الرئيسيةملف التاريخ

هكذا تعامل القصر مع اللصوص الذين حاولوا سرقته

كواليس اختفاء أغراض الملوك.. قبل فترة محمد الخامس وصولا إلى الملك محمد السادس

يونس جنوحي
حسب المتخصصين في تاريخ المغرب الحديث، فإن أكبر عملية سرقة تعرضت لها القصور الملكية كانت خلال سنة 1907، وبالضبط في فترة أزمة العرش وانتقال السلطة بين أبناء السلطان الراحل الحسن الأول. هذه السرقة كانت موضوع الجرائد الفرنسية والبريطانية على وجه الخصوص. الصحافة البريطانية أفردت صفحات كاملة للحديث عن السرقة الكبيرة التي تعرض لها القصر الملكي بفاس، وعمليات الاغتيال التي وقعت في صفوف الخدم على يد القوات التي دعمت وصول المولى عبد الحفيظ إلى السلطة، خلال المواجهات مع الموالين للمولى عبد العزيز. المثير أن تلك السرقات قام بها محسوبون وقتها على القصر الملكي، وغادروا فاس تاركين خلفهم التهمة تطاردهم حتى بعد رحيلهم إلى مناطق أخرى. بعض هؤلاء الذين تطاولوا على مقتنيات القصر الملكي وغرفه، استقروا في الرباط، وكانوا من الذين وقعوا على عريضة المطالبة بنفي الملك الراحل محمد الخامس خارج المغرب، وبعضهم عاشوا إلى أن عاصروا بن عرفة، ورأوا كيف أن بعض غرف القصر الملكي في عهده بقيت مغلقة.

مقالات ذات صلة

الجنرال إدريس بن عمر رصد سرقة من قلب القصر والملك عفا عن المتورطين
في منتصف الستينيات، توصل الجنرال إدريس بن عمر، المقرب وقتها من الملك الراحل الحسن الثاني، بمعلومات تفيد بأن بعض المقتنيات واللوحات، سُرقت من أحد صالونات الانتظار بالقصر الملكي، وأن العاملين المقربين من الملك فضلوا إخفاء الخبر عن الملك حتى لا يكبر الموضوع.
كما أن الجنرال البشير البوهالي، الذي توفي في انقلاب الصخيرات سنة 1971، بدوره توصل بالمعلومات نفسها من بعض مقربيه في القصر الملكي. لكن الجنرال إدريس بن عمر كان سباقا إلى إثارة الموضوع لدى الملك الراحل الحسن الثاني، وهو ما خلق حالة استنفار داخل القصر.
مصدر هذه المعلومة هو وثائق ويكيليكس الشهيرة، التي تسربت من أرشيف مراسلات الخارجية الأمريكية مع سفارة الولايات المتحدة في الرباط، والتي رفعت عنها السرية سنة 2006.
تقول الوثيقة إن الملك الراحل الحسن الثاني استاء كثيرا من واقعة السرقة التي عرفها القصر، وأخبر مساعديه أنه لم يستغرب لأنها ليست المرة الأولى، لكنه لا يحتمل أن يحيط بها مجموعة من عديمي الأمانة، وهكذا فتح تحقيق لمعرفة المتورطين ومصير المسروقات، ليتم اكتشاف أن الأمر يتعلق ببعض المحسوبين على محيط القصر الملكي، حيث قدم رشاوي لبعض العاملين في الخدمة لإخفاء الأغراض إلى حين تهريبها خارج القصر. وطوي الموضوع بإشراف من الملك الحسن الثاني ولم تتسرب تفاصيله إلى الخارج، إلا من خلال دردشات بعض الشخصيات العسكرية في عشاء بالسفارة الأمريكية بالرباط.
وقعت بعد ذلك التاريخ، وقبله أيضا، سرقات كثيرة في القصور الملكية قبل عهد الملك الراحل محمد الخامس، وبعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني أيضا، وبدا واضحا أن سرقات القصور الملكية كانت دائما موضوعا شائكا، بقدر ما يثير فضول المتابعين.

هكذا كانت تسرق أغراض من القصر الملكي
ونحن نتابع هذه الأيام جديد قضية المتابَعين في سرقة ساعة الملك محمد السادس، تعود من جديد قضية سرقات القصور الملكية إلى الواجهة.
لعل آخر السرقات التي خرجت للرأي العام، قبل عشر سنوات، وتتعلق بسرقة مقتنيات قصور ملكية في عدد من المدن، وأغلق الملف بعد أن تم إيقاف المتورطين.
لم يكن كل المسؤولين في الدولة يعرفون خبايا سرقات القصور الملكية، خصوصا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث اعتاد بعض العاملين في المحيط الملكي على اختلاس مقتنيات ملكية تخص الملك الراحل، لكنه كان يفض بعض تلك الملفات بعيدا عن القضاء. وجل تلك القضايا بقيت بعيدة عن الصحافة والإعلام، وتولى مقربون من القصر الملكي أمر تدبيرها.
في عهد الملك محمد السادس، وخلال عشرين سنة، كان موضوع سرقة محتويات القصور الملكية، محتشما، وبدا واضحا أن الملك آثر تحويل القضية إلى القضاء لكي يقول كلمته فيها معطيا المثال على الثقة في القضاء المغربي واستقلاليته.
كان السياق مختلفا كثيرا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ربما لأن طبيعة تلك السرقات لم تكن تسمح بخروجها إلى الرأي العام، بقدر ما كان الملك الراحل أو محيطه على الأصح، يفضلون فض الأمور على الطريقة المخزنية القديمة.
وبما أننا نتحدث عن الطريقة المخزنية، فإن القصور الملكية خلال تاريخها قد تعرضت لعمليات سرقة كثيرة، في سياقات متباينة.
في عهد الملك الراحل محمد الخامس، خصوصا قبل مرحلة المنفى، أثار موضوع سرقة مكتبته الخاصة، التي كانت تضم كتبا كثيرة أهديت إليه من شخصيات مغربية معروفة في عالم الفقه والعلم وشخصيات عربية زارت المغرب وأهدى أصحابها مؤلفاتهم إلى الملك الراحل، سخطا كبيرا في الأوساط المخزنية. والصحفي الفرنسي الذي اشتغل لسنوات في الجيش الفرنسي، غوستاف بابين، اتهم صراحة الباشا الكلاوي بسرقة مكتبة الملك الراحل محمد الخامس بشكل غير مباشر. لكن الكاتب الأسكتلندي غافين ماكسويل، اضطر في كتابه إلى توضيح المسألة كلها عندما دافع عن الباشا، واستبعد أن يكون الأخير قد سرق المكتبة.
كنا قد أشرنا في «الأخبار» إلى هذه القضية، الصيف الماضي، في حلقات خصصت لمناقشة كتاب الصحفي الفرنسي عن الكلاوي، وتطرقنا إلى تلك التهم.
قلنا إن الصحفي بابين كتب عن المكتبة العجيبة التي يتوفر عليها الباشا الكلاوي، والتي كانت تعج بطبعات نادرة ونفيسة، وقال إنه لا بد وأنه حصل عليها من قصر السلطان، عندما أحضر معه الخاتم السلطاني وقال إن هذا هو التفسير الوحيد للطريقة التي وصلت بها مكتبة بتلك الأهمية لتستقر بين يدي أميّ مثل الكلاوي.
وقد رد عليه صديق الكلاوي، الأسكتلندي غافين ماكسويل بالقول: «إن عددا من الكتب في مكتبة الباشا هي ملكية السلطان، وتم شراؤها من ورثته. وكتب أخرى تم الحصول عليها بنفس الطريقة، وهكذا كون الباشا مكتبته الضخمة، والأمر نفسه بالنسبة إلى عبد الحي الكتاني، الذي حصل على كتب بدوره من القصر الملكي وضمها إلى مكتبته، وأيضا الوزير المقري، ومولاي الكبير بنزيدان.
أما بالنسبة لبقية التهم، فإنه لا يجوز أن ننعت التهامي الكلاوي بالأمي أو الجاهل في المغرب. لأنه كان يكتب باستعمال قطعة مقلمة من القصب وبالتأكيد أيضا فإن خطه كان رديئا جدا، لكن توقيعه من جهة أخرى كان لا بأس به. الدور الذي لعبه في التاريخ وفي الحياة العامة للمغاربة كان أكبر من الخط أو الكتابة».
هل تم شراء المكتبة فعلا، أم أنها نهبت من قلب مكتب الملك الراحل؟ التاريخ وحده يعلم.

عندما اعتبر الملك الحسن الثاني سرقة مخطوطات ملكية اختلاسا من ماله الخاص
في سنة 1984 أعلن الملك الراحل الحسن الثاني حالة استنفار وسط مساعديه، لمعرفة مصير مئات المخطوطات التي راسله بشأنها بعض مقربيه من العلماء.
تكلف مولاي حفيظ العلوي، مدير التشريفات والأوسمة، بإيصال الرسالة شفهيا إلى الملك الراحل، بعد أن طلب منه بعض علماء القرويين وأعضاء من المشرفين على الخزانة الملكية، إخبار الملك أنهم يريدون رؤيته «لأمر يهمه». وفي إحدى الأمسيات اتصل مولاي حفيظ العلوي بالمعنيين هاتفيا، وطلب منهم الحضور عاجلا، لأن الملك الحسن الثاني سوف يستقبلهم قبل العشاء.
طُرح الموضوع على الملك الراحل الحسن الثاني، حسب مصدر مقرب من الراحل محمد الفاسي، الذي تم الاتصال به لفتح تحقيق في الموضوع ورفع تقرير شامل للملك الحسن الثاني بشأن المخطوطات المتوفرة والنادرة وحالتها وما إن كان يجب ترميمها. وأعلن الملك الراحل ليلتها حالة استنفار وسط مساعديه، لتحديد مصير المخطوطات التي تحدث عنها من أسماهم «الغيورين على تاريخ هذه البلاد ورصيدها التاريخي». وقال ليلتها أمامهم: «إن من تجرأ على سرقة هذه المخطوطات من المغاربة، وكأنه سرق من مالي الخاص».
كان مولاي حفيظ العلوي، بحكم موقعه في القصر الملكي ومشرفا على التشريفات والاستقبالات، المكلف الأول من طرف الملك الحسن الثاني لمتابعة الملف عن قرب مع المعنيين. وكان الملك الراحل معروفا، خصوصا من طرف العلماء أمثال عبد الله كنون والغازي الحسيني وآخرين من كبار رموز القرويين أنه كان حريصا على المخطوطات النادرة، وأنه رفض مرات كثيرة تسلم مخطوطات من عائلات العلماء وأمر أصحابها بالاحتفاظ بها والاعتناء بها.
وفي إحدى زيارات الملك الراحل، نهاية الثمانينيات، إلى منطقة سوس للاطمئنان على الحالة الصحية لأحد الفقهاء الذين كان الملك يقدرهم شخصيا، فوجئ بحفيد أحد علماء سوس وهو يقدم له مخطوطا نادرا كان عبارة عن إرث عائلي يعود لمئات السنوات، وطلب منه الملك الراحل الحسن الثاني الاحتفاظ به لأبنائه فهم أولى به، وأمام إصرار الرجل أمره الملك الحسن الثاني بحفظ المخطوط وقال له ما معناه بما أنه حصل على المخطوط منه، فإنه بدوره يهديه إلى أبناء وأحفاد الرجل.
ما غاب وقتها عن الذين حضروا لتلك الواقعة، أن الملك الحسن الثاني كان يقدر قيمة المخطوطات والكتب النادرة، وكان معروفا عنه أنه يتوفر على مكتبة ضخمة تضم عددا من الكتب والمجلدات التي طُبعت منها طبعات محدودة في أوربا. لكن في ما يخص المخطوطات المحلية، خصوصا منها المكتوبة بخط اليد، فإنه كان يأمر دائما بالاعتناء بها في الخزانة الملكية ومكتبات المساجد العتيقة، ويكلف علماء من القرويين برعايتها لما لها من بُعد تاريخي وما تمثله من رصيد كان الملك الراحل يدعو في عدد من الخطب الملكية إلى الاعتناء به.
مرت سنوات طويلة، وظهرت بعض المخطوطات المغربية النادرة في معارض دولية في أوربا، خصوصا في فرنسا، وأخرى ظهرت في المعرض الدولي الجديد الذي أسس في دولة الإمارات العربية، ولا أحد عرف الطريقة التي انتقلت بها تلك المخطوطات النادرة التي لا تتوفر منها أي نسخ، إلى تلك الرفوف.

تقارير فرنسية وأمريكية رصدت سرقات بقلب القصر الملكي بالرباط
كانت طائرة عسكرية فرنسية تحلق على علو منخفض جدا على مقربة من القصر الملكي في الرباط. توقف المارة ليشاهدوا الطائرة عن قرب، خصوصا أنها كانت تصدر أزيزا عنيفا وتقوم بحركات استعراضية وتحوم حول محيط القصر الملكي. كان هذا في شهر أكتوبر 1955، أي في مرحلة نفي الملك محمد الخامس.
سرعان ما انتشرت الإشاعات وسط الرباط، مفادها أن حياة بن عرفة أصبحت مهددة، وأن الفرنسيين تلقوا معلومات عن مخطط كبير للمقاومة، يهدف إلى اقتحام القصر الملكي وسرقة محتوياته بالكامل. لكن الأمر يبقى مجرد إشاعة، بحكم غياب أي دليل في أرشيف الأمن الفرنسي.
وذهبت إشاعات أخرى إلى ترويج أخبار مفادها أن الطائرة العسكرية التي حلقت فوق القصر الملكي بتلك الطريقة المريبة، كانت تبحث عن أحد المخازنية الهاربين من القصر، والسبب أنه متهم بسرقة بعض الأغراض، وأن بن عرفة طلب التدخل الأمني الفرنسي لإيقاف السارق أو السارقين.
هناك مرجع مثير للغاية، تتوفر منه نسخة نادرة قام بتأليفه الأمريكي برنارد نيومان وأسماهMorocco today ، هذا الكتاب يعد فعلا جزءا مهما من الحقيقة التاريخية الناقصة.
والمثير أن الكتاب يذكر بعض التفاصيل عن شخصيات من المحيط الملكي وأفراد عائلات عرفت بولائها للمخزن، بل اعتبرت أنها هي «المخزن»، لم يترددوا في التنكر للعائلة الملكية فور نفي الملك الراحل محمد الخامس. وبقي السؤال مطروحا عن الدور الذي لعبته تلك الأسر في نهب محتويات القصر الملكي، خصوصا أن أثرهم اختفى تماما بعد عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، وبلغه أن معظمهم استقروا بفرنسا في الأسبوع الذي سبق عودة العائلة الملكية إلى الرباط، لأنهم كانوا يعرفون أنهم يستعرضون للمحاسبة عن اختفاء أثاث القصر الملكي وأيضا عن اختفاء تجهيزات الإقامات الملكية التي كانوا يترددون عليها.
كان القصر الملكي في الرباط قد تعرض لعمليات نهب لم يستطع الأمن الفرنسي تطويقها، فقد سجلت عمليات تمرد في أوساط الحراس والخدم، الذين كانوا يعتبرون أن القصر لم يعد كذلك من ترحيل الملك محمد الخامس منه رفقة زوجاته وأبنائه. فيما كان آخرون يدركون أن الأوضاع سوف تنفجر، وأن عليهم الفوز بحصتهم قبل أن يخرجوا نهائيا بأقسى الخسارات.
وراج كثيرا أن الملك محمد الخامس عند عودته من المنفى عفا على جميع الخدم، لأنه كان يعلم أنهم كانوا مغلوبين على أمرهم، خصوصا منهم الذين كانوا مكلفين بمرافقة العربة الملكية، ويقودون مراسيم حفل البيعة والولاء، فقد كانوا يتوارثون تلك المهام أبا عن جد.
كما أن نهب أغراض وأثاث القصر الملكي كان أيضا واقعا وقف عليه جميع الذين سارعوا إلى تحية الملك محمد الخامس فور عودته من المنفى وانتبهوا، وبينهم صحفيون ومثقفون، إلى أن بعض أركان القصر الملكي وقاعاته كانت فارغة تماما، وهو ما يدل على أن هناك من نهب محتويات القصر الملكي.

الحسن الثاني تلقى تقارير عن مخطط للسرقة من غرفة نومه
الجزائر على عهد هواري بومدين، أي خلال نهاية الستينيات إلى حدود سنة 1978، خططت أمنيا لاقتحام مواقع حساسة في الدولة المغربية، لتسجيل إهانة تاريخية ضد الملك الحسن الثاني. لكن تلك المخططات كُشفت كلها بفضل يقظة الأجهزة المغربية. حتى أن الملك الحسن الثاني أخبر بومدين مرة، حسب ما حكاه بومدين نفسه، أنه يستطيع معرفة ماذا تناول الرئيس في العشاء. كناية عن أن الملك الراحل كان لديه أعينه في قلب النظام، الذي يخطط لتهديد أمن المغرب.
كان الملك الحسن الثاني في نهاية السبعينيات، يتأبط طرف سلهامه الثقيل، عندما طاردته كاميرات الفرنسيين في محاولة للحصول منه على معلومات بخصوص الموقف الجديد للمغرب من إسبانيا والجزائر، بسبب تأزم ملف الصحراء المغربية. كان وقتها الملك الحسن الثاني قد قال جملته الشهيرة ردا على سؤال صحفي باحتمال نشوب مواجهة مسلحة في الصحراء: «نبحث عن التوصيات والحلول، أما الأسلحة فتوجد في كل مكان».
هذا الرد لم يكن مبنيا على فراغ، فقد أكدت تقارير الخارجية الأمريكية التي رفعت عنها السرية بموجب القانون، بعد مضي أزيد من 45 سنة على اعتبارها وثائق تهم أسرار الخارجية الأمريكية. هذه التقارير المبنية على إفادات السفير المغربي في الرباط وخلية البحث التي تعمل معه، تقول إن الملك الحسن الثاني كان يتوصل بتقارير مفصلة من أصدقائه الفرنسيين بخصوص تحركات الجزائريين و«نواياهم».
ولعل أكثر الناس معرفة بهذه التفاصيل اليوم، هو السفير المغربي السابق أحمد السنوسي، الذي كان سفيرا في الجزائر خلال أصعب مرحلة في تاريخ العلاقات بين البلدين. لكن ما كان يغيب عن السفير وقتها ولا يعلم بشأنه إلا عندما يبعث إليه الملك الحسن الثاني بشكل مستعجل للتشاور، أن الجزائريين كانوا يخططون لاقتحام القصر الملكي بشكل سري وسرقة غرض من أغراض الملك الحسن الثاني، لإحراج النظام المغربي عن طريق توظيف جاسوس لهذا الغرض.
لكن كل تلك المخططات باءت بالفشل حتى قبل الشروع في التخطيط لها على الأرض، لأن التقارير السرية التي كانت ترفع للملك الحسن الثاني كانت ترصد مثل هذه المخططات.
كان الحصول على ورقة من أوراق المراسلات الرسمية التي يعتمدها الملك الحسن الثاني، والتي كانت تضم «ترويسة» تاج المملكة المغربية وتوقيع الملك الراحل، حلما من أحلام هواري بومدين، لكي يثبت أنه يستطيع كسر الحاجز الأمني المغربي، لكن عدد السرقات المحلية التي عرفتها القصور الملكية، والتي همت سرقة الأثاث والمقتنيات الثمينة، على عهد الملك الراحل الحسن الثاني وما شاهده وعايشه من وقائع على عهد والده، كلها أعطت مناعة كبيرة لصد مثل تلك التهديدات.

هذه أكبر عملية سرقة في تاريخ القصور الملكية مجتمعة
حسب المتخصصين في تاريخ المغرب الحديث، فإن أكبر عملية سرقة تعرضت لها القصور الملكية كانت خلال سنة 1907، وبالضبط في فترة أزمة العرش وانتقال السلطة بين أبناء السلطان الراحل الحسن الأول.
هذه السرقة كانت موضوع الجرائد الفرنسية والبريطانية على وجه الخصوص. الصحافة البريطانية أفردت صفحات كاملة للحديث عن السرقة الكبيرة التي تعرض لها القصر الملكي بفاس، وعمليات الاغتيال التي وقعت في صفوف الخدم على يد القوات التي دعمت وصول المولى عبد الحفيظ إلى السلطة، خلال المواجهات مع الموالين للمولى عبد العزيز.
المثير أن تلك السرقات قام بها محسوبون وقتها على القصر الملكي، وغادروا فاس تاركين خلفهم التهمة تطاردهم حتى بعد رحيلهم إلى مناطق أخرى.
بعض هؤلاء الذين تطاولوا على مقتنيات القصر الملكي وغرفه، استقروا في الرباط، وكانوا من الذين وقعوا على عريضة المطالبة بنفي الملك الراحل محمد الخامس خارج المغرب، وبعضهم عاشوا إلى أن عاصروا بن عرفة، ورأوا كيف أن بعض غرف القصر الملكي في عهده بقيت مغلقة. سنعود إلى هذه الفترة بعد أن نرصد أولا ما كتبته «التايمز» في سنة 1907، من مراسلات مراسلها في فاس، لاورنس هاريس: «قال لي السلطان عندما هممت بالمغادرة: يجب أن تأتي لتراني قريبا، أجبته بأنني سأغادر فاس خلال أيام قليلة. يجب ألا تذهب، رد السلطان. يجب أن تبقى معي هنا وسأعتمدك مراسلا خاصا لي، لكي تراسل الجرائد الأوربية من هنا. قلت له إن الشكوك قد تحوم حول ما قد أكتبه عن المغرب، لأن الأوربيين سيشككون فيها رغم أن نية السلطان سليمة جدا.
يجب أن تحصل على رسالة. قالها السلطان وأمر بكاتب لكي يكتب رسالة معتمدة بخصوصي. في منتصف النهار كنت قد توصلت بالرسالة.
ابق في فاس، ستحصل على بيت وخدم وحيوانات وأطعمة. بإشارة من يديه ذهب الحاجب ليعود حاملا معه كيسا كبيرا من المال ووضعه عند قدمي. حاولت جاهدا رفضه بأدب، وهو ما صدم السلطان.
القرآن علمنا أن نكرم الضيف الذي يزورنا، يجب أن تقبل الهدية. شرحت للسلطان أنه لا يمكنني أن أقبل المال أبدا، ولم يقبل إلا بعد إقناع طويل.
توجهنا إلى مكان آخر عبر بوابة تفضي إلى محل واسع، كان يعج بالأشياء المستعملة وقطع الخشب التي كان يطلبها المولى عبد العزيز، كانت الفوضى تعم المكان.
آلات بيانو، فوانيس، دراجات هوائية، الحاكي، آلات تصوير، آلات تطلق البخار، وكرات ضخمة، سيوف، وأدوات للزينة والكثير من العصي.. أشياء كثيرة تمتد إلى ما لا نهاية.
في المكان تتناثر بعض الحقائب الصغيرة المحملة بالجواهر والأحجار الكريمة، وفوقها الكثير من المال. كانت تجمع كي ينقلها مولاي عبد العزيز معه إلى أوربا. في الزاوية كانت هناك حقائب مملوءة عن آخرها بالياقوت، إنه مكان تملؤه عائدات المغرب.
جاءني مولاي عبد الحفيظ وابتسامة تعلو محياه، حاملا معه خنجرا فضيا عليه نقوش جميلة جدا، وقدمه لي كهدية لتأريخ مناسبة اللقاء. قبل أن أغادر القصر، وبعد أن قررت البقاء في فاس، اتفقت مع السلطان على العودة صباح الجمعة، لأخذ صورة له في طريقه إلى المسجد للصلاة. صافحته بحرارة منهيا واحدا من أهم لقاءاتي بالسلطان مولاي عبد الحفيظ».
هذه الوقائع ضمنت ارتفاعا كبيرا في مبيعات «التايمز»، حتى أن صور الأخوين المولى عبد العزيز وأخاه الأكبر عبد الحفيظ، كانت تحتل صدر الصفحة الأولى لـ«التايمز» وبعض الصحف الأخرى العريقة في بريطانيا.
أما في ما يخص فترة بن عرفة، فإن تلك العائلات حسب ما ذكره حفيد ألبير ساسون، خياط الملك الراحل محمد الخامس أبا عن جد، بقيت في القصر الملكي ولم يقم بن عرفة بطردهم منه، وأمر في الأيام الأولى لدخوله القصر الملكي في الرباط سنة 1953، بعدم إكراه أي من نساء القصر على المغادرة، وأولهم أم الملك محمد الخامس، وأخبرها بن عرفة أنها ستبقى في رعاية القصر وأمر ألا يطالها أي سوء وتلبية كل حاجاتها، إلى أن توفيت والملك الراحل محمد الخامس لا يزال في المنفى، حزنا عليه.
لكن ما وقع، وبمجرد إعلان عودة الملك محمد الخامس الوشيكة، واهتزاز الأرض تحت أقدام بن عرفة وحلفائه، حتى طالت القصر الملكي سرقات كثيرة، همت أثاث بعض الغرف ومكتبة الملك محمد الخامس. وبعض تلك المقتنيات الملكية ظهر بعد سنوات في دول أخرى، عندما عرض في مزادات علنية، كشفت إلى حد ما هوية الذين قاموا بتلك السرقات واتجهوا إلى فرنسا للاستقرار بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى