الرئيسية

اجتياز الباكلوريا العلمية سيتم بالفرنسية حصريا لأول مرة منذ عقود

أمزازي ينهي رسميا عهد تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة العربية

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق الموسم الدراسي الحالي، وجه وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، سعيد أمزازي، مراسلة مستعجلة إلى مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، بخصوص اجتياز بعض مواضيع الامتحان الوطني الموحد للباكالوريا الخاصة بعدد من المواد، باللغة الفرنسية بدل اللغة العربية. ويتعلق الأمر، وفق المراسلة، بكل من مادة الرياضيات، لشعبة علوم الاقتصاد والتدبير بمسلكيها، وشعبة العلوم والتكنولوجيات بمسلكيها، وكذا مادة الفيزياء والكيمياء لشعبة العلوم والتكنولوجيات بمسلكيها، حيث سيتم إعدادها حصريا باللغة الفرنسية.
وطالب أمزازي، في المراسلة ذاتها، بإخبار مفتشي ومفتشات التعليم، وأستاذات وأساتذة المواد المعنية، بالإضافة إلى المترشحات والمترشحين الذين يتابعون دراستهم بالمسالك المعنية، بفحوى المراسلة.

العربية للأدبيين والفرنسية للعلميين

بعد قرار تعميم تدريس العلوم باللغة الفرنسية، والذي اتخذه الوزير السابق رشيد بلمختار، قبل ثلاث سنوات، قرر سعيد أمزازي المضي قدما في هذا القرار، بالرغم من الجدل السياسي الذي خلفه في حينه، عندما تسبب في قطيعة بين بنكيران والوزير الأسبق. وقرر أمزازي ألا يعتمد النظام التعليمي المغربي في مجال تدريس العلوم والتكنولوجيا على ما يعرف بـ«التناوب اللغوي»، والذي يسمح بالمزاوجة بين أكثر من لغتين، وهما أساسا اللغتان العربية والفرنسية، بل لغة واحدة هي لغة موليير.
هذا القرار برره أمزازي، في بلاغ رسمي، بأنه «قرار طبيعي»، لكون لغة التدريس في الشعب المعنية هي اللغة الفرنسية، وذلك منذ إحداثها قبل ثلاث سنوات. فالتلاميذ الذين سيجتازون الباكلوريا هذه السنة باللغة الفرنسية، كانوا قد استفادوا من التعلم بها منذ كانوا في مستوى الجذع المشترك، والأمر نفسه حصل عندما كانوا في مستوى السنة الأولى باكلوريا، لذلك، حسب بلاغ أمزازي، فإن القرار «طبيعي».
أما بخصوص المواد التي يشملها قرار الفرنسة في شهادة الباكلوريا، فهي مادة الرياضيات بشعبة علوم الاقتصاد والتدبير بمسلكيها، وشعبة العلوم والتكنولوجيات بمسلكيها، وكذا مادة الفيزياء والكيمياء لشعبة العلوم والتكنولوجيات بمسلكيها. وهذا يعني أن هؤلاء التلاميذ سيكون عليهم اجتياز امتحانات الباكلوريا بلغتي تدريس، فمواد التربية الإسلامية والاجتماعيات في السنة الأولى باكلوريا، ومادة الفلسفة في السنة الثانية سيتم اجتيازها باللغة العربية، في حين أن مواد التخصص سيتم اجتياز امتحاناتها في السنة الثانية، بالفرنسية.
وفي الوقت الذي تدافع الوزارة عن قرار فرنسة تدريس العلوم والتكنولوجيات، فإن بعض الخبراء يرون أن هذا القرار سيؤدي إلى المزيد من الشروخ بين التلاميذ المغاربة، وسيضرب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، إذ إن النظام التعليمي سيصبح أمام نظامين تعليميين لكل منه لغته، ولكل نظام آفاقه المختلفة. فمن جهة، هناك نظام لذوي التوجهات العلمية سيدرسون باللغة الفرنسية، وحظوظ اندماجهم في سوق الشغل أكبر، في مقابل ذوي التوجهات الأدبية، والذين يدرسون باللغة العربية، وتظل إعاقاتهم اللغوية مرافقة لهم حتى في مرحلة ما بعد الباكلوريا. هؤلاء سيضطرون، في السنوات القليلة القادمة، إلى الخضوع لتكوينات إجبارية على مستوى اللغات الأجنبية بعد الانتهاء من التكوينات الجامعية الأساسية، من قبيل الإجازة والماستر والدكتوراه، حيث لن يتسنى لهم الحصول على هذه الشهادات إلا بعد المصادقة على مجزوءات اللغات. هذا الوضع، حسب خبراء، ينطوي على خلل كبير، إذ يتوجب حل مشكلة تدريس اللغات كميا وكيفيا منذ السنوات الأولى للتمدرس بشكل يضمن تكافؤ الفرص، ذلك أن التلاميذ الذين يتفوقون في اللغات الأجنبية، وتكون لديهم فرص التفوق في حال التعلم بها، هم في الغالب التلاميذ الذين لهم وضع اجتماعي واقتصادي يسمح لهم بالتفوق، بينما لا ينال التلاميذ المتحدرون من الأوساط الهشة، الحظوظ نفسها.

هندسة لغوية أوربية

حسب الأستاذ محمد الشلوشي، الباحث في التربية، فإن الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، التي تلا عمر عزيمان خطوطها العريضة أمام الملك أثناء تقديمها، نصت، في مادتها الثالثة، على اعتماد هندسة لغوية جديدة ترتكز على التعددية اللغوية والتناوب اللغوي، وذلك من خلال استفادة المتعلمين من ثلاث لغات: العربية والأمازيغية والفرنسية في التعليم الأولي والابتدائي، تضاف إليها اللغة الإنجليزية ابتداء من السنة الأولى إعدادي، ويختار الطالب لغة أجنبية تكميلية في السنة الأولى ثانوي تأهيلي. والتقرير الاستراتيجي، يضيف الشلوشي، هو إعمال مبدأ التناوب اللغوي آلية لتعزيز التمكن من اللغات، وذلك عن طريق تعليم بعض المضامين والمجزوءات في بعض المواد باللغة الفرنسية ابتداء من الإعدادي، والإنجليزية ابتداء من الثانوي التأهيلي. ولأن عزيمان، يضيف الباحث، التمس من الملك، في آخر خطابه، تحويل توجهات واختيارات هذه الخطة إلى قانون يجسد تعاقدا وطنيا يلزم جميع الأطراف بتبنيه وتفعيل مقتضياته بما يخفت صوت الأطراف الغاضبة من التقرير، فإن توسيع مبدأ التناوب اللغوي سيشكل مدخلا جاذبا لإحداث إقلاع تعليمي حقيقي بعيدا عن المزايدات السياسوية التي تجعل التعليم لا يبرح مربعه الأول. ويبقى الإشكال الوحيد لتفعيل هذه الخطة الذكية، حسب الشلوشي، هو تكوين الأطر التربوية القادرة على التدريس بلغتين أو ثلاث متوازية وخلال موسم واحد، وهذا سيطرح ضرورة الإسراع بفتح بوابات التكوينات المستمرة للأطر التدريسية وتجويد مخرجاتها لتنزيل الهندسة اللغوية الجديدة في الحجرات الدراسية.
فاعتماد لغتين في الباكلوريا الواحدة وفي المسلك الواحد، يقول محمد الشلوشي، هو تطبيق لما يعرف بنظام EMILLE لتدريس اللغات، أو ما يعرف بـEnseignement d’une Matière Intégré à une Langue Étrangère، الذي تم تجريبه في مقاطعة الكيبيك الكندية نهاية السبعينات، قبل أن يعرف انتشارا واسعا في أوربا أواسط التسعينات، يجعل اللغة والمادة غير اللغوية موضوعي تدريس في آن واحد، رغم عدم وجود ترابط بينهما، ما ينمي الكفاية اللغوية والمهارات التعلمية للمادة المدرسة، رياضيات كانت أو علوما فيزيائية أو طبيعية أو فلسفة أو تاريخا أو جغرافيا أو اقتصادا. وهذا ما يتيح غمر التلميذ باللغة الأجنبية، وفي وضعيات دالة أكثر دينامية وحيوية ومرتبطة بالواقع بعيدة عن الوضعيات التعلمية القارة لحصص تدريس اللغة كمادة مستقلة، حسب الشلوشي. والمناقشات مستمرة في تطوير التدريس بهذا النموذج التدريسي في لجنة التعليم بالبرلمان الأوربي والمجلس الأوربي للغات، لتجاوز بعض معيقاته التي ظهرت في السنين الاخيرة لتطبيقه، على غرار نقص الأساتذة القادرين على تدريس محتويات تدريسية بلغات متعددة، وشروط تكوينهم وإعادة تكوينهم، وصعوبة تحديد المواضيع والمجزوءات الجاذبة والمناسبة لهذا النوع من التعلم والتكلفة المادية المرتفعة لتعميمه.. وهي أمور تجب مراعاتها من طرف وزارة التربية الوطنية أثناء تنزيلها هذا المشروع الطموح، مع الانتباه إلى ضبط الترسانة القانونية لحماية الأساتذة أثناء تطبيق التناوب اللغوي بالإعداديات والثانويات المغربية، من التحرشات الهامشية لجمعيات الآباء ومجالس التدبير والهيئات الجمعوية، بما يضمن توسيع هامش الحرية والتحرك والاستقلالية لاختيار المواد المستهدفة أو غير المستهدفة بالتناوب اللغوي، حسب الجهة، والحيز الأسبوعي الزمني المخصص لهذا النوع من التعلمات، وطرق التقويم، سواء للطلبة أو الأساتذة أو المؤسسات المعتمدة للنموذج اللغوي الجديد، وكذا السعي لدى الدول الأوربية المعنية لغاتها، مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا لمعادلة شهادة الباكالوريا المغربية بالباكالوريا الأوربية مباشرة لرفع الحافزية. ويبقى العائق الأكبر هو تأهيل الأساتذة لهذا النوع من التدريس وفتح مسالك متخصصة بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين، مع وضع تداريب مكثفة خصيصة لهم. فلا يكفي أن يكون الإطار التربوي، حسب الباحث الشلوشي، مزدوج اللغة ليحمل عبء التنفيذ، بل لا بد من تكوين بيداغوجي متين ومستمر ليتمكن من الموازنة بين تحقيق كفايات المادة التدريسية الأصلية والكفايات التواصلية للغة الأجنبية التي يتم بها التدريس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى