الرأي

أساطير حزب بنكيران

السياسة في المغرب لا تحتاج إلى قارئات فنجان ولا إلى العرافات و«الشوافات»، ومن يقرأ التاريخ منذ محمد بلحسن الوزاني زعيم الشورى والاستقلال إلى عبد الخالق الطريس زعيم حزب الإصلاح الوطني إلى علال الفاسي مع حزب الاستقلال واكديرة مع «الفديك» والخطيب وأحرضان زمن الحركة الشعبية، حتى الحركة الاتحادية من بن بركة وبوعبيد إلى اليوسفي، يلمس بسهولة مقولة الحسن الثاني بأن «السياسة مثلها مثل الفلاحة»، ويفهم بسلاسة أيضا أن الزراعة الموسمية التي أتت بحزب العدالة والتنمية زمن «الربيع العربي»، تبدو اليوم بوضوح مؤشرات نهايتها وفلول نجمها وبوارها.
لم يحتكر حزب سياسي مغربي واحد السلطة أكثر من 5 سنوات، وظلت سياسة الحسن الثاني هي خلق النخب وتجديدها وتفريخ الأحزاب والتداول على السلطة مع الإبقاء على نفس التوجهات والتوازنات ممثلة في المركزية المطلقة لسلطة القرار، أما في ما يخص أحزاب المعارضة فقد قام بطبخها كما يطهى الحمص الصلب في الماء الدافئ، إلى أن أصبح «طايب وهاري»، واليوم بنكيران يعرف تمام المعرفة هذه الخاصية البيولوجية للأحزاب المغربية، لذلك فهو اليوم يراهن على البقاء في السلطة بأي ثمن كان حتى لو كلفه الأمر القيام بنفسه بمهمة «فسيخ الحمص» لحزبه وحركته الدعوية.
لذلك فأول قراءة متفحصة للوائح الحزب الحاكم التي قدمت للانتخابات تظهر جليا وضع الإخوان اليد على العائمات لتجنب الغرق السياسي، فكل الأسماء التي صوتت عليها قواعد الحزب محليا للترشح جرى تعديلها وتكييفها في الأمانة العامة بالرباط، في إطار أكبر عملية للتلاعب بالديمقراطية الداخلية التي يتشدق بها بنكيران وصحبه، حيث تم الاستنجاد بأسماء معروفة بالترحال السياسي، والفساد الانتخابي، وترشح مع «البيجيدي» أسماء لم تكن في يوم من الأيام منتمية إلى صفوفه ولا تتقاسم معه مرجعيته، وشاهدنا منتخبين جدد من العدالة والتنمية في مجالس الغرف المهنية يصوتون لصالح «أعدائهم» من الأصالة والمعاصرة، وعرف الحزب الحاكم موجة استقالات بين أعضائه وصفوف قياداته المحلية، وآخرين جمدوا عضويتهم ورفضوا النزول للحملة الانتخابية، ولعل صورة الملصق الانتخابي التي يظهر فيه الوزير عزيز رباح لوحده في منتصف الطريق لأصدق تعبير على حال «البيجيدي»، الذي نال السلطة وسط الزحام، وانتهى في صورة عابر سبيل وحيد في الطرقات.
لكن سياسة «قلب شقلب» التي يتقنها بنكيران هي التي تجعله اليوم يعيد التركيز في كل خطبه على مهاجمة الأصالة والمعاصرة، رغم أن الحزب الحاكم ظل منذ سنة 2009 يسير الجماعات المحلية والقروية مع «البام»، يوقعون الرخص ويدبرون الميزانيات ويقررون في مشاريع التنمية ويتبادلون القبل بعد كل دورة جماعية، واليوم يأتي بنكيران متحديا الأصالة والمعاصرة بقوله «كفظوا على ذراعكم»، مع أن الحقيقة التي يخفيها رئيس الحكومة على الشعب هي أنه «مشارك الطعام» مع الأصالة والمعاصرة منذ 6 سنوات في الجماعات المحلية والمجالس الإقليمية والجهوية، واليوم فقط يرى أن الوقت قد حان لينفض العهد على طريقة «ياكل الغلة ويسب الملة».
هناك 3 أساطير مؤسسة لمنهاج حزب العدالة والتنمية، الدين والتقية و«البام»، وهذا الثلاثي هو البرنامج الوحيد الذي حقق به الحزب الحاكم إنجازات لنفسه أوصلته إلى الحكم، واليوم بنكيران لم يغير الوصفة للحصول على بطاقة إقامة جديدة في دار المخزن، متناسيا أن الشعارات مثلها مثل علب الحليب تنتهي مدة صلاحيتها، وكل ما يردده رئيس الحكومة اليوم مجرد أساطير متقادمة انكشف أمرها وانتهى زمانها ومكانها، فهي لا تشغل ولا تطعم ولا تبني المستشفيات والمدارس وتحقق العدل، لذلك فهو أقرب إلى صورة شيخ صياد «عندو الكصبة والصنارة»، ولكن الطُعم «قدام».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى