الرئيسيةبانوراما

هل يسير العالم نحو حرب جديدة في الخليج؟

بعد الهجوم على أرامكو اتهامات لإيران باستهداف مصادر الطاقة العالمية

سهيلة التاور

الهجوم على منشآت نفطية تابعة لشركة «أرامكو» لم يكن الأول الذي يستهدف البنية التحتية السعودية، خصوصا في قطاع الطاقة، غير أن التفجير الأخير كان قويا جدا ومس أهم منطقة حيوية ليس فقط بالنسبة للمملكة العربية السعودية بل بالنسبة للعالم ككل. فقد أدى الحادث إلى تقلص نسبة ضخ النفط، مما يؤثر على السعر العالمي للبرميل ويسبب أزمة إذا لم يتم التدخل العاجل لدول نفطية أخرى عن طريق زيادة الإنتاج. وبعد تبني الحوثيين تنفيذ العملية وجه الأمريكيون أصابع الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء إرسال طائرات موجهة، في وقت نفت العراق وإيران علاقتهما بالحادث. ولا يزال المحققون الأمريكيون يبحثون عن الأدلة في عين المكان.

وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصابع الاتهام إلى إيران بتورطها في الهجوم على عملاق النفط السعودي «أرامكو»، مؤكدا رغبته بتجنب الحرب معها، وقال إن بلاده مستعدة لمساعدة السعودية مقابل المال ولكن عليها أن تدافع عن نفسها، في حين بدأ محققون أمريكيون بجمع الأدلة ميدانيا. كما قال ترامب للصحافيين إن المسؤولين الأمريكيين يتحققون من الجهة المسؤولة عن شن الهجمات على منشأتي شركة «أرامكو» بالسعودية، مضيفا أنه يبدو أن إيران هي المسؤولة إلا أنه يرغب «بكل تأكيد» في تجنب الحرب معها مع أن بلاده تملك «أقوى جيش في العالم»، معتبرا أن الدبلوماسية لا تستنفد أبدا عندما يتعلق الأمر بإيران.

عرض المساعدة مقابل المال
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: «أعتقد أن جزءا كبيرا من المسؤولية يقع على السعودية في الدفاع عن نفسها، وإذا كانت هناك حماية منا للسعودية فإنه يقع على عاتقها أيضا أن تدفع قدرا كبيرا من المال، أعتقد أيضا أن السعوديين يجب أن تكون لهم مساهمة كبيرة إذا ما قررنا اتخاذ أي إجراء، عليهم أن يدفعوا، هم يفهمون ذلك جيدا».
وفي ما يتعلق بأسعار النفط، قال ترامب إنها لم ترتفع كثيرا، وإن لدى بلاده احتياطيات نفطية استراتيجية «هائلة ويمكن طرح جزء صغير منها»، مضيفا أنه يمكن للدول الأخرى أيضا أن تنتج المزيد من النفط لخفض الأسعار.
وخلال كلمة أمام مؤيديه في ولاية نيومكسيكو، قال ترامب إن بلاده أصبحت الأولى عالميا في إنتاج النفط والغاز، فلم تعد بحاجة إلى إرسال الكثير من الناقلات إلى الشرق الأوسط، مضيفا «لو لم أكن رئيسكم كان يمكن أن نكون في حالة هلع»، كما كان يحدث في الماضي.

نفي عراقي
استهدفت الهجمات موقع محطة بقيق، الأكبر لمعالجة النفط، والذي تديره شركة «أرامكو» المملوكة للعربية السعودية، كما استهدفت حقل خريص. ويُعدّ حقل خريص هو أقرب الهدفين إلى الحدود اليمنية؛ حيث يبعد عنها مسافة 770 كلومترا. وقالت السعودية إن طائرات مسيرة نفذت الهجمات، التي بدأت في الساعة الواحدة صباحا بتوقيت غرينيتش من يوم الـ14 من الشهر الجاري وتصاعدت جراءها أعمدة من الدخان. ولم تصدر تقارير عن وقوع إصابات، ولم يتبين بشكل كامل مدى الضرر اللاحق بالمنشآت.
وفي هذا الصدد أعلنت جماعة الحوثي إن قواتها أرسلت عشر طائرات مسيرة صوب المنشآت السعودية، محذرة من المزيد من الهجمات، في حين، قال مسؤول أمريكي رفيع قوله إنه من المحتمل أن يكون العراق أو إيران مصدرا للهجمات على السعودية. ومن جهته، نفى مسؤول مخابرات عراقي رفيع أن تكون هجمات السبت الماضي تمت بواسطة طائرات مسيرة إيرانية أطلقت من جنوب العراق. وبدوره، نفى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية الاتهامات الأمريكية الموجهة لها بالمسؤولية عن الهجمات على منشآت «أرامكو».
وقال مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إن بغداد تنفي ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام عن استخدام الأراضي العراقية لمهاجمة منشآت نفطية سعودية بطائرات مسيرة. فيما أشار المسؤول الأمريكي الرفيع إلى أنه كان واضحا أن الهجوم على منشأتي شركة «أرامكو» السعودية لم يكن مصدره المجال الجوي العراقي، ملمحا إلى أن إيران قد تكون على الأرجح مصدر الهجوم. وقال المسؤول نفسه – استنادا إلى صور خاصة بالأقمار الاصطناعية – إنه من غير المحتمل أن تكون الهجمات قد تمت من اليمن.
وأشار المسؤول الأمريكي إلى تقارير بشأن رصد الكويت طائرة مسيرة في مجالها الجوي قبل الهجوم على السعودية، مضيفا أن المعلومات الاستخباراتية السعودية أشارت إلى هجوم محتمل بصاروخ كروز، وأن الولايات المتحدة لم تتأكد بعد من هذه المعلومات.
ونقل بيان عن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قوله إن المعلومات التي بحوزة واشنطن تؤكد ما ورد في البيان العراقي بأنه لم يتم استخدام أراضي العراق في تنفيذ الهجوم على شركة «أرامكو».

تورط إيراني
تسبب الهجوم على شركة «أرامكو» بتوقف ضخ كمية من إمدادات الخام تقدر بنحو 5 ملايين و700 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل قرابة 6 بالمائة من إمدادات الخام العالمية. وبحسب آخر الأرقام الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فقد أنتجت السعودية الشهر الماضي وحده 9 ملايين و850 ألف برميل. وتذهب 4 ملايين برميل يوميا من صادرات النفط السعودية إلى آسيا، في حين تستورد الولايات المتحدة حوالي 600 ألف برميل.
وفي تقييم أولي، فإن 15 مبنى في بقيق تعرضت لأضرار على الجانبين الغربي والشمالي الغربي، وليس على الواجهات الجنوبية كما هو متوقع إذا كان الهجوم قد جاء من اليمن. ويعمل المحققون حاليا على أساس الافتراض أن الضربات لم تنطلق من اليمن، وأنهم لا يعتقدون أنها جاءت من العراق.
من جهته، قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن الهجمات التي وقعت على منشأتي نفط تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية «غير مسبوقة»، وإن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها للدفاع عن النظام العالمي الذي تقوضه إيران.
وبدورها، قالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت إن المعلومات المتوافرة لدى واشنطن تشير إلى مسؤولية إيران عن الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية السعودية. وأضافت كرافت خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن اليمن إنه لا تتوافر أي أدلة على أن الهجمات انطلقت من اليمن رغم إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عنها.
وفي سياق التعليقات الأمريكية أيضا، هاجم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري جيم ريش الحكومة الإيرانية بعد هجمات «أرامكو»، قائلا إن الهجوم يؤكد «مساعي إيران لبث عدم الاستقرار في الشرق الأوسط». وحذر ريش في بيان من أي هجوم محتمل على القوات الأمريكية، وقال إن «على إيران ألا تقلل من إصرار الولايات المتحدة.. أي هجوم على جنود أمريكيين في الخارج سيقابل برد ساحق، لن تُستبعد أي أهداف».
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد ذكرت في وقت سابق نقلا عن مسؤولين أمريكيين أن الولايات المتحدة أبلغت السعودية بأن إيران هي مصدر الهجوم الأخير على معملي «أرامكو».
وأفاد بيان للوزارة بأن التحقيقات الأولية أظهرت استخدام أسلحة إيرانية في الهجوم الذي تسبب في وقف أكثر من نصف إنتاج السعودية من النفط وألحق أضرارا بأكبر معمل تكرير في العالم.
في المقابل، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن هجوم «أرامكو» رد بالمثل من «مواطنين يمنيين» على الاعتداء على بلدهم. وأضاف روحاني في مؤتمر صحفي مع نظيريه الروسي والتركي في أنقرة إن «الشعب اليمني يمارس حقه المشروع في الدفاع، وإن الهجمات جاءت ردا بالمثل على عدوان على اليمن منذ سنوات».

بيان رسمي سعودي
أكدت المملكة العربية السعودية أن الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له منشآت إمدادات النفط للأسواق العالمية في المملكة يوم السبت 14 شتنبر الجاري من هذه السنة موجه بالدرجة الأولى لإمدادات الطاقة العالمية.
وأعربت المملكة في بيان صدر عن وزارة الخارجية السعودية عن تقديرها لكافة الأطراف الإقليمية والدولية التي عبرت عن شجبها واستنكارها لهذا الهجوم داعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في إدانة من يقف وراء ذلك، والتصدي بوضوح لهذه الأعمال الهمجية التي تمس عصب الاقتصاد العالمي.
وقال البيان الذي بثته وكالة الأنباء السعودية: «في اعتداء تخريبي غير مسبوق تعرضت منشآت إمدادات النفط للأسواق العالمية في المملكة إلى هجوم يوم السبت 14 شتنبر 2019، نتج عنه توقف حوالي 50 في المائة من إنتاج شركة «أرامكو» السعودية. وقد أسفرت التحقيقات الأولية أنه استخدمت في الهجمات أسلحة إيرانية والعمل جار للتحقق من مصدر تلك الهجمات.
وتدين المملكة العربية السعودية هذا الاعتداء الجسيم الذي يهدد السلم والأمن والدوليين، وتؤكد أن الهدف من هذا الهجوم موجه بالدرجة الأولى لإمدادات الطاقة العالمية، وهو امتداد للأعمال العدوانية السابقة التي تعرضت لها محطات الضخ لشركة «أرامكو» السعودية باستخدام أسلحة إيرانية».
وأضاف البيان أن المملكة قامت بـ «دعوة خبراء دوليين ومن الأمم المتحدة للوقوف على الحقائق والمشاركة في التحقيقات، وستتخذ كافة الإجراءات المناسبة في ضوء ما تسفر عنه تلك التحقيقات، بما يكفل أمنها واستقرارها، وتؤكد المملكة بشدة أنها قادرة على الدفاع عن أراضيها وشعبها والرد بقوة على تلك الاعتداءات».

سيناريو ما قبل الهجوم
في ممارسة نادرة للشفافية، كشفت «أرامكو» حساباتها الأسبوع الماضي وللمرة الثانية. وأعلنت شركة النفط العملاقة عن أرباحها للنصف الأول من عام 2019، بانخفاض 12 في المائة عن عام 2018. وفي أبريل الماضي، وأيضا عن أرباح صافية سنوية قدرها 111.1 مليار دولار، مما يجعلها الشركة الأكثر ربحا في العالم، متقدمة بفارق كبير عن آبل (59.3 مليار دولار من الأرباح عام 2018) وغوغل (30.7 مليار دولار).
وتهدف هذه العملية إلى إعداد تسويق 5 في المائة من رأس مال «أرامكو». ويعد هذا العرض أحد الركائز الرئيسية لخطة «رؤية 2030» التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتقليل اعتماد المملكة على النفط وتنويع اقتصادها وجذب الاستثمارات الأجنبية. لكن هذه المبادرة التي كانت ستكون العملية الأكثر أهمية التي نفذت على الإطلاق في العالم تعثرت في عقبات رئيسية: التقييم وقانونJASTA.
فلجمع 100 مليار دولار، كان محمد بن سلمان يعتمد على تقييم «أرامكو» بتريليوني دولار. ولكن بعد سنة من الدراسات، كان أفضل عرض تم اقتراحه عليه أقل قليلا من تريليون دولار، من قبل بعض المسؤولين السعوديين والبنوك التجارية المكلفة بهذا الموضوع. هذه واحدة من قضايا الخلاف التي أدت إلى رحيل وزير الطاقة السابق. بالإضافة إلى ذلك، اعتمد نجاح العرض العام الأولي على سوق الأوراق المالية التي ستستضيفه، بما في ذلك نيويورك. لكن محمد بن سلمان أدرك بعد ذلك أن إدراج شركة «أرامكو» في وول ستريت من شأنه أن يعرض المملكة العربية السعودية لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (Jasta)، والذي يسمح بتقديم شكاوى ضد دولة بسبب هجمات ضد المصالح الأمريكية.
وأثناء انتظار فتح رأس المال أمام المستثمرين الأجانب، فقد خططت المملكة العربية السعودية لعرض 1 في المائة من رأس مال «أرامكو» السعودية في بورصة الرياض في نونبر و 1 في المائة أخرى في عام 2020، ولتسريع الاستعدادات للعرض العام في «أرامكو» السعودية، التقى مدير مجلس إدارة البترول الأسبوع الماضي في فندق ريتز كارلتون في دبي بتسعة بنوك تجارية: جي بي مورغان، مورغان ستانلي، البنك السعودي البنك التجاري الوطني، بنك أمريكا سيتي ميريل لينش ، جولدمان ساكس ، بنك HSBC وبنك سامبا المالي. وبعد ثلاثة أيام، تم تفجير أكبر حقل نفط في «أرامكو» وأكبر منشآتها وشل إنتاجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى