بانوراما

هكذا نجا نجوم مغاربة من الموت في كوارث جوية

يوسف أبوالعدل

«شهد.. قبل ما طلع» .. الطائرة العسكرية
كانت الطائرة العسكرية، هي الحل لأغلب رحلات المنتخبات والفرق المغربية خاصة عند مشاركتها في الكؤوس الإفريقية، إذ كانت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تضعها تحت تصرف الأندية التي تمثل المغرب في عصبة الأبطال وكأس الاتحاد الإفريقي وكأس الكؤوس، لإبعاد اللاعبين والمدربين والطاقم المرافق له عن ضغط وتعب السفريات نحو إفريقيا جنوب الصحراء، لقلة الرحلات الجوية المباشرة آنذاك لأغلب العواصم الإفريقية، إذ كان من الضروري المرور عبر أوروبا أودبي للوصول إلى العمق الإفريقي.
يقول صلاح الدين بصير، هداف المنتخب الوطني في تسعينيات القرن الماضي، لـ «الأخبار» إن أغلب السفريات رفقة المنتخب الوطني في إقصائيات كأس العالم أو إفريقيا كانت عبر الطائرة العسكرية التي كانت تنقل اللاعبين من مطار الرباط/ سلا، والتي كان منظرها يخيف اللاعبين لشكلها وصوت محركها ولونها العسكري الحربي.
وأضاف بصير أنه في أغلب سفريات المنتخب عبر الطائرة العسكرية كان اللاعبون يرددون الشهادة بألسنهم قبل الصعود للطائرة، بل كانوا يمزحون بعبارة: «وا شهد قبل ما طلع» لخوفهم من عدم الوصول أحياء إلى وجهتهم المحددة، بسبب الأصوات التي كانت تصدرها هاته الطائرات الحربية.
وعاد بصير ليؤكد أنه بعد العديد من السفريات للعديد من الدول الإفريقية سواء القريبة من المغرب أو البعيدة عنه، اعتاد اللاعبون على السفر عبر هاته الطائرة، دون الخوف منها، بل اعتبروها أكثر أمنا من الطائرات العادية، للصيانة العسكرية التي تخضع لها من طرف متخصصين حربيين.

حين نجت طائرة الرجاء من السقوط بغابات نيجيربا
سنة 1999، السنة التي توج بها الرجاء بآخر عصبة أبطال إفريقية له وللكرة المغربية عامة، واجه أشبال أوسكار فيلوني، مدرب الخضر آنذاك، فريق أسيك أبيدجان الإيفواري في دور المجموعات، التي ضمت أيضا فريق شوتينغ سطار النيجيري والأهلي المصري.
مكث الرجاء بأبيدجان الإيفوارية بعد نهاية مباراة الأسيك، خمسة عشر يوما، وفضل مسؤولوه عدم العودة إلى المغرب، والسفر مجددا إلى نيجيريا لمواجهة شوتينغ سطار، لاقتراب تاريخ المباراة التي كانت بينهما ثلاث أسابيع.
ولج اللاعبون إلى جوف الطائرة التي كانت تقل مواطنين نيجيريين وإيفواريين وسياحا فرنسيين وبلجيكيين وبعثة الرجاء كذلك، لتقلع الطائرة في اتجاه لاغوس النيجيرية، إذ تكلفت بالسفرية الخطوط الجوية البلجيكية التي أقلت الجميع من أبيدجان إلى لاغوس.
يقول زكرياء عبوب، لاعب الرجاء الرياضي السابق، لـ «الأخبار» وهو الذي كان ضمن الرحلة، أن الأمور كانت على ما يرام طيلة السفرية، قبل أن تهوي الطائرة فجأة إلى الأسفل، متجهة إلى إحدى الغابات التي بدت تظهر للركاب من نوافذ الطائرة، ما جعل الجميع يعلن اقتراب نهاية عمره وسط الأدغال الإفريقية.
استطاع الطيار إعادة الطائرة إلى صوابها وإعادة صعودها لمكانها الطبيعي، فيما لم تستطع المضيفات إعادة الهدوء والارتباك الذي انتاب المسافرين، الذين تنفسوا الصعداء عندما حطت الطائرة بمطار لاغوس بنيجيريا، معلنين زيادة جديدة في العمر بعدما كان قريبا على الانتهاء.
اكتشف الركاب بعد وصولهم إلى مصلحة الجوازات بمطار لاغوس، أن الطيار بلجيكي الجنسية، وهاته أول رحلة يتكلف بها في مساره المهني الجديد بعدما كان مساعدا عند احترفه المجال الجوي.

نجاة المنتخب الأولمبي بين طوكيو وسيدني
في غشت من سنة 2000 خاض المنتخب الأولمبي، الذي كان يشرف على تدريبه الراحل سعيد لخيدر، آخر مباراة إعدادية له أمام المنتخب الياباني، قبل انطلاق الألعاب الأولمبية التي احتضنتها سيدني آنذاك، إذ استغل المسؤولون المغاربة طول السفرية بين المغرب وأستراليا لتحديد مباراة ودية للأولمبيين بطوكيو أمام المنتخب الياباني قبل إكمال الرحلة نحو سيدني.
اتجه اللاعبون إلى المطار بعد أربع وعشرين ساعة من نهاية المواجهة التي انهزموا فيها بهدف لصفر، ليستقلوا طائرة من نوع «بونغ» كبيرة الحجم يابانية الخطوط، تضم بين أحشائها بعضا من المنتخبات المشاركة في الأولميباد للعديد من الأصناف الرياضية، بالإضافة إلى مسافرين عاديين يتفرقون بين رجال أعمال وسياح.
وبعد ساعة من إقلاعها من مطار طوكيو، باتت الطائرة تتحرك يمينا وشمالا وأفقيا وعموديا دون إنذار مسبق، ما جعل الجميع يضع يده على قلبه، خاصة أن تحركات المضيفات تظهر أن طارئا سيئا وقع لربان الطائرة في ظل لغة يابانية سريعة بات يتداولها الطاقم وملامح خوف بدت على المضيفات، التي حاولت إحداهن عبر إنجليزية محشوة بلكنة يابانية طمأنة الركاب.
نطقت البعثة المغربية بالشهادة، وانطلق البعض في تلاوة ما تيسر من الذكر الحكيم، متأكدين أن ساعة الحقيقة قد حلت، وأن الإنسان لا يعلم بأي أرض يموت، فما بالك وهم بسماء اليابان، قبل أن تعيد الطائرة هدوءها وتركيزها بعد خمسة عشر دقيقة من الهلع والفزع بين الركاب، لتحط رحالها في سيدني مفرغة جوفها من ركاب عاشوا الموت كل حسب ديانته.
«خلعة» السفرية بدت آثارها على اللاعبين طيلة مقامهم بسيدني، وهو ما ظهر من النتائج التي حصدها المنتخب الأولمبي في الأولمبياد، إذ حقق أشبال الراحل الخيدر ثلاث هزائم من ثلاث مباريات أمام الشيلي وإسبانيا والهندوراس.

«هيليكوبتر» تتأرجح ببصير وبودربالة وناس الغيوان فوق جبال مراكش
بعث عامل مدينة بوجدور مروحية خاصة إلى مدينة الدار البيضاء، لنقل عزيز بودربالة وصلاح الدين بصير، نجمي الكرة المغربية في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى مجموعة ناس الغيوان الموسيقية لحضور حفل بالمدينة مع اقتراب مناسبة المسيرة الخضراء.
التقى الضيوف في مطار أنفا، الذي أقلعت منه المروحية، ليلجوا جميعا إلى جوف «الهيليكوبتر» التي تتوفر على ثمانية عشر مقعدا، تم سارت بعد ذلك في الإقلاع اتجاه مطار العيون ومن هناك تنتظر الجميع سيارات تقلهم إلى مدينة بوجدور مقر الاحتفالات.
استغل رشيد باطما، أخ الراحل العربي باطما نجم ناس الغيوان، فرصة جلوسه إلى جانب صلاح الدين بصير، وانطلق في سرد علاقة العربي مع الكرة وعشقه للمنتخب وخاصة المباريات التي كان صلاح الدين بصير في أوج عطائه مع «الأسود»، وهي الحقبة التي كان فيها العربي داخل أسوار المستشفى أسابيع قبل وفاته ورحيله إلى دار البقاء.
قال رشيد باطما إن الأطباء كانوا ينصحون العربي بعدم التفاعل مع مباريات المنتخب التي كان يلح على متابعتها عبر شاشة التلفاز من غرفته في داخل المستشفى التي كان يرقد بها، وهي النصائح التي لم يكن يعمل بها العربي لعشقه للكرة وللمنتخب الذي كان يطربه آنذاك.
وأثناء ترحم بصير على العربي باطما بعد حكايات أخيه رشيد، ، كانت المروحية تحلق فوق جبال مدينة مراكش، لتنطلق في الميل العشوائي دون سابق إنذار، ما جعل الجميع يحرك رؤوسه وأعينه اتجاه بعضهم البعض، قبل أن يتطور الأمر في ما بعد إلى هزات قوية بين الصعود والهبوط، طيلة خمس دقائق لصعوبة المنطقة وصغر حجم الهيليكوبتر، ما جعل بصير يتدخل بعد معاينته شحوب وجوه الركاب، ليبعد الهلع عنهم قائلا لرشيد باطما: «بان ليا اليوم غادي نوصلو على العربي» ليطلق الجميع العنان لضحكات مؤقتة أكملتها عودة الهدوء إلى المروحية، ليتدخل بعدها مساعد الربان، الذي اعترف بخطورة المرحلة، مؤكدا أن جبال مراكش هي الأصعب بالنسبة للمروحيات، خاصة الصغرى منها.

فاجعة زامبيا.. العالم يتعاطف مع زملاء كالوشا ضد المنتخب الوطني
في السابع والعشرين من أبريل من سنة 1993، وحينما كان المنتخب الزامبي الذي كان يتواجد مع المنتخب الوطني في المجموعة الأولى من إقصائيات كأس العالم التي كان مرتقبا تنظيمها آنذاك في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1994، (كان) عائدا من السينغال التي واجه بها منتخبها «التيرانغا» الذي كان هو الآخر ضمن مجموعة المنتخب، سقطت الطائرة من نوع «بوفالو» التي كانت تقل البعثة الزامبية، في مياه البحر قبالة شواطئ الغابون، إذ قتل ضمن الحاث 30 شخصا بمن فيهم ثمانية عشر لاعبا من المنتخب الزامبي.
تعاطف العالم بأكمله مع المنتخب الزامبي في آخر مباراة له ضد الفريق الوطني في الإقصائيات، والكل تمنى تأهل زامبيا إلى كأس العالم عوض المغرب بسبب الحادث المأساوي، وكانت نقطة التعادل تكفي زملاء كالوشا بواليا الذي نجا من الحادثة بسب عدم إقلاعه مع المنتخب بسبب مباراة له مع فريقه آنذاك أجاكس أمستردام الهولندي.
هذا التعاطف الدولي وحد الشعب المغربي مع منتخبه، خلال المباراة الأخيرة التي أجريت في أكتوبر سنة 1993، إذ استطاع المنتخب الفوز على زامبيا برأسية عبد السلام لغريسي في الجولة الثانية معلنا تأهل المنتخب لكأس العالم للمرة الثالثة في تاريخه.

تحطم طائرة الملاكم الفرنسي مارسيل سيردان بجبل طارق
في 27 أكتوبر من سنة 1949 تحطمت الطائرة التي كانت تقل الملاكم الفرنسي مارسيل سيردان، الذي اشتهر بولعه وعشقه للمغرب وكيف لا وهو الذي فضل العيش في الدار البيضاء عوض الجزائر التي ازداد فيها وبالتحديد في مدينة سيدي بلعباس.
حادثة بطل العالم في الوزن المتوسط لعام 1948، الذي لقب بـ»القنبلة المغربية» تعد واحدة من أسوأ الكوارث التي تعرض لها الرياضيون، حيث لقى مارسيل سيردان حتفه عند عودة طائرته إلى المغرب سنة 1949 بعدما كان يستعد لمباراة الثأر ضد الملاكم جيك لاموتا، إذ تحطمت الطائرة فوق صخرة «جبل طارق» لتخلف من ورائها مقتل كل الركاب والطاقم التقني، إذ بلغ عدد الموتى عند سفح الصخرة الصامدة حوالي 37 شخصا كانوا يتوجهون جميعهم صوب الدار البيضاء.
كانت وفاة سيردان صدمة كبرى لعشاقه في العالم أجمع خاصة المغاربة منهم، إذ فضلت الحماية الفرنسية في المغرب منح اسمه للعديد من المحلات والورشات، بل إن حانات في مدينة الدارالبيضاء مازالت تحمل اسمه لحدود الآن، أشهرها المتواجدة بشارع رحال المسكيني وسط العاصمة الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى