الرأي

مفاوضات جنيف السورية «طبخة بحص» انهارت قبل أن تبدأ فعليا

عندما سألت أحد المشاركين في مفاوضات جنيف السورية التي تأتي تطبيقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 بحضور «وفود» السلطة والمعارضة، قال لي بالحرف الواحد إنها «طبخة بحص»، ومجرد عرض فلكلوري، ولا يوجد أي أفق لإمكانية التوصل إلى اتفاق.
السيد بشار الجعفري رئيس الوفد الرسمي السوري، الذي يتحرك مثل «الطاووس» في أروقة الفندق الذي يقيم فيه وفده، واختارته الأمم المتحدة (من نوع 4 نجوم فقط)، يقول إنه مستعد للبقاء حتى يتم التوصل إلى «حكومة ذات مصداقية»، وفقا للقرار الأممي، غامزا بذلك في قناة من يتحدثون عن هيأة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة.
المشهد السوري في جنيف عبارة عن أحد العروض السياسية بقيادة ستيفان دي ميستورا المبعوث الدولي، الذي أعلن تعليق المفاوضات مساء الأربعاء إلى 25 من فبراير لعدم وجود مغزى من المحادثات.
اللاعبون، أو الممثلون في هذا العرض، المشهد، مجرد أدوات في معظمهم، وليسوا أصحاب قرار، ولن يكونوا، فالقوى العظمى هي التي تملك القرار، وهي التي حددت الاتفاق الذي تريد تطبيقه في نهاية المطاف، سواء كانت دولية (أمريكا وروسيا)، أو إقليمية (السعودية).
وفد الرياض هدد بالانسحاب من المفاوضات، ولا نقول «المؤتمر»، قبل أن يحضر، وعندما وصل مكرها إلى جنيف، جرى إكرامه بوضعه في فندق خمسة نجوم، ورصد حوالي مليون ومئتي ألف فرنك فرنسي لتغطية نفقات إقامته الفاخرة لمدة أسبوعين، وما زال يتحدث عن الضمانات التي حصل عليها برفع الحصار المفروض على بعض المناطق، والإفراج عن المعتقلين، والتركيز على القضايا الإنسانية مثل إيصال الأغذية، ووقف القصف الروسي والحكومي، وذلك كبادرة حسن نوايا من جانب النظام في دمشق، ولكن النظام يؤكد حسب مصدر مقرب من وفده، أنه لم تطلب منه أي ضمانات، أو إجراءات حسن نوايا، والشيء نفسه يقوله السفير الأمريكي الذي ينوب عن حكومته، ويؤكد فيه أن جون كيري وزير خارجية بلاده لم يلتزم بأي شيء، وأن العنوان الرئيسي للقاءات جنيف هو الانخراط فيها دون شروط مسبقة.
القوات الحكومية تحقق مكاسب على الأرض، وتستعيد العديد من القرى في الشمال بغطاء جوي روسي، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي يقوم بجولة تشمل الإمارات وسلطنة عمان، آملا أن تعمل الأولى على تخفيف التشدد في الموقف السعودي تجاه الملف السوري، بينما ينشغل الوزير كيري بالتحضير لغزو جديد لليبيا، حيث حضر مؤتمرا في روما شارك فيه 23 وزير خارجية للتهيئة لهذا الغزو، والتمهيد لاجتماع آخر لوزراء الدفاع في بروسكل لاعتماد الخطة، وتهيئة القوات الخاصة والطائرات التي ستنفذ هذه المهمة في غضون أسابيع معدودة.
بمعنى آخر، الملف السوري سيوضع على الرف في المستقبل المنظور، لتقدم أولوية تمدد تنظيم «الدولة الاسلامية» في ليبيا، وما لقاءات جنيف إلا لكسب الوقت، وإشغال أعضاء وفود المعارضة بالتسوق وممارسة رياضة المشي على شواطئ بحيرة جنيف الجميلة لكسر حاجز الملل والضغط النفسي، ولم يكن من قبيل الصدفة أن فندق «البريزدنت» الذي حجزت السفارة السعودية كل قاعاته للوفد المفاوض، يطل عليها.
وفد المعارضة في الرياض رفض لقاء دي ميستورا إلا بعد تلبية طلباته، ولكنه سحب تهديده بالانسحاب خلال 24 ساعة، ربما بتعليمات من الرياض، ولعل وصول السيد رياض حجاب رئيس الهيأة العليا للمفاوضات الأربعاء الماضي إلى جنيف وفر الحجة أو الذريعة لهذا التراجع.
كنا في بداية الأزمة نقول إن الحل العسكري غير ممكن لأن أيا من الطرفين غير قادر على حسم الموقف لصالحه على الأرض. الآن وبعد التدخل العسكري الروسي انقلبت المعادلة، وبات الحل العسكري يتقدم على السياسي الذي بات مجرد «لاهاية» لإشغال المعارضة وداعيمها.
أمريكا تستعجل تشكيل حكومة ليبية، وفقا أو تطبيقا، لاتفاق الصخيرات للحصول منها على ضوء أخضر للتدخل عسكريا مرة أخرى، وتسعى لحكومة وحدة وطنية في سورية لإشعال فتيل حرب أخرى، عمادها الجيش العربي السوري للقضاء على تنظيم «الدولة الاسلامية» في سورية والعراق.
الحقيقة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها من خلال متابعة لقاءات جنيف تراجع الحديث، وبالتالي الخلاف، عن مصير الرئيس بشار الأسد في العملية السياسية الحالية، وكان الشرط الوحيد الذي يحفظه الجميع في أروقة جنيف هو تناسي هذه المسألة كليا، في الوقت الراهن على الأقل، وهذا ما يفسر ابتسامة الاطمئنان والارتياح المرسومة على وجه السيد الجعفري ووفده في أروقة مجمع الأمم المتحدة في جنيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى