شوف تشوف

الرأي

اتفاق الهدنة الأمريكي الروسي في سوريا ما زال غامضا

اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الأمريكان والروس، وأعلنوا بعض تفاصيله أول أمس، يبدو ظاهريا أنه يحقق للسلطات السورية في دمشق كل ما تتمناه، أي تثبيت المكاسب التي حققها الجيش النظامي على الأرض في الأسابيع الأخيرة في مناطق الشمال الغربي (حلب وريفها)، والجنوب (درعا والقنيطرة)، بينما لم يعط الحليفين التركي والسعودي إلا القليل، فلا المنطقة العازلة أقيمت، ولا المعارضة حصلت على أسلحة نوعية مثل صواريخ مضادة للطائرات من الرياض، تغير موازين القوى على الأرض، ولا مخططات إرسال قوات برية بقيادة أمريكية حظيت بالتطبيق العملي.
القيادة الروسية نجحت في فرض شروطها على نظيرتها الأمريكية، بما في ذلك استثناء «جبهة النصرة» من الاتفاق، ووضعها في خانة واحدة مع «الدولة الاسلامية» باعتبارهما «منظمتين إرهابيتين».
اتفاق وقف إطلاق النار تعثر الأسبوع الماضي، حسب بعض المعلومات، لأن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أراد بضغط من السعودية وتركيا استثناء «جبهة النصرة» من الغارات الجوية الروسية، وضمها إلى الحركات الجهادية «المعتدلة»، ولكن نظيره الروسي سيرغي لافروف رفض هذا الطلب، مما أدى إلى انهيار مفاوضات جنيف الجمعة الماضي بين الطرفين حول هذه المسألة.
التفجيرات الانتحارية التي نفذتها خلايا تابعة لـ«الدولة الاسلامية» في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق، والأخرى التي استهدفت مدينة حمص، وأوقعتا مجتمعتين أكثر من 150 قتيلا، قد تكون لعبت دورا كبيرا في التعجيل بالاتفاق، لإبرازها خطورة هذا التنظيم وأذرعته الضاربة في العمق السوري.
رفض الإدارة الأمريكية المزدوج لقيادة قوات برية تتدخل في سورية تحت عنوان محاربة «الدولة الاسلامية»، وتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية، خشية تسربها إلى «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة»، وحركات أخرى مشابهة تستخدمها ضد طائرات مدنية أو حربية، روسية وأمريكية واسرائيلية لاحقا، ربما جاء لتجنب إجهاض مبكر للاتفاق، وعدم استفزاز القيادة الروسية بالتالي، وهذا ما يفسر التصريحات التي أدلى بها السيد مولود جاويش أوغلو يوم الاثنين، وأكد فيها أن إمكانية شن عملية برية تركية سعودية مشتركة في سورية «ليست على جدول الأعمال»، مشددا على «أن أي حركة في هذا الاتجاه يجب أن تكون جماعية»، مما يعني أن واشنطن نجحت في «لجم» حليفيها السعودي والتركي، والحد من اندفاعهما.
الرئيس السوري بشار الأسد ربما كان مطلعا على مثل هذه التطورات دون أدنى شك، عندما قال «إن التفاوض شيء، واستمرار الحرب على الارهاب شيء آخر، ولا تعارض بين الاثنين ويجب أن يستمرا في الوقت نفسه، فمن الواضح، ومن خلال التفاصيل القليلة المسربة عن اتفاق الهدنة، أن الطائرات الروسية المدعومة بقوات الجيش العربي السوري على الأرض ستستمر في شن غاراتها ضد مواقع تابعة لـ«جبهة النصرة» و«الدولة الاسلامية» في شرق وغرب سورية، كما سيستمر الحصار المفروض حاليا على معظم مدينة حلب، والشيء الإيجابي الأبرز سيتمثل في إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين.
السؤال الذي يطرح نفسه هو حول فرص نجاح هذا الاتفاق في الصمود على الأرض، وفي ميادين القتال من عدمه، والسيناريوهات العسكرية والسياسية التي ستترتب عليه، أو في مرحلة ما بعد نجاحه، أو انهياره.
لا نملك أي إجابة لشح المعلومات حول التفاصيل أولا، وصعوبة التنبؤ بتطورات المشهد السوري، مثلما أثبتت الأعوام الخمسة الماضية من عمر الأزمة وتقلباتها ثانيا، ولكن ما يمكن قوله أن الدولتين العظميين اتفقتا على عدو واحد، وأجندة مشتركة لمواجهته، وهذا العدو هو «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» والفصائل الأخرى المتحالفة معهما، بعد مساومات شاقة.
وضع «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» على قائمة الارهاب، وبالتالي التصفية الميدانية، ربما يؤدي إلى توحدهما، وقتالهما في خندق واحد، الأمر الذي لو حدث، سيشكل قدرة عسكرية جبارة على الأرض، سيكون من الصعب القضاء عليها بسهولة، مما سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب على الإرهاب بالتالي، وحدوث «مفاجآت» غير متوقعة.
تفجيرات حمص والسيدة زينب الانتحارية التي جاءت ردا على هذا الاتفاق الروسي الأمريكي، أو توقعا له، كشفت عن استراتيجية جديدة لـ«الدولة الاسلامية» أي الإقدام على «ضربات استباقية انتقامية»، مثلما كشفت أيضا عن اختراق أمني كبير، ووجود خلايا نائمة جرى تنشيطها في توقيت تراه قيادتها مناسبا، وهذا تطور سيقلق الأجهزة الامنية السورية على وجه الخصوص.
من الواضح أن تنظيم «الدولة الاسلامية» بدأ يتبنى نهج «القاعدة الأم» الذي ابتعد عنه في العامين الماضيين، لمصلحة نظرية «التمكن» والتركيز على العدو القريب، ويأتي هذا التحول في ظل تعاظم القوى التي تحاربه، وتريد اجتثاثه في سورية والعراق معا، وخسارته بعض المواقع الاستراتيجية المهمة في الرمادي (العراقية) وريف حلب الجنوبي والشمالي.
على الورق يمكن الاستنتاج أن اتفاق الهدنة هذا يمكن أن يكون مقدمة، أو تمهيدا، لاستئناف مفاوضات «الحل السياسي»، وتطبيق تفاهمات عمليتي فيينا وجنيف السياسيتين وما تنص عليه من هيأة حكم انتقالي، وحكومة وحدة وطنية، وتعديلات دستورية وانتخابات رئاسية وبرلمانية، في غضون عامين، ولكن ما يتم رسمه على الورق شيء، وما يمكن أن تكشف عنه الترجمة العملية على الأرض شيء آخر قد يكون مختلفا كليا.
المهم أن كل الحديث عن أسلحة متقدمة للمعارضة السورية، وتحالفات «إسلامية» ضد تنظيم «الدولة الاسلامية» ومناورات «رعد الشمال»، والتدخل البري، جرى وضعها كلها في الثلاجة «الفريزر»، إن لم تكن قد تبخرت مع بدء اشتداد درجات الحرارة في الجزيرة العربية في الوقت الراهن.
السيدان عادل الجبير، والعميد ركن أحمد العسيري، بحاجة إلى إجازة، أو الأول على الأقل، ريثما يهدأ غبار هذا الاتفاق، وتتبلور فرص نجاحه أو فشله، وهذا ما يفسر زيارته الحالية للسودان، التي تعتبر الأولى من نوعها لوزير خارجية سعودي منذ سنوات، أو حتى عقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى