سياسية

مهمة الدفاع عن الدولة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات

سعيد الفشتالي
في إطار القانون رقم 99 ـ62 المنظم للمجلس الأعلى للحسابات، صدر أخيرا تقرير حول مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة، وهو تقرير جدير بالاهتمام ويتعين الوقوف أمامه من طرف كل متتبع متخصص في النزاعات القضائية التي تكون الدولة طرفا فيها، من أجل معرفة مدى موضوعية تقييم المجلس الأعلى للحسبات للوكالة القضائية للمملكة.
في أول الأمر لابد من التذكير على أن التقرير الصادر انطلق في مهمته بجمع المعلومات المرتبطة بالمنازعات القضائية للدولة، ثم إجراء لقاءات مع مسؤولي الوكالة القضائية للمملكة ومديرية أملاك الدولة والمديرية العامة للضرائب والإدارة العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة والخزينة العامة للمملكة، من أجل تدارس كل الجوانب المتعلقة بمنازعات الدولة، وما يمكن تناوله من التقرير يمكن تدريجه كالاتي:
الدفاع عن قضايا الدولة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات
تضمن التقرير في طاياته كل الجوانب المتعلقة بمهمة تدبير ملفات المنازعات القضائية والمؤسسات المعنية بذلك، ليشخص الوضعية ومقترحا عدة توصيات، فكيف ذلك:
-أولا: استراتيجية تدبير منازعات الدولة
انطلق التقرير في تقديمه الإطار العام لمؤسسة الوكالة القضائية للمملكة ومهمتها في الدفاع القضائي، وذكر مثيلتها في الأنظمة المقارنة، وسرد توجهاتها من خلال أدوارها في الوقاية من المنازعات، وقد وقف المجلس هنا على غياب الإطار القانوني المؤطر للإشارات القانونية، وأهمية الوكالة القضائية في الدور التحسيسي للوقاية من المخاطر القانونية، ثم تطرق لدورها في المسطرة التصالحية كأسلوب مهم في التقليص من الحجم الكبير لهذه المنازعات، وقد أوصى المجلس بإيلاء أهمية قصوى للحلول البديلة لفض النزاعات القضائية التي تكون الدولة طرفا فيها، مع إعطاء الوكالة القضائية للمملكة الصلاحيات المباشرة في هذه الحلول، وأوصى المجلس في هذه الجوانب بـ:
ـ العمل على توحيد استراتيجية الدفاع القضائي.
ـ التنصيص على جعل الوكيل القضائي للمملكة المخاطب الرئيسي في نزاعات الدولة.
ـ جعل إمكانية اللجوء إلى المحامي، كأحد الخيارات المتاحة في الدفاع عن الدولة.
تشخيص واقع المنازعات القضائية للدولة
أورد التقرير هنا المعطيات المتعلقة بمديرية أملاك الدولة والخزينة العامة، بحجم القضايا والملفات وأنواعها وكيفية تدبيرها عبر اعتماد التطبيق المعلوماتي، وقد أوصى المجلس هنا بالمسك الجيد للبيانات الخاصة بالمنازعات.
وأبرز المجلس هنا مهمة الوكالة القضائية في الحرص والتنسيق القبلي والبعدي مع مديرية الأملاك في القضايا الخاصة بالاعتداء المادي، مع توصيته بتكثيف والتنسيق الجيد وتفادي صدور حكمين قضائيين بالتعويض عن نفس العقار موضوع النزاعات، وقد لاحظ المجلس من خلال الاطلاع على ملفات المنازعات القضائية المرتبطة بنزع الملكية والاعتداء المادي، أن الإدارة لا تستكمل كل الإجراءات القضائية المنصوص عليها في القانون رقم 81 ـ 07، المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وهذا ما يتسبب في نزاعات قضائية تقضي بالتعويض واستنزاف مبالغ مهمة، لذا أوصى المجلس باحترام الضوابط والشروط المؤطرة لنزع الملكية.
وبالنسبة لتنفيذ الأحكام القضائية، أوصى المجلس بالعمل على إشراك مديرية الوكالة القضائية للمملكة، وتمكين مديرية أملاك الدولة مباشرة من تنفيذ الأحكام بالمصادرة، مع تفعيل لجن التنسيق من أجل الرفع من مردودية تنفيذ أحكام المصادرة.
أهم معيقات تدبير المنازعات القضائية للدولة
أسس المجلس الأعلى للحسابات أهم المعيقات التي تحد من نجاعة الدفاع القضائي عن الدولة على الصبغة القانونية، والصبغة العلائقية مع الإدارات العمومية.
حيث رأى المجلس على أن هناك إشكالية في ما يخص تطبيق بعض النصوص القانونية المتعلقة بالوكالة القضائية، ومنها وجود اختصاصات لم يعد يزاولها الوكيل القضائي للمملكة، والقيام بالحجوزات التحفظية وانعدام حصانة أطر الإدارة في دفاعهم عن الدولة، على عكس حصانة الدفاع المتعلقة بمهنة المحاماة.
وفي ما يخص الجانب العلائقي أمام الإدارات، فإن المجلس الأعلى للحسابات رأى أن مسألة تكليف الوكالة القضائية للمملكة بالمسطرة القضائية، يأتي دائما في المراحل المتأخرة، وذلك نتيجة لعدم تحديد العلاقة بين الوكيل القضائي للمملكة والإدارات المعنية بالمنازعات القضائية، وقد تطرق هنا كذلك إلى صعوبات على مستوى المحاكم من خلال صعوبات مع كتابة الضبط والجلسات، ودعا إلى ضرورة التنسيق مع وزارة العدل والحريات من أجل تمكين موظفي وأطر الإدارة المكلفين بالدفاع عن الدولة من كل الامتيازات التي تمنح للمحامين داخل قاعات الجلسات.
نجاعة الوكالة القضائية في مهمة الدفاع عن قضايا الدولة
إن تقرير المجلس الأعلى للحسابات قد أوصى بعدة نقاط مهمة للرفع من نجاعة تدبير ملفات وقضايا الدولة، وعلى المنطق نفسه نستحضر الفصل (159) من الدستور، حول مدى الأهمية التي يمنحها هذا الفصل لفاعلية الهيئات المستقلة في تفعيل مبدأ الحكامة الجيدة وممارسة وظيفة الضبط القانوني داخل الدولة، فإن إعطاء دعامة قوية للوكالة القضائية للمملكة من أجل مهمة ترسيخ الجودة القانونية داخل المرافق العمومية لوقايتها من المخاطر القانونية عبر تقديم الاستشارات وتوصيات لهذه المرافق، لمواكبة قراراتها الإدارية والاتفاقية وعقودها، سواء على المستوى الداخلي، أو الخارجي، وهي النقطة التي لم يتناولها التقرير، لاسيما أن الفصل )159( من الدستور أصبح يؤسس لمنطق استقلالية هذه المؤسسة، من أجل تدعيم مسار تطوير مؤسسات دولة حديثة، والتي أصبح من مهامها إرساء دعائم المجتمع في مسار بناء دولة الحق والقانون.
ومع التوصيات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، ندعم فكرة إعادة النظر في الظهير المؤسس للوكالة القضائية للمملكة، وذلك لسببين أساسيين:
السبب الأول: أن الظهير المؤسس أصبح يعاني من ضعف تشريعي على أساس الفصل (159) من الدستور.
السبب الثاني: فاعلية هذه المؤسسة في الدفاع عن الدولة، تستلزم ضرورة الارتقاء بها إلى مؤسسة مستقلة عن السلطة التنفيذية.
إن تفسير هذه الأسباب يدخل في نطاق الأسس الدستورية والتوصيات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، والتي تستلزم الآليات القانونية لترشيد السلوك القانوني لمؤسسات الدولة، على اعتبار أن الخروج عن ذلك سيخلف آثارا سلبية على الأموال العمومية.
فالضعف التشريعي لمؤسسة الوكيل القضائي، أصبح اليوم يستدعي إعادة النظر على أساس العوائق والمحدودية التي يعطيها لدور مؤسسة الوكيل القضائي في ظل الدستور، فعلى أساس الفصل )514( من قانون المسطرة المدنية، وكذا الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من ظهير 2 مارس 1953 نجد أنهما يعطيان دور التدخل لهذه المؤسسة فقط في الدعاوى التي تستهدف التصريح بمديونية الدولة، ولا يتم إدخالها في دعاوى إلغاء المقررات الإدارية، باعتبارها دعوى عينية موضوعية.
فالممارسة العملية، حسب عديد من أطر هذه المؤسسة، تحول إلى أن أغلب الدعاوى تؤول في النهاية إلى تعويضات مالية، باعتبار أن الأحكام التي تصدر في قضايا الإلغاء قد تشكل سندا للمطالبة بالتعويض في مواجهة الإدارة مصدرة القرار الملغي.
فالقرار الإداري الذي يعتبر إحدى الصور التي يتجسد فيها عمل الدولة وإدارتها، فلا بد أن يصدر مستجمعا لكافة أركانه الشكلية والموضوعية، أي مستوفيا لشروط المشروعية حتى يكون سليما ومنتجا لآثاره القانونية، وعدم مشروعية القرار الإداري بأوجه معروفة يشكل في الحقيقة، خطأ مرفقيا يرتب مسؤولية الدولة، وعدم إدخال الوكيل القضائي في دعوى الإلغاء لا يسمح بتتبع الملف من البداية، مما يؤثر على مستوى دفاعه في مرحلة التعويض، إذا ما طالبت المحكوم له بموجب الحكم الصادر في دعوى الإلغاء بتعويضات مالية.
وهذا ما يدفعنا إلى طرح مسألة تدخل هذه المؤسسة في دعاوى المقررات الإدارية، بسبب تجاوز السلطة، لأنه سيمكنها من تتبع الملف منذ البداية من جهة، وسيمكنها أيضا من حث الإدارة على الإسراع في ترتيب الآثار الناتجة عن حكم الإلغاء في حال صدور حكم ضدها، لتجنب الدولة مسؤولية الامتناع عن التنفيذ، أو عدم ترتيب تلك الآثار بشكل صحيح.
وعلى أساس الفصل )32( من قانون المعاشات العسكرية، والمادة )28( من قانون المعاشات المدنية، واللذين يلزمان المسؤول المدني عن الضرر الجسماني الذي يصيب الموظف أو ذوي حقوقه بسبب وفاته، بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده، وذلك قصد استرجاع الصوائر المدفوعة، لكن هذا الإلزام غير محافظ على حقوق الدولة في مثل هذه النوازل، لأنه أولا يتعلق بالمسطرة القضائية فقط، ولا يمتد إلى المسطرة الحبية التي أصبحت إلزامية، حسب مقتضيات الفصل )18( من ظهير 2 أكتوبر 1984.
وفي مستوى آخر من الضعف التشريعي، نجد أن ظهير 2 مارس 1953، وكذا مرسوم 1978 المنظم لاختصاصات وتنظيم وزارة المالية، لم يوليان أهمية لمسألة التمثيليات الجهوية لهاته المؤسسة، وهو ما أصبح ينافي توجهات الدولة في ترسيخ الجهوية، مما ينعكس سلبا على المنتوج القضائي في طرح صعوبات مسطرية تتعلق بعدم احترام الآجال وتطويل الإجراءات، نظرا لبعد هذه المؤسسة على المحاكم الإدارية، وهذا ما يتنافى مع مبدأ الحكامة القانونية الوارد في الدستور.
وفي السياق نفسه، نجد أن مسألة التكوين القانوني للأطر الساهرة على هذه المؤسسة، والتي تخضع للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، أصبحت في ظل الدستور الجديد لا تشبع هذه الأطر للقيام بدورها كاملا، كما أن مسألة التوظيف ما زالت تخضع لمساطر غير واضحة، في كون أن ساهرين على مباريات التوظيف يضعون شروطا غير صائبة للولوج إلى هذه المؤسسة، في كونها تحدد الشروط والتخصصات القانونية غير مختصة لولوج هذه الوظيفة، كالتخصص في القضاء المدني أو التجاري أو التحفيظ العقاري، دون مراعاة التخصصات الجديدة اليوم في حقل القانون العام في مجال المنازعات، كتخصص القضاء الإداري والمنازعات العمومية، على اعتبار أن الدراسات المعمقة في هذه التخصصات تنصب بالأساس على الدعاوى التي تكون الدولة طرفا فيها، مما سيساهم في تكوين أطر فعالة في مجال الدفاع عن الدولة، عوض الاكتفاء بتخصصات القانون الخاص التي تعتبر بعيدة عن ذلك ويتطلب الأمر إعادة تكوينها.
إن الدستور الذي يتمتع به المغرب اليوم يعطي منطلاقات هامة في تأسيس لاستقلالية مؤسسة الوكيل القضائي عن السلطة التنفيدية، وهو ما سارت عليه عديد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية التي أحدثت مؤسسة المحامي العام للدولة، ونموذج المصري الذي أحدث هيئة قضايا الدولة كهيئة مستقلة تدافع عن مصالح الدولة والنموذج التونسي الذي يسير في الاتجاه ذاته. وفي ذلك أصبح اليوم على المشرع المغربي أن يبادر في تبني التوجه الصحيح لإعادة النظر في النص التشريعي لهذه المؤسسة، في ظل الفصل (159) من الدستور قصد الارتقاء بها إلى مؤسسة مستقلة وتمتيعها بكافة الأسس القانونية الصحيحة، التي ستمكنها من ممارسة وظيفتها في ترسيخ الجودة القانونية داخل المرافق العمومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى