شوف تشوف

الرئيسيةخاصسياسية

أعطاب الدبلوماسية في العلاقات المغربية الأوربية

إعداد: محمد اليوبي
أثار قرار محكمة العدل الأوربية القاضي بإلغاء اتفاق تجاري بين المغرب والاتحاد الأوربي، بوادر توتر وأزمة بين الجانبين، وأعاد بدوره تسليط الضوء على العلاقة المغربية- الأوربية، كما كشف عن أعطاب الدبلوماسية الرسمية والموازية التي لا تتحرك إلا لإطفاء نيران الحرائق التي تندلع هنا وهناك، عوض نهج سياسة هجومية استباقية لمحاصرة تحركات خصوم المغرب بمختلف المحافل الدولية، ومحاولة ضرب العلاقات الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوربي.
تلعب الدبلوماسية الرسمية إلى جانب الدبلوماسية الموازية، وخاصة البرلمانية منها، دورا أساسيا إلى جانب الدفاع عن قضايا المغرب بمختلف المحافل الدولية، لكن مجموعة من الأحداث التي برزت أخيرا، بعد أزمة السويد، وقرار المحكمة الأوربية القاضي بإلغاء اتفاقية التبادل التجاري للمنتوجات الفلاحية والصيد البحري، أبانت عن أعطاب ونقائص الدبلوماسية المغربية بمختلف أنواعها، بحيث لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وأصبح دورها يقتصر على امتصاص الضربات والعمل بمنطق رد الفعل على الهجمات المتكررة التي يخوضها خصوم المغرب، وأمام التحديات المطروحة على الساحة الدولية.

أعطاب الدبلوماسية
يرى العديد من الباحثين والمتتبعين أن الدبلوماسية المغربية الرسمية والموازية تشوبها العديد من النواقص لكي تقوم بالمهام المنوطة بها للدفاع عن القضايا الوطنية بالمحافل الدولية، وتعاني الدبلوماسية البرلمانية، التي من المفروض أن تتحرك داخل برلمان الاتحاد الأوربي، من ضعف كبير في تملك قدرات الدفاع والترافع بشأن الملفات التي تهم مصالح المغرب، ما يتطلب إعادة النظر في موضوع انتقاء البرلمانيين الذين يتم انتدابهم لتمثيل المغرب في المحافل الدولية واللجان البرلمانية المختلطة.
وأكد مصدر برلماني أن المشكلة الحقيقية التي تعيق عمل الدبلوماسية البرلمانية، خاصة الدبلوماسية الموازية، بشكل عام تتمثل في انعدام فلسفة اشتغال كفريق متكامل ومنسجم بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية، بل هناك في بعض الأحيان تدافع بين هؤلاء الفاعلين. ولكي تتمكن الدبلوماسية من لعب دورها المنوط بها، فإن ذلك يستلزم أولا وجود نخب سياسية وبرلمانية قادرة على التفاعل مع الأحداث، وتملك الجرأة على التحرك وفق مقاربة استباقية للمستجدات التي من شأنها أن تستهدف مصالح المغرب الترابية والاقتصادية.
هذا وتوجه انتقادات إلى طريقة تدبير المهام الدبلوماسية البرلمانية، وتحدث مسؤول بقسم العلاقات الخارجية بالبرلمان، عن وجود فوضى في تنظيم المهام خارج الوطن، حيث يتم الاتصال في آخر لحظة بالبرلماني الذي يعينه الفريق للقيام بالمهمة، إذ يكون هذا البرلماني بدون إلمام أو اطلاع على الملف موضوع المهمة، وهو ما يفرغ هذه المهام من مضمونها، وتتحول في أغلب الأحيان إلى زيارات سياحية.
وذكر المصدر أن قسم العلاقات الخارجية بالبرلمان، تحول إلى ما يشبه وكالة أسفار للبرلمانيين الباحثين عن زيارة بعض الدول، حيث يتكلف القسم بإجراءات الحصول على التأشيرة وحجز تذكرة السفر عبر الطائرات وحجز الفنادق. وقال المصدر إن بعض البرلمانيين يسافرون إلى خارج المغرب على حساب البرلمان دون معرفة المهمة التي سيقومون بها، ويقترح المصدر ذاته مراجعة طريقة تكليف البرلمانيين بالمهام خارج الوطن، واختيار برلمانيين أكفاء يكونون على إلمام بالملفات التي سيدافعون عنها.
وكان الملك محمد السادس قد أكد أمام البرلمانيين، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، على دور الدبلوماسية البرلمانية، خاصة في ما يتعلق بالدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمغرب. وجاء خطاب الملك متزامنا مع مجموعة من الوقائع التي أثبتت وجود مكامن الضعف والقصور في العمل البرلماني على مستوى الواجهة الخارجية، وعدم إلمام البرلمانيين الذين يتم تكليفهم بملفات تتعلق بمصالح المغرب بمجموعة من القضايا التي تهم هذه الملفات، وخاصة داخل برلمان الاتحاد الأروبي، الذي يعرف تحركات قوية لخصوم المغرب وتجنيدهم «لوبيات» لتقديم مقترحات معادية، ما يجعل البرلمان الأوربي دائما مسرحا لمعارك بين البرلمانيين المساندين للمغرب والبرلمانيين المساندين لأطروحة الجزائر والبورليساريو.
وانتقد الملك التعامل بمنطق رد الفعل مع تحركات خصوم المغرب، عوض نهج سياسة الهجوم وأخذ زمام المبادرة، وقال الملك: «فبدل انتظار هجومات الخصوم للرد عليها، يتعين إجبارهم على الدفاع، وذلك من خلال الأخذ بزمام الأمور، واستباق الأحداث والتفاعل الإيجابي معها»، وأضاف قائلا: «ذلك أن قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي أيضا قضية الجميع: مؤسسات الدولة والبرلمان، والمجالس المنتخبة، وكافة الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية، وهيئات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام وجميع المواطنين»، محذرا من خطورة مناورة الخصوم. وبذلك يكون الملك قد وجه رسالة ضمنية إلى البرلمان لتغيير طريقة تعاطيه مع قضية الصحراء، ووضع استراتيجية جديدة.

توتر العلاقة مع الاتحاد الأوربي
بتاريخ 14 دجنبر 2011، تلقت الدبلوماسية المغربية واحدة من الضربات الموجعة، بعد قرار البرلمان الأوربي المصادقة على إلغاء اتفاقية الصيد البحري مع المغرب، تحت ذريعة أنها تشمل الصيد في مياه الصحراء المتنازع على سيادتها بين المغرب والبوليساريو. وجاء إلغاء الاتفاقية بعد حملة دامت لسنوات من طرف البوليساريو في البرلمان الأوربي.
هذا وتتعثر المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوربي في ملف الصيد البحري بسبب ملف الصحراء المغربية، الأمر الذي يبرز ارتفاع حضور هذا النزاع في العلاقات المغربية-الأوروبية، بعد أن كان مجلس سفراء أوربا في الاتحاد الأوربي ولاحقا وزراء الصيد البحري والزراعة، قد صادقوا في فبراير من سنة 2012 على بدء مفاوضات جديدة مع المغرب، مع إشارة غير مباشرة الى الصحراء، حيث تضمن النص المصادق عليه التعبير التالي: «ضرورة احترام المغرب للالتزامات الدولية المنصوص عليها في القانون الدولي».
وفي وقت كانت المؤشرات الاقتصادية والسياسية تحيل إلى كون اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوربي لن يعرف تجديدا، تحفظت الدانمارك التي كانت ترأس الاتحاد الأوربي إبان الأزمة، عن تجديد الاتفاقية تحت رئاستها، فيما أبدت بعض الدول معارضتها، مثل بريطانيا التي رفضت أن تتضمن الاتفاقية الصيد في مياه الصحراء المغربية، وهي النقطة التي شكلت الخلاف الرئيسي بين المغرب والاتحاد الأوربي، خصوصا أن الشق السياسي في الأزمة يرتبط بموقف الاتحاد الأوربي بين قبول ورفض تضمين الاتفاقية للصيد في المياه الإقليمية للصحراء المغربية، وهو ما يراه المغرب الشق الأهم.
وبينما فشلت الدبلوماسية المغربية في إقناع الأطراف الأوربية بالعودة إلى الاتفاق، تدخلت وزارة الفلاحة والصيد البحري من خلال مفاوضات ماراطونية مع ممثلة الاتحاد الأوربي المكلفة بالصيد البحري، انتهت بالتوقيع بالأحرف الأولى على البروتوكول الاتفاقي الخاص للصيد البحري، بين وزارة الفلاحة والصيد البحري في شخص الوزير عزيز أخنوش، والاتحاد الأوربي ممثلا بمفوضته للشؤون البحرية والصيد، ماريا دمناكي، وهو الاتفاق الذي جاء ثمرة لست جولات من المفاوضات نظمها الطرفان وكان آخرها شهر يوليوز من سنة 2013.
وفي واحد من المنعرجات الدبلوماسية الخطيرة التي طبعت العلاقات المغربية وعدد من الدول الأوربية، دخلت العلاقات المغربية- السويدية أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، بعد اعتزام البرلمان السويدي رفع مقترح للحكومي يقضي بالاعتراف بما سمي «الجمهورية الصحراوية»، وإقرار الأمر عبر مشروع قانون تتم المصادقة عليه من قبل النواب السويديين.
الأزمة التي دشنها قرار أحد الأحزاب اليسارية السويدية بطرح مشروع قانون أمام البرلمان من أجل الاعتراف بـ«الجمهورية الصحرواية» المزعومة، وهو القرار الذي من شأنه دفع الحكومة إلى الاعتراف بدورها بهذا الكيان ونص قانون لذلك، دفعت رئيس الحكومة إلى استعجال لقاءات موسعة مع ممثلي الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية للإعداد لخطة عمل للتحرك الدبلوماسي، للرد على ما صدر من السويد، وهو ما كان من خلال تشديد الإجراءات على المنتجات والسلع السويدية، وعلى رأسها سلسلة الأسواق الممتازة «إيكيا» السويسرية، والتي كانت تعزم افتتاح فرع جديد لها في المحمدية أوقفته السلطات في آخر لحظة.
وسارعت الدبلوماسية المغربية عبر رئيسها، وزير الخارجية والتعاون، صلاح الدين مزوار، متأخرا إلى لقاء نظيرته السويدية مارغوت فالستروم بنيويورك الأمريكية، على هامش الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ناقش الطرفان عزم حكومة ستوكهولم الاعتراف بجبهة «البوليساريو»، إضافة إلى اللهجة الشديدة التي وجهتها مختلف الأحزاب المغربية إلى حكومة السويد، وأوضحت المسؤولة السويدية عدم توجه حكومتها ولا أيضا البرلمان السويدي للاعتراف بالبوليساريو.
وفي واحد من المواقف المفاجئة، أصدرت المحكمة الأوربية حكما ابتدائيا يقضي بإلغاء اتفاقية تجارية بين المغرب والاتحاد الأوربي لأنها تشمل أراضي متنازعا عليها (الأقاليم الجنوبية المغربية). واعتبرت المحكمة أن قرارها جاء بناء على شكاية تقدمت بها جبهة «البوليساريو» سنة 2012 ضد اتفاقية الزراعة الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوربي، مطالبة بإلغائها بسبب شموليتها لمنتجات فلاحية تنتج في الصحراء.
وعادت الاتفاقية الفلاحية التي كان المغرب والاتحاد الأوربي وقعاها سنة 2010، وصادق عليها البرلمان الأوربي يوم 16 فبراير 2012، ودخلت حيز التنفيذ في أكتوبر 2013، إلى واجهة دبلوماسية أوربا والمغرب وخلفت أزمة بين بلدان الاتحاد والمغرب، دفعت أعلى دواليب القرار الأوربي إلى تقديم تطمينات للطرف المغربي على استمرار سريان الاتفاق الفلاحي، حيث عبر مجلس الاتحاد عن رغبته في تعزيز وتوسيع تعاونه مع المغرب، على أساس القيم المشتركة المتمثلة في الديمقراطية ودولة القانون والحريات الأساسية. كما صادق وزراء خارجية الاتحاد الأوربي على طلب استئناف قرار المحكمة الأوربية.

دبلوماسية ضعيفة في مواجهة لوبيات جزائرية داخل الاتحاد الأوربي
كشفت مصادر دبلوماسية مغربية عن وجود تحركات قوية للجزائر، داخل أروقة برلمان الاتحاد الأوربي. وتعمد الجزائر إلى استعمال كل الإمكانيات المتاحة لها لاستقطاب برلمانيين من أجل الترويج لأطروحتها وأطروحة جبهة البوليساريو، بخصوص قضية الصحراء ومحاولة اللعب بورقة حقوق الإنسان لعرقلة مختلف الاتفاقيات التي تربط بين المغرب والاتحاد الأوربي، وخاصة اتفاقية الصيد البحري والاتفاقيات المتعلقة بتصدير المنتوجات الفلاحية.
وتوجه اتهامات مباشرة للجارة الجزائر بدعم لوبيات قوية لعرقلة جميع الاتفاقيات والمفاوضات التي يخوضها المغرب مع بلدان الاتحاد. وتحدثت مصادر من سفارة المغرب بالاتحاد الأوربي، عن وجود اختراق جزائري قوي داخل البرلمان الأوربي من أجل عرقلة الملفات المعروضة على أنظار هذه المؤسسة التي تملك سلطة القرار، وخاصة ملف الصيد البحري والتبادل التجاري في المجال الفلاحي، بالإضافة إلى المفاوضات الجارية بشأن اتفاقية التبادل الحر الشامل والموسع.
وأكدت المصادر ذاتها أن الجزائر تسعى جاهدة من أجل عرقلة الوضع المتقدم الذي يتمتع به المغرب لدى الاتحاد الأوربي، وتمارس كل أشكال الضغط على دول الاتحاد باستعمال سلاح الطاقة والغاز. كما أن الجزائر تسوق لصورتها بالدول الأوربية بكونها الدولة الأقوى بالمنطقة المغاربية والقادرة على حماية مصالح هذه الدول. ولذلك فهي تعمل على تجنيد وتمويل العديد من المنظمات واللوبيات الموالية لها من أجل اختراق الفرق البرلمانية التي لها تأثير قوي على سلطة القرار داخل المفوضية الأوربية والبرلمان، أثناء تدارس والمصادقة على الملفات التي لها علاقة بالمغرب.
وعلى خلاف ذلك، سجل مختلف المتدخلين ضعف الحضور البرلماني المغربي على مستوى البرلمان الأوربي، رغم تنظيم العديد من الزيارات التي يقوم بها البرلمانيون المغاربة.
ومن بين أبرز الانتقادات الموجهة لعمل الدبلوماسية البرلمانية المغربية، أنها تكون مرهونة بردود الأفعال على تقارير معادية للمغرب، بدون وضع خطط محكمة للدفاع عن الملفات الكبرى التي تهم العلاقات المغربية- الأوربية. هذا فضلا عن أن مصدرا من السفارة المغربية بالاتحاد الأوربي، كشف أن أغلب البرلمانيين المغاربة يحضرون اجتماعات بعض اللجان المختلطة التي تكون بصدد مناقشة الملفات المغربية، بدون اطلاع على هذه الملفات. ودعا المصدر الدبلوماسي البرلمان المغربي إلى لعب دوره في الدفاع عن القضايا المغربية، وخاصة ملف الصحراء الذي تناور به الجزائر لدى حلفائها بدول الاتحاد. ومن بين الانتقادات التي توجه للبرلمانيين المغاربة أيضا، أنهم كلما سنحت لهم الفرصة بالحديث داخل البرلمان الأوربي، يرددون الكلام نفسه وكأنهم يخاطبون المغاربة، بدون تقديم معطيات دقيقة عن الملفات التي تكون موضوع مناقشة داخل البرلمان الأوربي.

مزوار.. الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب
يبدو أن صلاح الدين مزوار وجد نفسه في منصب وزير للشؤون الخارجية والتعاون عن طريق الصدفة، بعد التعديل الحكومي الأول الذي قاد حزب التجمع الوطني للأحرار من المعارضة إلى المشاركة في حكومة بنكيران الثانية، خلفا لحزب الاستقلال، حيث عصفت رياح التعديل بالقيادي في حزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، وتم تعيين مزوار خلفا له، رغم أنه لا يربطه بالميدان الدبلوماسي والعلاقات الدولية إلا «الخير والإحسان»، وبذلك تنطبق عليه مقولة «الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب».
وكشفت صحيفة «موند أفريك»، في أحد أعدادها، أن العد التنازلي لمغادرة صلاح الدين مزوار لوزارة الخارجية والتعاون، بدأ مباشرة بعد الفشل الذريع في ملفات دبلوماسية حساسة، أبرزها الصحراء المغربية، ومعالجة ملف مغاربة المهجر، الذي خصص له الملك جزءا كبيرا من خطاب العرش. واعتبر العديد من المتتبعين للعلاقات الدولية أن وقوع بعض التعثرات الدبلوماسية واستمرار توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا لوقت طويل، دليل قوي على فشل صلاح الدين مزوار في قيادة الدبلوماسية المغربية، وبدل أن يقوم بدور الإطفائي الذي يقوم به عادة قادة الدبلوماسية، بدأ يقوم بالعكس تماما، من خلال تصريحات من شأنها صب الزيت على النار، من خلال الهجوم على الحكومة الفرنسية، أو في طريقة تعامله مع أزمة السويد، عندما استعمال لغة «التفعفيع» في حديثه عن لقاء جمعه مع وزيرة خارجية هذا البلد، بقوله إنها «تفعفعات» لما هددها بوقف العلاقة بين المغرب والسويد.
وفي الاجتماع الأخير الذي عقدته لجنة الخارجية، لتدارس تداعيات قرار المحكمة الأوربية القاضي بإلغاء الاتفاقية المبرمة مع الاتحاد الأوربي، بشأن التحرير المتبادل للمنتجات الفلاحية ومنتجات الصيد البحري، وجه نواب برلمانيون انتقادات لاذعة إلى مزوار، واتهموه بالتقصير في ممارسة مهامه الدبلوماسية. وانتقد البرلمانيون طريقة تعامل وزارة الخارجية في مواجهة الأزمات التي تهدد مصالح المغرب، حيث لا تتحرك الدبلوماسية الرسمية قبل وقوع ما وصفه البرلمانيون بـ«الكوارث»، من أجل الدفاع عن حقوق المغرب. وتساءل البرلمانيون عن دور وزارة الخارجية، في الوقت الذي كانت فيه كل من «البوليساريو» والجزائر تتحركان داخل الاتحاد الأوربي، ورفع دعوى قضائية لإبطال الاتفاقيات التي تجمع المغرب بدول الاتحاد.

تطور العلاقات بين المغرب ودول الاتحاد الأوربي
تكتسي العلاقات التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي أهمية ذات بعد استراتيجي لكلا الطرفين، فمنذ انطلاق مسلسل الوحدة الأوروبية، عمل المغرب من أجل تعميق علاقاته في هذا الاتجاه مع الاتحاد الذي كان دوما يعتبر المغرب شريكا استراتيجيا متميزا داخل الفضاء الأورومتوسطي، فالعلاقة بين الطرفين قطعت أشواطا متعددة، حيث تم التوقيع على أول معاهدة سنة 1969 كانت تخص المجال التجاري، ونظرا للأهمية الاستراتيجية لهاته العلاقات، سعى الطرفان إلى فتح أفق جديدة للتعاون المغربي الأوروبي، بحيث قررا بحث سبل تعزيز التعاون في شتى القطاعات الحيوية للاقتصاد، وقد أثمر هذا المسعى التوقيع على اتفاقية جديدة للتعاون سنة 1976 همت القطاع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، الأمر الذي أعطى دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين المغرب والمجموعة الأوروبية.
وفي سنة 1996، شهدت العلاقات بين المغرب والمجموعة الأوروبية قفزة نوعية مقارنة مع تطورات الحقبة السابقة، حين وقع الطرفان معاهدة شراكة أورو متوسطية جديدة شملت شتى المجالات والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 2000، لتمثل الإطار القانوني الذي يحكم حاليا العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى هذا التحول الملموس، عمل الطرفان المغربي والأوروبي على تعزيز العلاقات الثنائية، حيت شرعا سنة 2005 في تطبيق خطة عمل جديدة تدخل في نطاق تفعيل سياسة الجوار الأوروبية مع المغرب، وتعد هذه الآلية إطارا مناسبا من أجل مواكبة المغرب في مشروعه الحداثي والتنموي معتمدا في ذلك على تقنيات فعالة للتعاون كالتوأمة المؤسساتية والمساعدات التقنية.
أما الإطار القانوني للعلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، فقد استمد مقوماته من مبادئ وفلسفة الإعلان السياسي لبرشلونة الصادر سنة 1995، الذي تم تجديده من قبل الاتحاد من أجل المتوسط سنة 2008، ويهدف، هذا الإعلان، بشكل أساسي إلى تعزيز الحوار السياسي والأمني بين دول المنطقة الأورومتوسطية، وإقامة شراكة اقتصادية تفضي إلى تحقيق الازدهار المشترك، وتشجيع وتعزيز التفاهم والتبادل الثقافي بين الشعوب من خلال إقامة شراكة اجتماعية وثقافية وبشرية بين الاتحاد الأوروبي، ودول منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد شكل تبني الاتحاد لسياسة الجوار الأوروبية وإخراجها إلى حيز التنفيذ سنة 2003، منعطفا أساسيا في تعزيز التعاون مع المملكة المغربية، حيث تم تفعيل سياسة الجوار بتبني خطة عمل جديدة مع المغرب في يوليوز 2005، وذلك بغية تعميق التعاون متعدد المجالات والهادف إلى تحسين ظروف التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمملكة، في هذا الإطار، تؤكد سياسة الجوار الأوروبية على التزام الطرفين بتعزيز تقاربهما في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية، من أجل إعطاء دينامية جديدة للعلاقات بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي تصل إلى مدى أبعد من الشراكة. وعلى هذا الأساس، تبنت المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي الوثيقة المشتركة حول الوضع المتقدم في 13 أكتوبر2008، والتي ترمي أساسا إلى تعزيز المنجزات والمكتسبات التي حققتها الشراكة المغربية الأوروبية، وخلق مبادرات جديدة وطموحة من شأنها جعل العلاقات الثنائية بين الطرفين نموذجية على المستوى الإقليمي، كما أن الوضع المتقدم، يعكس اعتراف الاتحاد الأوروبي بالتقدم الذي أحرزته المملكة المغربية على مستوى مسار الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويكرس انتماء الشركيين لذات القيم المرتبطة بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان. علاوة على هذا، فإنه يفتح آفاقا جديدة متعددة الأبعاد والمجالات للعلاقات المغربية الأوروبية.
ومن جهة أخرى، شهدت العلاقات بين المملكة المغربية ومجلس أوروبا، خلال المدة الأخيرة، عهدا جديدا يطبعه التقارب على جميع المستويات وذلك بفضل الوضع المتقدم للمغرب لدى الاتحاد الأوروبي (أكتوبر 2008) بحيث مكن من تكثيف آليات الحوار ويسر الانخراط الفعلي لجميع الفاعلين المغاربة، من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين ومختلف الهيئات الفاعلة في الحقل الجمعوي وفي المجتمع المدني، ومن معالم هذا التقارب بين المغرب ومجلس أوروبا انضمام المملكة المغربية إلى اتفاقيات ومعاهدات مجلس أوروبا مما يمكن من تعزيز الشراكة في ميادين تخص تسيير المخاطر الطبيعية والتكنولوجية، المحافظة على الحياة البرية والطبيعة، مكافحة تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع في المخدرات، وكذا في مجالات تهم الشؤون التشريعية/ الانتخابية/ الدستورية، حوار الثقافات والحكامة الرياضية. وفي هذا الصدد، يشارك المغرب بصفة فاعلة ودورية في أنشطة هيئات مجلس أوروبا كمفوضية البندقية، مركز شمال-جنوب، مجموعة بومبيدو و مجموعة EUR-OPA.
و تجدر الإشارة إلى أنه يتم تنفيذ خطة العمل بين المغرب ومجلس أوروبا “أولويات 2012-2014 للمغرب في إطار التعاون مع الجوار” (المصادقة عليها من طرف المغرب ومجلس أوروبا في 24 أبريل 2012 بستراسبورغ) المتمحورة حول الديمقراطية، دولة الحق وحقوق الإنسان بشراكة مع مختلف الفاعلين الحكوميين والمؤسسات الوطنية، وفي هذا الإطار، منح الاتحاد الأوروبي غلافا ماليا في إطار برنامج جنوب “تعزيز الإصلاح الديمقراطي في دول جنوب المتوسط” بغية تنفيذ أربعة أهداف، المنصوص عليها في خطة العمل المشارة إليها أعلاه، تهم إصلاح منظومة القضاء، مكافحة الرشوة وتبييض الأموال (الحكامة الجيدة)، حماية حقوق الإنسان وتعزيز قيم الديمقراطية، كما منحت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وضع “شريك من أجل الديمقراطية” للبرلمان المغربي في 21 يونيو 2011 بستراسبورغ، على هذا الأساس، أصبح البرلمان المغربي أول برلمان يحظى بهذا الوضع الذي تم إحداثه، من طرف الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، قصد تطوير التعاون مع برلمانات الدول الغير الأعضاء من المناطق المجاورة بغية تعزيز الممارسة الديمقراطية.
ويسمح وضع هذه الشراكة من أجل الديمقراطية للبرلمانيين المغاربة بأن يشغلوا مقاعد في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، وبالتالي المشاركة في أشغال دورات الجمعية، دون الحق في التصويت، وكذا حضور اجتماعات اللجان التابعة للجمعية، وذلك بهدف تعزيز النقاش في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

هشام رحيل : «على الدبلوماسية الموازية اختراق القرار السياسي الأوربي وتجاوز ردود الفعل الموسمية»

  • بداية، وفي سياق التفاعل مع الأزمة التي أحدثها قرار المحكمة الأوربية بخصوص استيراد المنتوجات الفلاحية من الأقاليم الصحراوية، ما تعليقكم على قرار المحكمة وحيثياته؟

أولا، لا يمكن أن نتحدث عن أزمة فعلية أو حقيقية مع الاتحاد الأوربي، لكون القرار الصادر عن المحكمة هو قرار قابل للطعن والمراجعة، ثم إن ميزة الدبلوماسي الأساسية هي التفاؤل وعدم إغلاق الأبواب أمام أي مفاوضات جديدة أو ترتيبات سياسية من شأنها أن تفتح الأبواب الموصدة واختراق المواقف المتشددة. ويجب أيضا استحضار دور المغرب المهم في معادلات الأمن والاقتصاد في منطقة البحر المتوسط وشمال إفريقيا وفي إفريقيا جنوب الصحراء.
فعلا هناك لوبي لخصوم وحدتنا الترابية يشتغل لمضايقة مصالح المملكة مع شركائها الأوربيين، لكن في نظري هذه تبقى جولة في نزال مرير وطويل يستطيع المغاربة أن يغيروا فيه النتائج لصالحهم إذا تم اعتماد دبلوماسية هجومية واستباقية كما قال جلالة الملك محمد السادس في أحد خطبه السامية.
أما بخصوص قرار المحكمة الأوربية، فلم يكن متوازنا وكان منحازا وغير واقعي، لكون الأوربيين يعلمون تمام العلم أن المغاربة لا يمكنهم أن يتخلوا عن شبر من صحرائهم وغير مستعدين للمساومة بهذا الخصوص. وعلى الأوربيين أن لا يتناسوا موقف المغرب أخيرا لحماية أمن أوربا، وما عليهم إلا أن يتعاملوا معنا على أساس ما نقدمه لهم من تعاون في هذا المجال.

  • ولكن هناك من يتحدث عن وجود فراغ يجب تداركه في تحركات الدبلوماسية المغربية، في اعتقادك، هل يتطلب الأمر تغيير أسلوب العمل الدبلوماسي مع أوربا، خاصة في ظل التعثرات الأخيرة؟

في اعتقادي أن الدبلوماسية لها عدة مستويات ومفاهيم يجب أن تحدد بدقة، ففي ما يخص الدبلوماسية الرسمية، فهي موكولة للدولة ولأجهزتها الرسمية، إذ تشتغل بإمكاناتها الخاصة وبطرقها المعهودة. ما يهمني هو عملنا نحن كمغاربة محبين لهذا الوطن ومدافعين عن مصالحه، من خلال الدبلوماسية الموازية التي أصبحت أكثر أهمية وأكثر تأثيرا على المستوى الدولي، نظرا لسرعتها في الحركة ولتحررها من الرسميات وحريتها في تداول جميع الموضوعات، ونظرا كذلك لشساعة مجال مناوراتها ومواضيعها. فمثلا للبرلمانيين كمشرعين وممثلين للأحزاب السياسية، مجال خصب للتعاطي الدبلوماسي مع نظرائهم الأوربيين، والشيء نفسه بالنسبة لرجال الأعمال والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني. كلها بنيات يجب أن تشتغل في مواضيع محددة ومنسقة مع الخارجية المغربية، قصد اختراق القرار السياسي الأوربي والإعلام الغربي عموما من بوابات متعددة. يجب أن يكون لهذه الهيئات تواجد شبه دائم وضاغط بالعواصم الأوربية المؤثرة من قبيل بروكسيل مثلا، وذلك عبر إعداد لقاءات تواصلية مع الشخصيات العمومية والإعلامية، وكذلك من خلال تنظيم ندوات ثقافية وعلمية متعلقة بالعلاقة مع المغرب، إضافة إلى التقرب من الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان الأوربي ومن اللوبيات المقربة من هذه الأحزاب بغية تشكيل نواة ضاغطة في أوربا.

  • بمناسبة الحديث عن الدبلوماسية الموازية، خصوصا في العواصم الكبرى، شاركت أخيرا في عدة أنشطة تدخل في إطار الدبلوماسية الموازية، هل يمكنك أن تعطينا توضيحات حول هذه الأنشطة؟

في الحقيقة ليس من شيمي أن أتحدث عن مثل هذه الأنشطة التي تهدف لخدمة بلادنا في مجال الدبلوماسية الموازية، ولكن لا بأس من توضيح بعض الأمور. هذا النشاط المنظم في بروكسيل بداية الشهر الجاري كان عبارة عن ندوة علمية ذات مستوى عال ينظمها «materns center» وهو عبارة عن خلية للتفكير تابعة للحزب الشعبي الأوربي الممثل في البرلمان الأوربي. ومن أهم المواضيع التي تناولها هذا المنتدى، الأمن والعلاقات الاقتصادية وكذلك التغيرات المناخية، وحضرته شخصيات أوربية يمينية مهمة وشخصيات إعلامية ذات وزن في الإعلام الغربي. وحضرت لهذا المنتدى عن حزب الحركة الشعبية الذي يعمل منذ مدة طويلة في الدبلوماسية الموازية، الشيء الذي مكن حزبنا من خلق روابط وصداقات أوربية مميزة، وقدمت مداخلة تم التفاعل معها من قبل الحاضرين بشكل إيجابي، وتم تداولها في الإعلام الأوربي، مثل جريدة «neueurope» وبعض القنوات الإخبارية.

  • هل تناولت العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوربي، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة الأوربية؟

تمحورت مداخلتي حول عدة نقاط، أهمها إبراز النموذج المغربي في التعايش وتدبير التنوع الثقافي، وكذا البرامج الهادفة لتكوين الخطباء والأئمة في المغرب وفي إفريقيا، كخطوة استباقية للتصدي للفكر المتطرف والإرهاب، والتي دشنها جلالة الملك منذ مدة.
وفي سياق آخر، تناولت موضوع العلاقات الاقتصادية بين المغرب وأوربا وضرورة إعطاء الأهمية للعامل الثقافي في هذه العلاقات، لكونه فاعلا من شأنه أن يخلق التوتر في حال ما إذا تم تجاهله في جميع المبادلات بين الضفتين. إضافة إلى ذلك، يعد العامل الثقافي أحد ضمانات الاستقرار والأمن، وأنه بدون أمن ليس هناك استثمار أو إنتاج اقتصادي.
هذا ولم يفتني أن أتحدث عن النزاع المفتعل حول صحرائنا وتأكيد أن أوربا ملزمة بتحمل مسؤولياتها في التعاطي الإيجابي مع موقف المغرب، لأنه في استمرار هذا النزاع لا مصلحة لأوربا لارتباط أمنها بأمن المغرب بشكل أو بآخر. وتحدثت أيضا عن التنظيم المشبوه مايسمى بـ«البوليزاريو» الذي أصبح يشكل نواة لبيع الخبرات في مجال تدريب الإرهابيين والمهربين وتجار السلاح، وضرورة التعامل مع هذا التنظيم على هذا الأساس وليس على أساس منظمة تحررية. هنا يرتكب الأوربيون خطأ فادحا بعدم تمييز للمغرب باعتباره دولة مستقلة ومتعاونة، وتعاملهم مع تنظيم مجهول الهوية والأهداف.

  • ما هو تصوركم لمستقبل العلاقات بين المغرب وأوربا؟

كما سبق أن قلت، العمل الدبلوماسي يقتضي التفاؤل والتشبث بالحق والصبر. لذلك أرى أن هذه مجرد سحابة صيف عابرة، لكني أنبه إلى ضرورة تقوية وتنظيم بنياتنا ووظائفنا الدبلوماسية الموازية وتعزيز صفوفنا كمغاربة غيورين على وطنهم كل من موقعه، حتى يصبح عملنا الدبلوماسي الموازي مؤسساتيا وليس مجرد ردود فعل موسمية على قرارات قد تنتج من حين لآخر.

3 أسئلة لـ”الموساوي العجلاوي” : «الدبلوماسية المغربية بحاجة إلى هندسة جديدة وإنتاج فكري»

  • ما هي أعطاب الدبلوماسية المغربية؟

إن الإشكال ليس في الدبلوماسيين ولا في الوزراء والمسؤولين المغاربة، أو حتى في ممثلي الدبلوماسية المغربية في الدول الأوربية أو غيرها، وأقصد هنا في الأشخاص، لأنه ولو تغير المسؤولون الدبلوماسيون، حتى بوزارة الخارجية، ستظل نفس الإشكالات في العلاقة بين المغرب ودول الاتحاد الأوربي، لأن الإشكال الحقيقي هو أن وزارة الخارجية في حاجة إلى هندسة جديدة تعطي للموارد البشرية الحرية في التصرف وأيضا في المبادرة بالقرار من موقع الأزمة.
ويجب تسجيل في هذا الجانب، أن هناك تفاوتا بين المبادرة والقرار، وبين الفعل ورد الفعل، ما يفوت على المغرب عددا من النقط التي يمكن أن تسجل لحسابه، لذلك فجزما المشكل ليس في الأشخاص، بقدر ما هو في البنية الهيكلية للدبلوماسية المغربية، التي كما قلت في حاجة إلى هندسة بنيوية جديدة تتيح مردودية أكبر، وإذ ذاك مهما يكن من يتولى المسؤولية الدبلوماسية من أي موقع ستكون مردوديته أكبر، والقدرة على إصدار قرارات والتفاعل مع الملفات المهمة والمؤثرة أكثر وأسرع، وبالتالي فالعوز الحقيقي الذي يطبع الدبلوماسية المغربية يكمن في هندستها.

  • هل هذا يعني أن البنية الإدارية للدبلوماسية المغربية أصبحت متجاوزة؟

  بطبيعة الحال، فنحن بحاجة إلى مقاربة جديدة، وإعادة تشكيل جديد للسياسة الخارجية المغربية، وأيضا مازلنا بحاجة إلى إمكانيات مهمة والتي بدونها يصعب الحديث عن العمل الدبلوماسي، كما أننا بحاجة أيضا إلى إنتاج فكري قادر على مواكبة الفعل الدبلوماسي للمواقف السياسية الدولية، وهي الأمور الغائبة التي تفسر بعض المواقف الصادرة عن البرلمان الأوربي والمحكمة الأوربية.
في المقابل، ما يهم في الاتحاد الأوربي، ليس قرار المحكمة الأوربية ولا قرار البرلمان الأوربي، والذي يتكون من تشكيلات سياسية منها اليسار والخضر وغيرهما، والذين يكونون متأثرين بضغط لوبيات تبحث عن تغذية اتجاهات معينة، إلا أنها عموما غير مؤذية لكونها تدخل في إطار الديموقراطية الأوربية الداخلية، والتي لها الحق في إبداء الرأي والتصويت، لكن الأهم من هذا هو قرار المفوضية الأوربية، والتي تدخل في قرار الحكومات الأوربية وتكون مؤثرة على موقف تلك الحكومات، وكل هذه المواقف لا يجب التعامل معها بدون تشنج.

  • كيف يمكن للمغرب استغلال توجه أوربا لطلب عونه في الحرب على الإرهاب، من أجل توجيه المواقف الأوربية في عدد من الملفات؟

  هذا هو بيت القصيد، لأن المواقف السياسية للدول والاتحادات تنبني على مبدأ المصلحة أولا، وهو ما يفسر مواقف المفوضية الأوربية في إسناد الدعم للمغرب، وهو أيضا ما تجلى من خلال البيانات الأخيرة للحكومة السويدية والحكومة الإسبانية، اللتين تطمئنان إلى ثبات مواقفهما من الوحدة الترابية للمملكة.
وبالرجوع إلى الوضع الإقليمي، واعتبار المغرب مشكلا للاستثناء من بين باقي الدول، في فضاء إقليمي خاص يتميز بتنامي ظاهرة الإرهاب والجماعات المسلحة، نجد أن المغرب هو الأرض المطمئة والمستقرة في منطقة الساحل والصحراء، كما أن مقاربة المغرب الأمنية والمتعددة المداخل لقضايا الإرهاب، وأكثر من هذا الدور الذي يضطلع به المغرب في حماية الأمن الأوربي الاستراتيجي، هو ما تفهمه أوربا بكون مصلحتها في تقوية العلاقة الأمنية مع المغرب، والتي تعتبر الورقة الرابحة الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى