الرأي

أخبار غير سارة لأمريكا وحلفائها العرب

ليس غريبا، ولا مفاجئا، أن تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب بالقلق من جراء التقارير الإخبارية الموثقة بالصوت والصورة، التي تتحدث عن مشاركة قوات ومدرعات روسية في القتال إلى جانب الجيش العربي السوري ضد قوات المعارضة في اللاذقية وإدلب، فمن الواضح أن القيادة الروسية قررت أن تقرن أقوالها بمعارضة أي مطلب لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة بالأفعال، أو هكذا نعتقد.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اتصل بالأمس مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، معبرا عن هذا القلق ومستفسرا عن صحة الأنباء التي تقول بأن تعزيزات روسية وشيكة في طريقها إلى سورية، والمغزى منها في هذا الظرف الحساس.
صحيفة “النيويورك تايمز الأمريكية أكدت في عدد السبت أن روسيا أرسلت فريقا عسكريا، ودعما من الأسلحة والمعدات للسلطات السورية، بينما قالت صحيفة “الديلي تلغراف” البريطانية أن التلفزيون الرسمي السوري بث تقارير إخبارية مصورة يظهر فيها جنود وعربات مدرعة روسية تقاتل إلى جانب نظيرتها السورية في اللاذقية، وجرى سماع أصوات هؤلاء الجنود يتحدثون باللغة الروسية، بينما نشرت “جبهة النصرة” على حساب تابع على “التويتر” شريط فيديو يتضمن لقطات لطائرات روسية وأخرى بدون طيار تحلق في سماء مدينة إدلب.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعترف في تصريح صحافي أدلى به على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي الشرقي المنعقد في مدينة فلاديفوستوك الروسية أن روسيا تقدم دعما عسكريا ملحوظا لسورية من خلال توريد أسلحة ومعدات، والمساعدة في إعداد كوادر للقوات المسلحة السورية، لكنه قال أيضا “من السابق لأوانه الحديث عن استعداد بلاده للمشاركة في عمليات عسكرية ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”، والمشاركة في عمليات عسكرية ضد “الدولة الاسلامية” شيء والمشاركة في دعم النظام شيء آخر مختلف تماما.
هذه الرسالة الروسية التي أبرزتها وسائل الإعلام الرسمية السورية موجهة إلى أكثر من طرف، تقول صراحة أن روسيا لن تتخلى عن حليفها الرئيس بشار الأسد، ولن تسمح بالاقتراب من مدينة اللاذقية، وباقي مناطق الساحل السوري الشمالي حيث الدعم الأكبر له، في وقت تتقدم قوات تابعة للمعارضة السورية المسلحة منها، وترابط على أطرافها استعدادا لهجوم موسع.
أهمية هذه الرسالة تأتي من توقيتها، خاصة بعد إصرار السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي على رحيل الرئيس السوري من السلطة سواء بالقوة العسكرية، أو من خلال الحلول السياسية، وأنه جزء من المشكلة، ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل، وكرر هذه المقولة في أكثر من محفل وأصبحت لازمة في جميع تصريحاته في عناد مقصود.
ولعل إشارة الرئيس بوتين التي “حشرها” في تصريحه المذكور، وقال فيها “إن الأسد لا يعارض تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في إطار تسوية سياسية للصراع ترسم ملامح المفهوم الروسي للحل السياسي في سورية، حسب “منظورها”، أي إجراء تغييرات سياسية ضرورية، ولكن مع بقاء الرئيس السوري في السلطة.
الرئيس بوتين لم يكشف في تصريحاته حول هذه الانتخابات التشريعية عن الإطار السياسي الذي ستأتي هذه الانتخابات من خلاله، بمعنى آخر، هل يتحدث عن المرحلة الانتقالية المقترحة؟ وهل يلمح إلى دستور جديد ينص على التعددية الحزبية؟ ثم ما هي صلاحية أي جسم سياسي (البرلمان) يمكن أن تتمخض عنه هذه الانتخابات؟
لا نملك إجابة واضحة وصريحة حول هذه الأسئلة المشروعة، ولكن ما يمكن استخلاصه من تصريحات الرئيس الروسي أن روسيا قد تكون مستعدة لخوض حرب مباشرة لدعم بقاء حليفها الرئيس الأسد في قمة السلطة لفترة زمنية غير محددة وربما مفتوحة.
الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة جيدا، وهذا ما يفسر إعطائها الأولوية لاجتثاث “الدولة الاسلامية” أولا وليس إسقاط النظام السوري، وما حديث ديفيد بترايوس الجنرال الأمريكي المتقاعد ورئيس المخابرات الأمريكية “سي أي ايه” سابقا عن تشكيل قوات صحوات جديدة ترتكز على نواة من مقاتلي جبهة النصرة المعتدلين، إلا أحد المؤشرات المهمة في هذا الصدد، فالجنرال بترايوس هو “أب” الصحوات العراقية التي قلصت من نفوذ وعمليات تنظيم “القاعدة” في العراق في عامي 2007 و2008.
وكان لافتا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يتطرق مطلقا في تصريحاته أثناء استقباله للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يوم الجمعة الماضي إلى رحيل الرئيس الأسد، ولم يشترط وزير خارجيته هذا الرحيل في الاشارة إلى الحل السياسي للأزمة السورية.
إذا صحت التقارير التي تتحدث عن وجود قوات روسية تقاتل مع الجيش السوري، وهي تبدو صحيحة، فإن هذا يعني دخول الأزمة السورية مرحلة “التدويل” عسكريا، وهذا تطور خطير بكل المقاييس، ربما يسلط الضوء بطريقة أو بأخرى على تفسيرات أخرى لازمة اللاجئين السوريين الحالية، من حيث احتمال استخدام تركيا لها لممارسة ضغوط على الغرب للتسريع بحل الأزمة السورية وفق المنظور التركي أي إقامة مناطق عازلة لاستيعاب هؤلاء، فهناك تقارير تؤكد أن تركيا هي التي دفعت بهؤلاء اللاجئين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، للاتجاه إلى أوروبا بعد أن باتت غير قادرة على استيعابهم، والمزيد منهم مستقبلا، في حال استمرار وتيرة هذا الزحف وبالمعدلات الحالية.
هذه المتغيرات المتسارعة في المشهد السوري ستصيب الكثيرين بحالة من القلق وربما الاكتئاب، وأولهم التحالف السعودي التركي القطري الذي يراهن على سقوط النظام السوري ورحيل رئيسه، وهم معذورون في جميع الأحوال، لأن دخول قوة عظمى مثل روسيا بشكل عسكري مباشر سيخلط الأوراق وسيغير المعادلة كليا.
الأسابيع والأشهر المقبلة حافلة بالمفاجآت، فقد انتهى موسم الإجازات الصيفية وبدأت الغرف السوداء هنا وهناك وضع خطط العمل للتعاطي مع أزمات المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى