الرئيسية

إلى السيد وزير العدل والحريات.. الموقع الإلكتروني للوزارة لا يليق بنا

أعلنت وزارة العدل والحريات مؤخرا عن تجديد موقعها الرسمي، كما أعلنتم السيد وزير العدل والحريات أن تحديث الموقع كان بتكلفة صفر درهم؛ لنكن واضحين صادقين سيدي الوزير ولنفصل الأمور وأتمنى أن تكونوا ذوو صدر رحب لتَقَبُّل ملاحظاتي التي يمكن أن تكون صائبة، أو يمكن أن تكون خاطئة.
سبق معالي الوزير أن راسلتكم بمقتضى مقال مفتوح ضد موقع الوزارة بتاريخ 29 ماي 2014 عبر موقع MarocDroit.com وعبر عدد من المنابر الإخبارية تحت عنوان «مقال مرفوع إلى السيد وزير العدل والحريات» التمست منكم من خلاله السهر على بلورة خطة عمل تهدف إلى الرفع من القيمة العلمية وكفاءة أداء الموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات بالمغرب.
وفي يوم الخميس 18 يونيو 2015 تم إطلاق نسخة جديدة للموقع بالموازاة مع إطلاق خدمة تطبيق الخدمات القضائية الإلكترونية، وبعد تثمين عدد مما أطلقتموه من خدمات إلكترونية، أود تنبيهكم إلى أن الموقع الإلكتروني للوزارة لا يليق بنا كدولة تظل أجهزتها تتحدث وبقوة على أننا دولة فتحت ورش إصلاح منظومة العدالة، بل والأكثر من ذلك تلقت دعما خارجيا في سبيل تحقيق هذا الإصلاح.
قبل كل شيء أود أن أشرح لكم سيِّدي الوزير أن إعادة هيكلة تصميم الموقع الذي بشرتمونا أنه كان بصفر درهم هو أصلا من الأمور التي لا تتطلب مبالغ مالية كبيرة لإنجازها، وأود أن أصحح لكم فقط أنه لم يتم بكلفة صفر درهم فمن خلال صفحتكم على الفايسبوك قلتم بالحرف «تم بحمد الله وتوفيقه إطلاق الموقع الجديد لوزارة العدل والحريات بصفر درهم واعتمادا على كفاءات الوزارة»، فهل وقت تلك الكفاءات التي تم الاعتماد عليها ليس وقتا مؤدى عنه؟ فتلك الكفاءات لها رواتب وتعويضات وأي عمل تقوم به يعتبر من قبيل العمل المؤدى عنه، على أي لن أطيل في هذه النقطة لعدم أهميتها، وكانت إشارتي إليها فقط قصد تدقيق الأمور، ولتذكيركم أنه يمكن خداع البعض لبعض الوقت، ويمكن خداع الكل لبعض الوقت، لكن لا يمكن خداع الكل كل الوقت؛ وللدعوة للابتعاد عن الإشهار السياسي في مثل هذه الأمور، لأنكم وزير العدل تعلمون معنى ومقام وزير العدل، إنه ذاك الذي سُمِّي يوماً بحارس الأختام.
معالي الوزير أبدأ بالشعار الذي تم اختياره ليعلو الموقع من خلال يافطته (Bannière) وهو كالتالي: «القضاء في خدمة المواطن» فلتسمحوا لي لأتجرأ نوعا ما وأقول أن هذا الشعار يوحي لي أن الأمر لا يخرج عن 3 احتمالات:
• الأول: أنه وُضع عن سوء نية في زمن يشهد تجاذبات عدة بخصوص استقلال السلطة القضائية.
• الثاني: أنكم كسلطة مكلفة بالعدل غير فاهمين لمعنى العدل وهذا أمر مستبعد طبعا مادمتم محاميا.
• الثالث: أنكم غير مستوعبين أن الموقع عبارة عن بوابة تعبر عن مواقف وسياسة الوزارة، وبالتالي لم تراقبوا بذكاء وبتركيز ما يتضمنه هذا الموقع من شعارات.
إن الشعار المنطقي الذي يجب أن يعلو يافطة موقع وزارة العدل والحريات هو «العدل في خدمة المواطن» لا القضاء في خدمة المواطن، فأنتم لستم على رأس سلطة مكلفة بالقضاء بل سلطة مكلفة بجميع مهن العدالة.
إن الذي يليق بنا السيد الوزير أن يكون لنا موقع يحترم المغاربة وليس موقعا نزفُّه على أنه تم تنسيق محاوره بصفر درهم، إن الذي يليق بنا موقع يكون متفاعلا بشكل حقيقي وليس موقعا نقرأ فيه البيانات والإعلانات بعد مرور أيام من نشرها في مواقع خاصة، ولي في الإعلان عن مباراة الملحقين القضائيين الأخيرة أكبر دليل حيث علم جميع المهتمين بالإعلان عن المباراة، ولم يتم الإعلان عنها عبر الموقع إلا بعد مرور يومين أو أكثر من يوم العلم بها وانتشارها على صفحات الفايسبوك.
وأذكر يوم الإعلان عن نتائج امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة (دورة 01 مارس 2015) ظل الكثيرون لساعات طوال يتعذر عليهم تحميل مطبوع النتائج، وكأن الأمر يتعلق بموقع لا إمكانيات له لتلقي زيارات عدة في وقت واحد لتحميل أحد منشوراته !!!
وحتى بالنسبة للبيانات التي يتم نشرها عبر الموقع الرسمي للوزارة لتوضيح وقائع تنشرها الجرائد الخاصة الورقية منها والرقمية، وهي وقائع تستلزم بيانات مكانها الطبيعي هي الجريدة الناشرة للواقعة أو جرائد موازية؛ فحتى هذه البيانات وعلى فرض صوابية تصريفها عبر الموقع الرسمي للوزارة، فإنه يسجل عدم نشرها في الموقع إلا بعد مدة من تعميمها عبر المواقع الخاصة، كما أن المنطق يفرض نشر جميع البيانات التي يتم بلورتها، وليس الإعلان عن بعضها عبر الموقع والبعض الآخر عبر إرسالها بشكل مباشر للإعلام الخاص دون نشرها عبر الموقع؛ إن الذي يهمنا هو ألاَّ يكون للموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات صفر اهتمام، وليس أن يكون قد تم تجديده بصفر درهم.
كل هذا من جانب ما هو شكلي، وأنتم تعلمون أهمية الجانب الشكلي في أبحاث الباحثين ومذكرات المحامين وأحكام القضاة، فكان من اللازم إثارته في هذا المقام.
أما من ناحية ما هو موضوعي أخاطبكم السيد الوزير من منطلق باحث في العلوم القانونية ومتتبع لجميع جزئيات إصلاح منظومة العدالة، وكل المشاريع والمسودات التي تهدف إلى تحديث منظومة العدالة؛ أكتب لكم اليوم لأشرح لكم ما لا تريدون فهمه، أو ما لم تستطيعوا استيعابه على ما يبدو من خلال عدد من مضامين مسودة القانون الجنائي التي تطاولت على تنظيم التواصل الإلكتروني بعقلية تعاني من الفجوة الرقمية؛ أكتب لكم لأقول إن موقع الوزراة بالرغم من أن الذين كلفوا بإعادة هيكلته كانوا موفقين إلى أبعد الحدود في صنع موقع راق من حيث الجمالية، إلا أنه تغيب عنه الكفاءة العلمية، فأين الأعمال التحضيرية لجميع المشاريع التي طرحتها الوزارة، أين تقارير مجموع النقاشات والندوات التي نظمتها الوزراة، أين الوثائق التي توثق مسار إعداد النصوص القانونية، أين أنتم من موقع وزارة العدل الفرنسية التي تفرض علينا كباحثين مغاربة في العلوم القانونية الرجوع إليها لفهم عدد من نصوصها القانونية. تعاندون الدولة الفرنسية في مسألة كيفية تطبيق اتفاقيات التعاون، فلتكونوا معاندين لها أيضا في المستوى العلمي للمعلومة القانونية والقضائية التي يقدمونها.
هل تعلمون السيد الوزير أن جميع النقاشات السابقة للإصلاح الجنائي الذي شهده النظام القانوني الفرنسي انطلاقا من السنة الماضية قد تم نشرها عبر الموقع الرسمي لوزارة العدل الفرنسية، نعم جميع النقاشات تم نشرها مكتوبة وبالصوت والصورة، ولم يكتفوا بنشر مداخلة الوزير فقط، إنها وزارة تحترم مواطنيها وتحترم الباحثين الأكاديميين منهم، ولا ينحصر همها في تصريف مواقف الوزير فقط.
أتدرون لم أخاطبكم؟ لأن جنابكم ينتمي لحزب حاكم صدَّقناه عندما أوحى لنا أنه سيقود حكومة ستأخذ على عاتقها تنزيل النظريات الراقية للإصلاح التي تم الإعلان عنها بالموازاة مع الحراك المغربي سنة 2011 والذي شهدنا شخصكم خلاله فاعلا ذا مطالب حقوقية جريئة ومتقدمة.
أخاطبكم لأنني أطالع بشكل يومي موقع الوزارة، وحيث إن الأمر كذلك؛ وحيث إن التغيير الأخير لم يكن في المستوى المطلوب فإنني أعدت تركيب الكلمات وفق ما أرغب أن يكون عليه الموقع، ووفق ما التمسته منكم منذ سنة.
إنه من باب أولى يجب أن يرسم موقع الوزارة معالم الطريق لجيل يدرس القانون ويعتمد بشكل قوي في معاملاته وتصرفاته وتكوين ثقافته على الأنترنت، إن المعول عليه أن يكون الموقع طريقا معبدا لاكتساب ثقافة قانونية دينها وديدنها الدقة والوثوقية والتجدد.
وحيث إنني لا أسعى إلاَّ إلى الإسهام في النقاش العام من أجل الطموح المشترك في تحقيق مغرب ممكن، وتكريس دولة الحق والقانون، فإنني أود أن أؤكد لكم أن الموقع الحالي لا يرقى إلى مستوى مساهمته في تنمية البحث العلمي في مجال العلوم القانونية، ولا يرقى إلى مستوى الإعلان عنه ضمن أشغال ندوة صحفية.
إن المغرب اليوم يتوفر على قواعد دستورية تؤصل للحق في المعلومة ولِحَقِّ الشباب في المساهمة في صناعة وتتبع وتقويم السياسات العمومية، إلا أن بلورة موقع الوزارة تمت بشكل بعيد جدا عن هذا الواقع. عذرا لتطاولي لكنكم صدقا لم تكونوا على قدر أهل العزم في مسألة إيجاد موقع إلكتروني لوزارة العدل والحريات ذا مستوى علمي عال، ولم تكونوا في مسألة نشر المعلومة القانونية والقضائية من الذين يمكن أن نقول في حقهم على قدر الكرام تأتي المكارم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى