الرأي

وصية «الكاميكاز»

في الوقت الذي كانت وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك، تنشر دعوة السلامة في اليوم الوطني للسلامة الطرقية، وتتحدث عن رهان خفض عدد قتلى الطرقات بنسبة 50 في المائة خلال العشر سنوات المقبلة، وتكشف كساحر بهلواني بخفة عن مبادراتها العجيبة لتحسين مؤشرات السلامة الطرقية، كانت محاضر رجال الأمن والدرك الملكي تحول أحلام وزارة رباح إلى كابوس مزعج.
قبل أن تختفي الوصلات الإشهارية الداعية إلى يوم بدون حوادث سير، والتي ساهمت في سلامة الأرصدة البنكية لكثير من الفنانين، أعلن بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني عن اعتقال سيارات محملة بأسلحة بيضاء وسوداء ومتفجرات كانت تحمل في أحشائها مشجعين وداديين، تبين أنهم ذاهبون إلى الجهاد في ملعب الفتح بمناسبة مباراة كرة بين الجيش الملكي والوداد البيضاوي.
في منطقة البرنوصي أوقفت دورية للأمن المشجعين الملثمين وتبين أن السائق مبحوث عنه، وكثير من المناصرين القاصرين كانوا يرددون أهازيج تدعو إلى تحويل العاصمة الرباط إلى حمام دم. وحمل «الطاكي وولكي» خبر توقيف سيارة مماثلة كانت تحمل كمية من الذخيرة البيضاء عبارة عن حجارة تم جلبها من مقلع هامشي استعدادا ليوم القصاص.
وغير بعيد عن مقر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بحي الرياض، فارق المشجع الودادي الشهير بلقب «كاميكاز» الحياة، وظل رفاقه بين الحياة والموت، إثر هجوم طرقي انتحاري مساء أول أمس (الأربعاء)، قيل إنه نتيجة تراشق بالكلمات بين جماهير الفريقين. مات «كاميكاز» كما يموت الانتحاريون، وقبل أن يلفظ أنفاسه أوصى رفاقه بحب الوداد ورضا الوالدين.
ضرب أعضاء لجنة السلامة الطرقية كفا بكف، وآمنوا بأن الحوادث القاتلة قدر ومكتوب على المغاربة، في ظل قوانين محشوة بالمقاربات الأمنية، وتبين أن الحديث عن يوم بدون حوادث ضرب من المستحيل، في زمن تجاوزت فيه «لكسايد» الطرقات إلى الأزقة والملاعب، بل إن كثيرا من شباب القرى والمداشر على الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء والرباط نالوا عطلة إلزامية يوم مباراة الأربعاء، وأخذوا مواقعهم مبكرا فوق القناطر وعلى جنبات الطرق لاستقبال الجماهير الودادية بالحجارة، بعد أن أخفوا تقاسيم وجوههم وأعلنوا الجهاد التنكري.
ما حدث يوم الأربعاء على الطريق وفي الملعب يدعونا لإعادة النظر في قانون محاربة الشغب، وفي مدونة السير، وفي قانون الكرة إذا كان لها قانون طبعا، لكن الأحداث الدامية برأت يوم الخميس من سحنة السواد التي ارتبطت به، وأصبح لكل يوم من أيام الأسبوع حصته من السواد والدم والنكبة.
أعلن المشجع الودادي «ولد الحمرا حتى الموت»، في تدوينة على حائط صفحته الفايسبوكية، عن قرار لا رجعة فيه مباشرة بعد نجاته من موقعة الرباط، يتمثل في تغيير لقبه بعد أن مر بجانب الموت وكاد أن يحمل صفة الراحل ولد الحمرا ويخصص له شعار في المدرجات «أنت في قلوبنا» وبعد دورات تتحول أنت إلى كنت. ما حصل يوم مباراة الجيش والوداد يؤكد فشل جميع مفاوضات السلام السرية التي قادتها فصائل من مشجعي الفريقين العقلاء، ويلغي العمل بمبدأ وقف إطلاق النار ويحول الهدنة إلى كلام قابل للتنفيذ فقط خلال توقف المنافسات صيفا وشتاء، أما التضامن المفترى عليه المتزامن مع الأسبوع الوطني للتضامن، فلم يتجاوز حمل شارات صفراء عليها عبارة «لنتحد ضد الحاجة»، والحال أن شغب الملاعب والطرقات يستحق أن يتحد حوله المغاربة ويخصصون له أسبوعا لاجتثاث مسبباته والترحم على ضحاياه.
في الفترة ما بين عيد الحب ويوم السلامة الطرقية وأسبوع التضامن، ضاع كثير من أبناء هذا الوطن وانتصبت خيام العزاء في دروبهم، وتبين أن حرب الطرقات إذا تحالفت مع غارات الملاعب ستصبح قادرة على تدمير كل قلاع الحب والسلامة والتضامن، في إطار تحالف يكتب تاريخ الرياضة بالدم.
قيل قديما إن الأطباء وحفاري القبور وفقهاء المآتم يخشون أن تعم السلامة ويتفشى وباء الصحة والعافية بين المواطنين، ومع مرور الوقت انضم إليهم كتاب زوايا التعازي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى