الرأي

أين العقلاء والراشدون؟

أغلب الظن أنها مصادفة، أن يزور الرئيس الإيراني حسن روحاني سلطنة عمان والكويت، يوم الأربعاء 15 فبراير الجاري، وهو اليوم نفسه الذي أجرى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي مباحثاته في واشنطن مع الرئيس الأمريكي الجديد.
ورغم أن ذلك لم يكن مرتبا، إلا أن ثمة علاقة بين الزيارتين. فإيران تستشعر أنها مستهدفة من جانب الرئيس الجديد، الذي أصبح يتصيد لها ويريد أن يوقع بها في أي فرصة.
ونتنياهو لم يتخل عن سعيه إجهاض المشروع النووي الإيراني.
وفي الوقت ذاته فإن طهران خسرت العلاقة مع دول الخليج، فضلا عن أغلب الدول العربية الأخرى، وبالنتيجة فإن الخليج وجد نفسه مصطفا إلى جانب إسرائيل في مواجهة إيران، واستغلت تل أبيب ذلك الاصطفاف لتدعى أنها أصبحت تقف إلى جانب دول الاعتدال السني في مواجهة المد الشيعي. وأن العالم العربي أدرك أن الخطر الذي يهدده مصدره إيران وليس إسرائيل. وهو خطاب انطلى على قطاعات لا يستهان بها في المشرق العربي، فضلا عن أنه يطرب كثيرا الرئيس الأمريكي الجديد وإدارته.
إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد تطلع إلى لقاء الرئيس الأمريكي كي يختبر وعوده إحداث «نقلة تاريخية» في مسيرة إسرئيل، فلست أشك في أن الرئيس روحاني كان متطلعا بدوره لزيارة الخليج لوصل ما انقطع مع طهران ومحاولة ترميم الجسور مع دول الخليج جراء ما وصفه بـ«فوبيا إيران والشيعة».
وإذا كانت عوامل نجاح زيارة نتنياهو مرجحة، لأن الأرض ممهدة له وأبواب واشنطن مفتوحة أمامه على مصراعيها. إلا أنني أزعم أن طريق طهران إلى الخليج حافل بالأشواك والألغام، لذلك فإنني أشك كثيرا في أن زيارة الرئيس روحاني يمكن أن تحقق مرادها قبل إزالة تلك الألغام، أو البدء فيها على الأقل.
أدري أن ذلك ملف كبير حافل بالفصول والتحفظات، وأن الكلام فيه يطول، لكن هناك نقاطا أساسية يتعين وضعها في الاعتبار عند التفكير في الموضوع هي:
< أكرر الدعوة إلى ضرورة التفرقة بين السياسة الإيرانية والمذهب الشيعي، إذ لنا أن نختلف مع الأولى ونخاصمها، إلا أننا نرتكب خطأ جسيما إذا استسلمنا لدعوات الغلاة الذين يريدون تحويلها إلى حرب مقدسة ضد الشيعة، تعيدنا إلى الصراعات التاريخية بين الصفويين والعثمانيين.
< إن إسرائيل تظل العدو التاريخي والاستراتيجي للأمة العربية، ليس فقط لاغتصابها فلسطين، ولكن أيضا لأنها تمثل رأس حربة للهيمنة الغربية التي تستهدف استمرار إخضاع العالم العربي وتكريس تبعيته لسلطانها.
< إن ثمة أخطاء متبادلة بين بعض الدول العربية وإيران، إلا أنني أزعم أن أخطاء طهران أكبر وهو ما تمثل في أمرين:
أولهما السعي إلى التمدد في العالم العربي على نحو هدد بعض دوله (العراق وسوريا والسعودية مثلا). وثانيهما التخلي عن مبادئ الثورة الإسلامية لصالح التطلعات الإقليمية.
وقد ذكرت في مقام سابق -في طهران وفي بعض الكتابات- أن الثورة الإسلامية أسقطت الشاه في إيران، ولكنها بعد ربع قرن ذهبت إلى سوريا لكي تقتل السوريين وهي تدافع عن شاه آخر.
< إن التمدد الإيراني في العالم العربي يتحمل قدرا من المسؤولية عن تيسير الاختراق الإسرائيلي لبعض الأنظمة العربية.
ولعب التدخل في اليمن دورا حاسما في ذلك، لأنه بمثابة تهديد مباشر للسعودية. وكان ذلك التهديد هدية قدمتها إيران إلى إسرائيل.
< أخيرا، فإن ذلك الملف لا ينبغي أن يظل مغلقا أو محظورا. لأنه لا توجد في التاريخ معارك سياسية أبدية، وعند العقلاء والراشدين فإن الصراع مع الأشقاء والجيران هو نوع من الانتحار، الكل فيه مهزوم في نهاية المطاف. إن لم يكن عسكريا فتاريخيا.
الأمر الذي يطرح السؤال التالي: أين هؤلاء العقلاء والراشدون على الجانبين؟ ولماذا لا يسمع لهم صوت يصلح ما فسد في علاقات الأشقاء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى