الرأي

أمريكا تخشى من حرب تركية روسية وشيكة.. فهل مخاوفها هذه مشروعة؟

حالة الغضب التي تسود قيادة التحالف السعودي التركي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، والممزوجة بخيبة الأمل، يمكن أن تلخص ليس أحدث فصول المشهد السوري فقط، وإنما «الشرق أوسطي» برمته، وتؤشر لتطورات خطيرة في المرحلة المقبلة، وقد تكون «مرعبة» وحافلة بالمفاجآت غير السارة، بل والمؤلمة أيضا.
الرئيس رجب طيب أردوغان غاضب لأن أمريكا تدعم وحدات حماية الشعب الكردي التي يعتبرها «إرهابية»، وزاد غضبه عندما شكك جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، بالرواية الرسمية التركية، التي تلقي باللوم على هذه الميليشيات الكردية، وتتهمها بالمسؤولية عن تفجير أنقرة الانتحاري، يوم الأربعاء الماضي، الذي أدى إلى مقتل 28 شخصا، واستهدف منطقة محاذية للبرلمان وقاعدة للجيش.
القيادة السعودية غاضبة، بل يتطاير الشرر من أعينها لأنها أعلنت عن استعدادها لإرسال وحدات برية لقتال «الدولة الإسلامية» في سوريا، شريطة أن تكون تحت قيادة أمريكية، وقوبل هذا العرض غير المسبوق ببرود أمريكي، ورد استفزازي يقول: «لا شكرا.. لن ننجر إلى حرب مع روسيا بسببكم.. تفضلوا أرسلوا هذه القوات وقودوها وتحملوا النتائج»، فذهبت هذه القيادة (السعودية) خطوة أبعد تعبيرا عن إحباطها من الموقف الأمريكي بالتلويح باستعداد آخر، أي تزويد المعارضة السورية المسلحة بصواريخ مضادة للطيران، لتغيير موازين القوى على الأرض التي اختلفت لصالح النظام في الشهرين الماضيين، فجاء الرد الأمريكي سريعا. «شكر الله سعيكم.. ولكن إياكم أن تفعلوا ذلك، سورية ليست أفغانستان، وهذه الصواريخ هي صواريخنا في الأساس، وعقد شرائها يحتم عليكم عدم إعطائها لأي طرف ثالث دون أخذ موافقتنا»، فبلع السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، لسانه، وربما يبحث حاليا عن تصريحات صقورية جديدة، خاصة أن جعبته باتت فارغة، لدرجة أنه أصبح يتحدث في شؤون النفط، وسير المعارك في اليمن، وهما ليسا من اختصاصه.
هذا الإحباط التركي السعودي من الطبيعي أن ينعكس على المعارضة السورية التي يدعمها هذا التحالف، وظهر ذلك بشكل جلي من إعلان السيد رياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للإشراف على المفاوضات (أين هي؟) أن المعارضة مستعدة لقبول هدنة، أو وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أسابيع، ودون أن يطلب منه أحد ذلك، ومن سوء حظه أن المشاورات التي كان من المفترض أن تتم، أخيرا، في جنيف بين مسؤولين روس وأمريكان من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار تأجلت، ودون تحديد أي موعد جديد.
أسباب التأجيل غير معروفة، ولكن يمكن التكهن بأنها عائدة إلى تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين، عبر متحدث باسمه، أن قواته وطائراته في سورية ستستمر في محاربة الإرهاب دون هوادة، وأن التفاوض، أو وقف إطلاق النار لا يعني وقف الحرب على الجماعات الإرهابية، لأنها ليست جزءا من أي اتفاق هدنة.
الحرب التي يخشاها الجميع، ويحسبون لها ألف حساب في الغرب متوقعة، وقد تنفجر في أي لحظة بين روسيا وتركيا، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، إلى الاتصال هاتفيا بالرئيس أردوغان طالبا منه التهدئة وضبط النفس، وربما حذره بأنه إذا ما قرر خوضها، لن يجد حلف «الناتو» يقف خلفه، ويقدم له الدعم، كما اتصل بالمعية بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، طالبا الشيء نفسه، وإيصال رسالة مفادها أن بلاده لن تنجر إلى المستنقع السوري، وتنخرط في حرب عالمية ثالثة، فسورية ليست أغلى من أوكرانيا وأهلها، ذوي العيون الزرق والبشرة البيضاء، بل الناصعة البياض.
ما يرفض الرئيس أردوغان فهمه والتسليم به، أن أمريكا بصدد تعديل اتفاقات سايكس بيكو، وإكمال النقص فيها، فإذا كانت الأولى مهمة لقيام دولة إسرائيل، فإن الثانية تريد إقامة اتحاد فيدرالي كردي على طول الحدود السورية التركية، يصل حتى العراق وديار بكر، فالأكراد حلفاء أصليون لأمريكا، وخاضوا جميع حروبها، بما فيها الحرب لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين سابقا، والحرب ضد «الدولة الإسلامية» حاليا، والدور التركي في محاربة الخطر السوفياتي في إطار حلفاء «الناتو» انتهى بسقوط هذا الخطر وإمبراطوريته، ومعها حلف وارسو الذي انتقل إلى رحمة التاريخ.
الحل السياسي للأزمة السورية تبخر، ومحاولة إسقاط النظام ورئيسه تراجعت، إن لم تكن فشلت، وسياسة الاحتواء الأمريكي انهارت، وأدى التردد الأمريكي إلى خلق فراغ سياسي وعسكري كبير ملأته الميليشيات السنية، والشيعية، والجهادية، والآن الكردية، علاوة على روسيا الدولة العظمى الصاعدة.
لا نعتقد أن أمريكا تعارض الحرب بين روسيا وتركيا، ولا نبالغ إذا قلنا إنها تتمناها، لأنها تعني إضعاف عدوين، أو قوتين غير صديقتين، إحداها عالمية، والثانية، إسلامية طموحة، خرجت عن كل الخطوط الحمراء الغربية في محاولتها إعادة بعض الخلافة العثمانية التي وصلت قواتها إلى قلب فيينا.
أردوغان يهدد بإغلاق قاعدة أنجرليك الجوية في وجه الطائرات الأمريكية، ويخير واشنطن بينه وبين الأكراد، مما يعكس حالة من القلق والارتباك، فالغرب لا يفضل مثل هذه المفاضلة، وإذا أجبر عليها فإنه سيختار الأكراد، ألم يختر إسرائيل ويفضلها على 22 دولة عربية تملك ثلثي احتياط النفط في العالم، وأكثر من 400 مليون مواطن؟
الأيام المقبلة خطرة.. ومعدلات التوتر في تصاعد مسعور.. والحرب بين تركيا وروسيا أكثر القنابل الموقوتة اقترابا من الانفجار.. وهو انفجار سيغير وجه تركيا والمنطقة بأسرها إذا حدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى