الرأي

أصدقاء من كندا

شامة درشول

 

 

هناك فيلم مغربي أنتج منذ سنوات للقناة الثانية، وحمل عنوان «أصدقاء من كندا»، أذكر في ما أذكره عن قصة الفيلم، أن فتاة أتت ورفيقها من كندا ليتزوجا بالمغرب، وكانت برفقتهما صديقة كندية، لكن العروس ستفاجأ باعتقالها بسبب احتواء أشرطة فيديو عرسها على مخدرات، قبل أن ينكشف أن صاحب هذه المخدرات هو أخ زوجها.

تذكرت هذه الحكاية وأنا أنصت إلى صديقة مغربية اتصلت بي من كندا، لتخبرني هذه المرة عن «أصدقاء من المغرب»، أتوا إلى كندا ليجعلوها تعيش جحيما حقيقيا.

 

قالت لي الصديقة إنها حين كانت تعيش في المغرب، كانت لها صديقة حميمة، كانت تأتي إلى منزلها، تبيت في فراشها، تأكل من أكلها، حتى أن أهلها باتوا عائلتها، وحين قررت الصديقة الهجرة إلى كندا، قامت صديقتها أيضا بتقديم طلب الهجرة. كانت الصديقتان تعيشان الحياة نفسها بالخطوات ذاتها، وحتى حين تزوجت صديقتي، أرادت أن تزوج أخ زوجها لصديقتها، إلا أن الهجرة إلى كندا جرت بما لا تشتهي سفن الصديقتين.

تقول لي الصديقة بحرقة إنها كانت قد اقترضت مبلغا من المال من صديقتها الحميمة من أجل الانتقال للعيش بكندا، تقول إن الحياة في كندا صعبة جدا، وإنها تستلزم مصاريف تؤدى وأنت تستعد للهجرة، ومصاريف أخرى عليك أن تؤديها وأنت تفد قادما جديدا كما تسمى في كندا. هاته المصاريف قد تمتد من سنة إلى ثلاث سنوات قبل أن تستطيع إيجاد عمل حقيقي ودائم، يمكنك أخيرا من الشعور بالاستقرار، ومن ضبط ميزانية مصاريفك، والانطلاق لتحقيق ما هاجرت من أجله، وتركت وطنك ومن عليه في سبيله.

تقول صديقتي إن صديقتها حلت بعدهم بمدة قليلة، وإنها أقامت معهم في المنزل نفسه الذي جمعها رفقة زوجها وطفليها، قالت لي صديقتي إنها كانت دوما تحكي لصديقتها عن الصعوبات التي يواجهونها في إيجاد عمل، وإنهم لم يكونوا يتوقعون أن كندا ستتطلب منهم مجهودات مضاعفة عن تلك التي كانوا يضطرون لبذلها في المغرب من أجل إيجاد عمل. قالت لي إن صديقتها كانت دائمة التعاطف معها، ومتفهمة لهذه الصعوبات، وإنها بدورها وجدت هذه العراقيل، واصطدمت بواقع آخر لا تحكي عنه الجاليات المغربية المقيمة في الخارج، ربما لأنها تعرف أن المغاربة لا يريدون سوى سماع الشق الإيجابي فقط عن الرحيل عن الوطن.

لكن يوما أتى انقلب فيه كل شيء، يوم جعل الصديقة الحميمة لصديقتي تصرخ، وتتوعد وتهدد، مطالبة باسترجاع المبلغ الذي أقرضته لصديقتها. تحكي لي الصديقة أنها حاولت أن تهدئها وأن تشرح لها أن ظروفها المادية لا تزال صعبة، وأنها تعيش معهم منذ شهرين، ومطلعة بنفسها على  هذا المأزق، وأنها ستعمل على رد المبلغ إليها في أقرب وقت، لكن الصديقة فضلت ألا تسمع شيئا، وأن تحمل أغراضها وترحل.

مرت بضعة أيام، تقول صديقتي، حين فوجئت باستدعاء من المحكمة، رفعت الصديقة دعوى ضدها بتهمة رفض رد دين. هنا قلت لصديقتي إن عليها أن تخبر المحكمة أنها كانت تؤويها في بيتها لشهرين وأكثر، وإنها قدمت لها في المقابل سريرا، وطعاما وشرابا، فهذا أمر يؤدى عنه هناك حتى بين أفراد العائلة، فما بالك بالأصدقاء، وأن هناك لا مجال للتعاطف، وأن عليك أن تعمل لتصرف على نفسك، وأنه حتى أهلك لن يعيلوك حين تبلغ من العمر سن الرشد، فلا تنتظر من أصدقائك أن يفعلوا.

قالت لي صديقتي إن هذا ما فعلته، وهذا ما أخبرت به المحكمة، وإن المحكمة أسقطت الدعوى، وإنه رغم ذلك حين خرجت من المحكمة أخبرت صديقتها أنها سوف تعمل على رد الدين إليها رغم ما قالته للمحكمة، لكن صديقتها أبت إلا أن ترد الصاع صاعين بشكل استغربت له صديقتي، إذ تحكي لي بأنفاس متقطعة وكأنها تتذكر ما حدث ذاك اليوم، أن الشرطة اتصلت بها لتخبرها أنهم تلقوا إخطارا يقول إنها تسيء معاملة أطفالها، وإنهم في طريقهم الآن إلى منزلها، وعليها موافاتهم إلى هناك، بل إنهم مروا على المدرسة، وهناك استفسروا طفليها، ومدرسيهم عن «الحالة النفسية والعقلية» لأمهم وأبيهم.

«أنت في بلد يرحب بك كمهاجرة ليس من أجل سواد عينيك بل من أجل هؤلاء الأطفال الذين سيكبرون على الثقافة والقوانين الكندية، ولن تكون في قلوبهم بذرة من ثقافتك التي يرفضون تبنيها، لكنهم مجبرون على استقبالك لأن أطفالك من يضمنون البقاء لبلد يعاني من الشيخوخة، اسمه كندا». أقول لصديقتي، وأنا أنصت لفيلم الرعب ذاك الذي عاشته، قالت لي إنهم سألوها لماذا يوما ضربت ابنتها على يديها، ولماذا يوما صرخت في وجهها، وإن كانت تعتقد أنها «مؤهلة» لتكون «أما».

وضع صعب ومستفز، أن تشعر بالغدر من أقرب صديقاتك، وأن تحاول هذه الصديقة هدم بيتك وتشريد عائلتك، وحرمانك من أطفالك، بسبب بضعة نقود دين، وبسبب حقد دفين، وفوق  هذا أن تضطر لمواجهة نساء شرطة، ومشرفات على التربية يحاولن جاهدات إيجاد أي سبب لحرمانك من أطفالك. تقول لي صديقتي إنها اضطرت إلى كتمان غضبها، واضطرت إلى الرد عليهم بالأجوبة التي يريدون سماعها، وباللغة التي يريدون، بل حتى بالنبرة التي يريدون. هنا تذكرت صديقة لي كنت أقيم رفقتها وزوجها حين كنت بكندا، حكت لي أنها ذهبت يوما إلى المستشفى وهي تشعر بآلام شديدة، وكانت حاملا، وأن الطبيبة نظرت إليها وقالت لها ببرود: «الطفل بخير»، فانتفضت المرأة في وجهها وقالت لها: «وماذا عن أم الطفل؟»، تقول لي الصديقة إنها اضطرت إلى العودة إلى المغرب من أجل الكشف عن حالتها الصحية، وإنها فهمت أن كندا لا تريد من المهاجرين سوى قدراتهم المعرفية، وأطفالهم، وهو الدرس الذي فهمته صديقتي الأخرى والتي كانت تقدس كندا، قبل أن تكتشف الغابة وراء أشجار الوعود، وتكتشف أنه حتى الأصدقاء في المغرب يتحولون إلى مجرد نوع آخر لا يتعدى أن يكون مجرد نوع من «أصدقاء من كندا».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى