شوف تشوف

من الثورة إلى الثروة (2/1)

إذا لم تكن مهمتنا كصحافيين هي مراقبة عمل الوزراء والأمناء العامين للأحزاب والسياسيين والموظفين العموميين ووضع وعودهم وبرامجهم محل مساءلة يومية، والمطالبة بمحاسبتهم على طريقة صرفهم لأموال دافعي الضرائب، فإنني لا أعرف ما هو الدور الحقيقي للصحافي.
إذ ليس المهم أن يسقط حزب معين من الحكومة بسبب فشل وزرائه، أو أن يفشل رئيس حكومة معين في تشكيل حكومته، ولكن المهم أن تبقى البلاد واقفة وليسقط بعد ذلك وزراء الأحزاب كلهم، فالمهم في آخر المطاف هو مستقبل البلد وليس مستقبل الأحزاب والأشخاص.
مناسبة هذا الكلام هي ما كتبه توفيق بوعشرين في جريدته حول نشرنا للائحة ممتلكات شباط واعتباره أن هذا النشر سببه رفض هذا الأخير لعب دور صغير في فيلم ما بعد السابع من أكتوبر، مما يفيد أن قيامنا بواجبنا الإعلامي في كشف ممتلكات عائلة حميد شباط ليس سوى عقاب لهذا الأخير على عدم مشاركته في ما يسميه بوعشرين مؤامرة انقلابية ضد ولي نعمته بنكيران.
وربما كان هذا التخليل، عفوا التحليل، سيكون سليما من الناحية الإخبارية لو أن معركتنا الإعلامية مع حميد شباط بدأت اليوم بعدما فقد عمودية فاس، والحال أنني كنت الوحيد الذي خاض ضد شباط منذ 2007، معارك إعلامية ضارية شبه يومية اضطر معها شباط لإنشاء مواقع إخبارية للتشهير بي وبعائلتي، وأسس جرائد ورقية كغربال القرويين انتهت كلها بالفشل وانقلب أصحابها عليه وقاضوه في المحاكم وربحوا تعويضات على ظهره.
ومن يريد أن يتأكد مما أقول فما عليه سوى أن يضع اسم شباط مقرونا بشوف تشوف في محرك البحث غوغل وسيعثر على الأرشيف بالتفصيل الممل.
وفي الوقت الذي كنت فيه أنا أنشر ممتلكات السياسيين والمسؤولين الذين اغتنوا في مواقع المسؤولية، كالأشعري الذي دخل حكومة التناوب شبه معدم وخرج منها بعد إحدى عشرة سنة من الاستوزار محنكا بعدما اغتنى، أو كحسن أوريد الذي تحول بعد مغادرته لولاية مكناس تافيلالت إلى مالك للأراضي وأخوه إلى مالك لشركات الغاز والفنادق والأسواق الممتازة وشركات الاتصال عبر الأقمار الصناعية، كان بوعشرين يجتهد لكي يلمع صور هؤلاء السياسيين والمسؤولين في جريدته، مخصصا صفحات عريضة لمحاورتهم وتقديمهم للرأي العام كمناضلين ومصلحين وأدباء.
لذلك فعوض أن ينشغل بوعشرين بتبرير ثروة شباط فعليه أن ينشغل أولا بتبرير فتحه لحسابات بنكية في إسبانيا علما أنه يقيم بالمغرب، وأن يقول لقرائه، على قلتهم، كم يضع فيها من عملة صعبة.
وبوعشرين، الذي يردد بشكل ببغاوي ما قالته مونية غلام الطارئة على حزب الاستقلال في قناة تلفزيونية مغمورة حول «محنة» شباط التي سببها حسبهم رفضه المشاركة في الانقلاب على نتائج الصناديق، يعرف قبل غيره أن السبب الوحيد لعنتريات شباط هو عدم الموافقة على طلبه لكي يكون رئيسا للبرلمان، هذا كل ما في الأمر، ولو أعطوه رئاسة البرلمان، أي منصب الرجل الثالث في الدولة لكي يحمي نفسه وعائلته من المتابعات، لما سمعناه يهاجم موريتانيا، ولما سحب نوابه من البرلمان خلال التصويت على الرئيس، ولما نشر خريطة المغرب بدون صحرائه، ولما سمعناه في جريدته يعتبر فكرة العودة إلى الاتحاد الإفريقي اعترافا بالبوليساريو وتفريطا في حدود الوطن، ولما ذهب إلى فرنسا لكي يتحدث في فرانس 24 عن سيناريو اغتياله في واد شراط من طرف الدولة العميقة التي اتهمها بتصفية الزايدي وباها.
أما مديرة نشر مجلة «تيل كيل»، عائشة أقلعي زوجة ابن الملياردير التازي المساهم السابق في الشركة الناشرة للمجلة، فعوض أن تقلد زملاءها في جريدة لوكانار أونشيني الفرنسية التي تفضح أسبوعيا السياسيين الفرنسيين وتنشر ثرواتهم، آخرهم فرونسوا فيون مرشح اليمين للرئاسيات والذي كشفت لائحة التعويضات التي حصلت عليها زوجته وأبناؤه، تفرغت لإعطائنا الدروس في مجال الصحافة، معتبرة نشر معطيات حول ثروة آل شباط تسريبا يدخل في خانة الأساليب المارقة للدولة، وأن الدولة إذا أرادت محاسبة السياسيين عن ثرواتهم فما عليها سوى أن تقوم بذلك عن طريق القضاء.
كما لو أن مدام أقلعي تجهل المبادئ الأساسية للصحافة، والتي من أهم أدوراها الكشف عن فساد السياسيين، أما القضاء فمستقل وعمله قد يكون لاحقا بعد نشر الصحافة لملفات الفساد.
وفي فرنسا لم تتحرك العدالة في قضية فيون إلا بعدما نشرت لوكانار أونشيني الخبر، وهذا ما يقع عادة في كل الدول الديمقراطية، تنشر الصحافة وبعدها تتحرك العدالة.
وكأن مدام أقلعي لم تقرأ الأسبوع الماضي بلاغ وزير العدل مصطفى الرميد الذي قال فيه إن الأبحاث التي باشرها الوكيل العام بخصوص قاضي الرباط المشتبه في تلقيه رشوة بخمسين مليونا جاءت تبعا لما تداولته وسائل الإعلام، ويقصد «الأخبار» التي كانت سباقة لنشر الخبر.
فها هو وزير العدل يعترف بأن بحثا قضائيا مع قاض ورئيس غرفة في محكمة النقض تم فتحه بفضل ما نشر في الصحافة.
«نتوما هاد فرانسا ديالكم بغيتو تاخدو منها غي اللغة باش تفوحو بيها على عباد الله ماشي التقاليد الصحافية العريقة ديالها».
فلماذا تريد مدام أقلعي أن تبخسنا حقنا في قضية كشف ثروة آل شباط ؟ وهل يجب علينا الاعتذار لمجرد أننا قمنا بواجبنا منذ 2007 في فضح هذا المافيوزي الذي سطا على حزب الاستقلال، في الوقت الذي قرر آخرون مداهنته وعلى رأسهم مجلة تيل كيل التي خصصت افتتاحية لحميد شباط وصفته فيها بـ «ملك فاس» الذي يجسد الأمل في إنقاذ حزب الاستقلال وأمل البلد في عدم ابتلاعه من طرف الطوفان الإسلامي.
ثم ما علاقة الدولة يا مدام بنشر معطيات متوفرة للجميع في المحافظات العقارية يكفي الصحافي الكسول مثلكم المتعود على كنبات الصالونات المخملية، أن يكون مستعدا للبحث عنها لكي يجدها بسهولة ؟
هل أصبح نشر أملاك ورسوم عقارية يدخل ضمن أسرار الدولة أمدام أقلعي ؟
عندما كنت يا مدام أنشر منذ سنة 2007 مقالات حول ممتلكات وفساد حميد شباط كنت أنت لازلت تلبسين «ليكوش»، ومادام أنك تتحدثين عن التسريبات، فالتسريبات الحقيقية هي تلك التي منحت لك في مفتاح «اليوزبي» عندما ذهبت إلى أديس أبيبا لتغطية مؤتمر عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والتي قمت بنشر محتواها بدون توقيع في مجلتك، مدعية أنك وضعت أذنك على باب القاعة حيث تم الاجتماع وتمكنت من «التقاط» الكواليس، «على هاد الحساب نتي وليتي هيا جيمي القوية».
كوني واضحة وقولي لقراء مجلتك إنك ذهبت إلى أديس أبيبا سائحة ونزلت بالروب دو سواري للمؤتمر كما لو أنك أتيت إلى حفل ساهر من تلك الحفلات التي تعودت حضورها في الصالونات البورجوازية للدار البيضاء والرباط.
فمتى حضرت كواليس المؤتمر ومن حاورت لكي تحصلي على ذلك الملف الذي قمت بنشره، والذي ويا للمصادفة العجيبة يشبه كثيرا الملف الذي نشرته جون أفريك؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى