الافتتاحية

«نحيب» بوليف

> دون خجل أو وجل خرج كاتب الدولة المكلف بالنقل نجيب بوليف لينتحب أمام الرأي العام بسبب ارتفاع عدد قتلى حوادث السير خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية بنسبة 10 في المائة. وبدل أن يضع صاحب «حديث الثلاثاء» المفاتيح ويتفرغ للدعوة فضل الضحك على ذقون المغاربة بذرفه لدموع التماسيح ومطالبته بإعادة النظر في المقاربة التقليدية لمواجهة حوادث السير، والتفكير في إجراءات نوعية وبلورة برنامج عمل استعجالي لتدارك هذه الوضعية والتركيز على البعد الترابي.
معضلة استمرار نزيف الطرقات أن المسؤولية لا توجه للمسؤول عن قطاع النقل، بل يتم تعليق المآسي مباشرة على سائق المركبة أو حالتها الميكانيكية أو سوء الطقس أو وضعية الطرقات أو القدر الإلهي الذي لا راد له.
وعقب أي حادثة مميتة على الطريق يكتفي المسؤولون عن النقل بالانتحاب واستعراض بشاعة الحادث وقياس ارتفاع ضحايا الطرقات وتصنيف أنواع الحوادث دون تحديد مسؤوليتهم، بل يحاول أمثال بوليف دائما أن ينفضوا عن أنفسهم المسؤولية ويغسلوا أيديهم منها ويلصقونها على مشجب الآخرين، ليستمر هذا الوضع الكارثي ولتعود حليمة لعادتها القديمة.
بكل صراحة ما يقع من حوادث بشعة على الطرق والخسائر المالية التي تترتب عنها والتي تقدر بـ200 مليار سنتيم ما يمثل 2.5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي،  يوحي أننا لم نضع اليد بعد على الحل الشافي لهذه الآفة التي تتحدى الجميع، لقد جربنا صرامة القانون وإحداث المؤسسات ووكالات وبرامج تغيير السلوكات ولوحات إشهارية كلفت دافعي الضرائب المئات من الملايين لكن دون جدوى، وبقيت كل خطابات الحكومة وتعهداتها بمحاصرة الحوادث مجرد كلام في الهواء، فيما الواقع أن هناك تنامي ظاهرة حوادث السير وارتفاعها بشكل مطرد كل يوم، لتخلف جرحى وقتلى جلهم شباب في مقتبل العمر و أطفالٌ صغار ونساءٌ لم يضعن أجنتهن.
والحقيقة أننا أصبحنا أمام منظومة سير فاسدة بنيويا، وعلينا أن نتحلى بالقليل من الشجاعة ونعترف بأن الحكومة التي تتوفر على وزيري نقل فشلت في الحد من حوادث السير رغم ما بددته من ملايير، دون أن يتم افتحاص طريقة تدبير اللجنة المكلفة بالوقاية من حوادث السير وكيفية صرفها للمال العام.
وطبعا لا يمكن لهذه المذبحة اليومية أن تتوقف دون تحديد المسؤوليات، فلن تتحسن أوضاع سيرنا وطرقنا بمجرمين يقودون مركباتهم بجنون وطرق لا تسر عدوا ولا حبيبا وحكومة لا ترى ولا تتكلم ولا تسمع وبوزير نقل مثل بوليف لا يجيد سوى النحيب، والذي يعد وصوله لمنصبه في حد ذاته أكبر حادثة سير في طريق السياسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى