الرأي

ممارسة التدريس (11 / 20)

الارتباط بالمكان:
قد يشتغل الممارس للتدريس في مؤسسة لسنوات و سنوات فتحصل له ألفة بالمكان و أهله و ارتباط عميق بالأجواء يستصعب معه أي تغيير، بل قد يقع له ارتباط بحجرة دراسية معينة قضى فيها سنوات من العمل يرفض معه أي تبديل أو تحويل عنها
كما أن التواجد في نفس المؤسسة لسنوات يكرّس تقليدا و أعرافا في التعامل مع التلاميذ و معرفة مسبقة لهم بطبيعة الاستاذ و شخصيته و طبعه و طريقة تعامله و تدريسه تكون مساعدة له في عمله و قد تكون فيها أيضا مضار غير ظاهرة.
إن هذا الشعور قد يكون معتدلا أو مفرطا أو غير ظاهر، و تبدو معالمه عند الانتقال أو التكليف بالتدريس في مؤسسة أخرى أو الإحالة على التقاعد أو أسباب أخرى كثيرة، و هنا قد تتراكم و تتراكب أحاسيس من الصدمة و الغبن و الوحشة و غيرها تنضاف إليها أحاسيس غدر الزمان إذا كان هذا التغيير دون إرادته أو مفاجئا له مما قد يخلف تأثيرا نفسيا عميقا تكون له تداعيات غير محمودة على صحة و أحوال الممارس.
إن عمق الاهتمام بالمهنة و الممارسة الحية الناجحة لها و العلاقة المتينة مع المحيط من تلاميذ و أساتذة و إدارة تزيد من إذكاء جذوة الارتباط بالمكان و تزيد أيضا من تبعات مفارقته و الخروج منه.
هذا الخروج الذي هو سنة طبيعية لا مفرّ عنه، على الممارس أن يستشعر ذلك، فالمفارقة لا بدّ منها ، فالدنيا كلها بما فيها سنفارقها فبالأحرى مكان العمل، فاستحضار هذه الحقيقة يعطي مخرجا منطقيا لكل ما أسلفنا التفصيل فيه من مخاض قد يتخبط فيه الممارس الحي المرهف الإحساس.
إن التجرد عن الارتباط بالمكان مرتبة عالية في احترافية الممارسة و قد تحصل التجربة فيها عند التكليف بالتدريس في مؤسستين في نفس الوقت أو تغيير الحجرات و المستويات بشكل مسترسل، أو انتقال كلي لمدينة أخرى، و يعطي قدرة متجدّدة للتكيف مع المحيط الجديد بكل أجواءه و طقوسه و مراسمه.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى