يفتض بكارتها، حتى يقع الحمل ويسهل عليها الارتباط به، لكنه يرفض مكتفيا بممارسة الجنس السطحي معها، كما تقول.
المشعوذة، وهي تنظر إلى «الكارطة» باحثة عن جواب، بدأت بنعت الدركي بولد الحرام وأنه يفكر في العودة الى صديقته الأولى، حتى يثأر من خيانتها له، تضيف حانقة.
بعدها أمرتها بجلب سائله المنوي بعد الجماع، من أجل جعله كالخاتم في أصبعها، وأنهت حديثها معنا بقولها، إنها لا تطيق الرجال ومن وقع في قبضتها لا ترحمه.
عبارة المشعوذة كانت مصدر أمل للفتاة التي وعدتها بإحضار المني. حديثها عن الجنس الآخر بقسوة جعلنا نطمع في معرفة نهاية القصة التي شاهدنا أطوارها من البداية، وانتظرنا بفارغ الصبر اتصال الفتاة التي حولها الحب إلى لعبة في أيدي تجار الأوهام.
بعد يومين وصلنا اتصال من الفتاة، بعدما تمكنت من سرقة «المني» فرافقناها لتسلمه لـ«الشوافة» ملفوفا في منديل ورقي تفوح منه رائحة كريهة، وطلبت منها هذه الأخيرة مبلغ ثلاث مئة درهم، من أجل شراء مقادير ستحتاجها في التعويذة.
فجأة دخلت زوجة ابنها وطلبت منها عشرة دراهم لتسلمها لزوجها، فقلنا في تساؤل للفتاة، بما انها شوافة لم لم تبحث لابنها العاطل عن عمل؟ فابتسمت في صمت وطلبت منا التزامه أيضا، لكن فضولنا كان أقوى مما جعلنا نسائل المشعوذة عن حقيقة وجود السحر، فردت أنه موجود ومذكور في القرآن، فأجبناها بأن حتى السحرة مذكورين في الآية التي تقول »لا يفلح الساحر حيث أتى».
ثم كشفنا عن صفتنا وطلبنا منها كشف خبايا المهنة، لكنها رفضت واستشاطت غضبا، قائلة «تريدين أن يقع لك مثل الصحفي الذي حاول البحث عن عيشة قنديشة؟» ثم أردفت بنظرات قاسية «عيناك جميلتان وسيضربهما جن، بسبب فضولك وقلة إيمانك». لم نأبه وسألناها عن سبب كرهها للرجال، فردت بتأفف أن الجن الذي يسكنها لا يطيق رائحة الرجال حتى لو كانوا أقرب الناس إليها. ثم نظرت إلى زبونتها وطلبت منها العودة بعد يومين وبمفردها، من أجل أخذ «التعويذة» التي ستعلقها في غصن شجرة، بعيدة عن أعين الناس حتى يبقى عقل الدركي تائها في كل مرة تحرك الرياح أغصان الشجرة.
فور مغادرتنا بيت «المشعوذة» حاولنا إقناع الفتاة بأن المشعوذات يتلاعبن بأحلامهن ويستغلن سذاجتهن، فردت بحسرة أن الحب يجعل صاحبه يفعل المستحيل، ولن ترتاح حتى يتزوجها وإن أبى ستجعله يفقد عقله، وإن لم يكن لها فلن يكون لغيرها، تقول بثقة عالية.

fkih2

الشعوذة.. لتحقيق الأحلام
بمنطقة جنان الورد بفاس، صادفنا مراهقة تنفق أجرتها الأسبوعية لدى المشعوذين، ولا تهتم بانتقادات المقربين والجيران الذين اكتشفوا أمرها، ولم تتردد ولو للحظة في دعوة «الأخبار» إلى بيتها من أجل اطلاعنا على جل مغامرتها مع الشعوذة، والكشف عن الأسباب الكامنة وراء إدمانها.
داخل بيت متواضع تطغى عليه موسيقى هندية صاخبة، يرقص على أنغامها طفلان وسط كتبهما المتناثرة في أرجاء البيت، متجاهلين حضور والدهم، الذي اكتفى بالتمدد على أريكة غير مبال بما يدور حوله، كل هذه الفوضى ستنتهي بصرخة من حنان التي أوقفت الموسيقى، وبدأت بطرد أخويها إلى خارج البيت.
تحكي لـ «الأخبار» ان سبب ادمانها على الشعوذة راجع لظروف عيشها مع عائلتها التي لا تؤمن لها حياة نموذجية، فالأم حسبها كانت سبب هدرها للدراسة، رفقة ثلاثة من إخوتها، إذ اضطروا للعمل وسنهم لا يتعدى السبع سنوات، وأكثر شيء يحز في نفسها هو قسوتها على أخيها عصام الذي تقوم بطرده في كل مرة يمتنع عن مدها بالمصروف، إذ تقوم برمي ثيابه عبر النافذة بطريقة مهينة مما جعله يعتنق الانحراف، والأب لا يحرك ساكنا أمام هذا الوضع، إذ يعيش هو الآخر تحت سلطة والدتها، كما تقول.
سألناها عن الأحلام التي تنوي تحقيقها عبر الشعوذة، فردت بإنها كثيرة ومبعثرة، إذ تحلم برجل غني ينقذها من الفقر الذي تعيشه ويعوضها سنوات الحرمان العاطفي الذي تكابده. إذ كل الذين تقدموا لخطبتها ينحدرون من البادية، مما جعلها ترفضهم رغم موافقة والدتها التي تنوي التخلص منها، حسبها.
وتردف أن أجرتها الأسبوعية تنفقها في شراء المستلزمات الغريبة التي يطلبها منها المشعوذون، والتي كشفت منها لـ «لأخبار» «مراية الشيطان» التي تبتاعها من عند “العطار”، ثم فتحت حقيبتها ومدتنا بعبوة كحل من صنع المشعوذ، قالت إنها تتكحل بها يوميا حتى تنال إعجاب كل من يراها، بالإضافة إلى حملها بين أغراضها حمالات الصدر «حبة العاشق» التي تجذب الرجال نحو النساء، بحسب اعتقادها. وهناك تعويذات تمارس طقوسها في البيت، على مرأى والدتها التي لا تعيرها اهتماما، بعدما تعمل على إسكات عتابها مقابل مئة درهم في الأسبوع.

بن زاكور: إدمان المراهقات على الشعوذة راجع إلى غياب التنشئة الاجتماعية
يقول محسن بن زاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، في حديث لـ«الأخبار»، إن جيل اليوم يعاني من عدة أزمات أخطرها أزمة الهوية، إذ أصبح يبتعد بشكل كبير عن الضوابط التي توظفها أي أمة لتحديد هويتها وانتمائها الاجتماعي، والتصق بثقافة العالم الافتراضي، واتخذها معيارا لتصرفاته.
ويرى بن زاكور أن سبب ادمان المراهقات على الشعوذة، راجع إلى الفراغ على المستوى الفكري، وغياب التنشئة الاجتماعية، التي لم تفلح في مسايرة التطورات التي عرفها الجيل الحالي، إذ تخاطبه بلغة غير مفهومة وبأساليب تجاوزها التاريخ، وغير مقنعة، كما يقول.
وأشار إلى أن الدافع الذي يجبر الفتيات على الشعوذة هو رغبتهن في الحياة، وسعيهن وراء تحقيق رغباتهن عبر اللجوء إلى الأفكار السائدة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانا يأتي الاعتقاد لما يروج في المجتمع أي ما يسمى بالخوارق، فيخضن تجربة بحث عن فارس الأحلام، وعن غايات معينة يسعون لتحقيقها بسرعة خيالية، مشيرا إلى أن بعض الأسر تعتبر مثل هذه الممارسات شيئا عاديا، مما يولد التقليد والاقتداء بالمحيط.
ويضيف المتحدث نفسه أن الفراغ العاطفي الذي تعيشه المراهقات يلعب دورا في نزيف مثل هذه التصرفات المنحرفة، والأخطر بالنسبة إليه هو تواجد «الشوافات» يعملن بكل حرية داخل المجتمع المغربي، فمنهن من يبحثن عن المال، وأخريات يشكلن عصابات منظمة يستهدفن القاصرات من أجل صنع عاهرات في المستقبل.
وأكد بنزاكور أن المسؤولية مشتركة ما بين الأسرة التي تتحمل ضغط الفكر الاستهلاكي الذي فرضه الرأسمال، والحكومة بكل مؤسساتها وأجهزتها التي تتحمل تبعات ما آل إليه شباب اليوم، بالإضافة إلى غياب البرامج التي تعنى بالشباب، وتصب نحو تطوير أحلامهم وطموحاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى