الرأي

أردوغان وتهديدات بهشتلي

عبد الباري عطوان
يبدو أن دولت بهشتلي، رئيس الحركة القومية التركية، لا يدرك أنه يعيش في القرن الواحد والعشرين، وإنما في القرن الخامس عشر على أقل تقدير، عندما يطالب الجيش التركي أن يزحف فورا لاحتلال مدينة دمشق والإطاحة ببشار الأسد، وتدمير قلاعه ردا على مقتل 13 جنديا تركيا في قصف لقوات الجيش العربي السوري على أحد نقاط المراقبة العسكرية في ريف إدلب.
فبهشتلي، حليف رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه لم يكتف باستخدام تعبيرات غير لائقة في حق الرئيس السوري، أقلها قوله إنه رئيس «غير شرعي» بل تطاول بشكل مباشر على روسيا وحملها مسؤولية الاعتداء على القوات التركية في إدلب، ووصفها بأن نواياها غير صادقة مع تركيا مطالبا حكومته بإعادة النظر في جميع العلاقات معها.
وزارة الخارجية الروسية كانت محقة في مطالبة القيادة التركية بالكف عن مثل هذه التصريحات «الاستفزازية» وتأكيد رفضها لها، ووصفها بأنها «مثيرة للاستغراب»، لأنها، أي تصريحات بهشتلي، علاوة على كونها «جوفاء» و«انفعالية» لا تعكس الواقع على الأرض، فلو كان الجيش التركي يستطيع الزحف إلى دمشق وإسقاط الحكومة السورية والرئيس لفَعلها قبل تسعة أعوام، مضافا إلى ذلك أن موازين القوى على الأرض، حيث استطاع الجيش العربي السوري إعادة السيطرة على أكثر من 600 كيلومتر مربع في شمال غرب سوريا بينها أربع مدن استراتيجية، تؤكد أن بهشتلي، وربما أردوغان نفسه، يعيشون في كوكب آخر وبعيدين كليا عن الواقع، وما يجري على الأرض.
مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكي، الذي كان يعول أردوغان كثيرا على دعم بلاده للمخططات التركية في إبقاء الوضع الراهن في إدلب على حاله، أي خارج سيطرة الحكومة السورية، والتصدي لحليفها الروسي، أكد أنه لن يتم إرسال أي قوات إلى المدينة المحاصرة، أو تقديم أي دعم عسكري لتركيا، فهي تصنع هذه الأزمة لتتورط في حلها، مما يعني أن الرهان التركي على حلف «الناتو» قد فشل مبكرا، وهذا ربما ما يفسر تراجع أردوغان يوم الخميس، وتهديد وزير دفاعه خلوصي آكار، بقصف قوات جبهة «النصرة» ومواقعها في إدلب إذا لم تلتزم بوقف إطلاق النار، تنفيذا للمطالب الروسية وبنود اتفاق سوتشي، الأمر الذي سيغضب قيادة هذه الجبهة وحلفائها مما يزيد موقف السلطات حراجة.
قوات الجيش العربي السوري تقاتل على أرضها في إدلب لفرض السيادة السورية، وهذا عمل مشروع، بينما الوجود العسكري التركي غير شرعي، وسينتهي عاجلا أم آجلا، والتحالف السوري الروسي على درجة عالية من الصلابة، وعندما يؤكد ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، بأنه لا توجد أي خطط في الوقت الراهن لترتيب لقاء قمة بين فلاديمير بوتين ونظيره التركي أردوغان، فهذا يعني أن الرئيس الروسي لم يعد يثق بالوعود التركية، وأن أي لقاء قمة لا يمكن أن يعقد إلا بعد تنفيذ اتفاق سوتشي وبنوده بالكامل.
نصيحتنا «الأخيرة» لأردوغان وليس للسيد بهشتلي وحده، هو الكف عن إطلاق التصريحات «الاستفزازية»، مثل التهديد باحتلال دمشق والإطاحة بالأسد، والصلاة في الجامع الأموي، ليس لأنها غير واقعية، ولم تعد تقنع أحدا، بِما في ذلك فصائل المعارضة السورية المسلحة أو غير المسلحة، وإنما أيضا لأنها باتت تعطي نتائج عكسية تماما، مثل نظيرتها التي أطلقت في الملف الليبي، وتبخرت بسرعة.
سياسة التهديدات التركية التي زادت عن حدها، لم تعد مجدية، الأمر الذي يحتم تغييرها في أسرع وقت ممكن وبما يخدم مصالح تركيا وشعبها، وإلا فإن النتائج ستكون مرعبة، ويكفي التذكير بأن رئيس إقليم قبرص التركية مصطفى أكينجي طفح كيله، وبات يتمرد على أنقرة التي تعتبر الوحيدة المُعتَرفة بجمهوريته، ويوجه انتقادات شرسة لقيادتها ويطرح برنامجا انتخابيا عنوانه الأبرز توحيد قبرص مجددا، وعودة الشمال إلى الجنوب، ولم ترعبه تهديدات أردوغان بتلقينه درسا مؤلما، فالزمن يتغير، ومياه كثيرة مرت تحت جسر القضيتين القبرصية والسورية، بل كل قضايا منطقة الشرق الأوسط الأخرى..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى