الرئيسية

اخجلوا من أنفسكم

يونس جنوحي
هناك حادثة طريفة تتردد بين الفينة والأخرى بطلها أستاذ جامعي نصح طالبة عنده بالزواج بدل إتمام بحث التخرج. ليست هذه هي النكتة، بل المضحك أن السيدة التقت فعلا بعد سنوات بأستاذها السابق بالصدفة قرب الكورنيش وهي تعلم صغيرها أبجديات المشي، لتبادر إلى السلام على أستاذها وذكرته بالسنة التي كانت خلالها طالبة لديه، لكن ذاكرته لم تسعفه لتذكر جحافل الوجوه والطلاب والأعذار والتفاصيل المرتبطة بكل طالب، لكنها استطاعت أن تنعش ذاكرته عندما أخبرته بالنصيحة التي قدمها لها. وبدل أن يبادر للاعتذار، واصل بجدية متمنيا لها أن تكون نصيحته قد أثمرت عن نتيجة، في إشارة إلى الطفل الذي يتعلم المشي.
هذه المسألة التي تعتبرها بعض الحقوقيات تمييزا ضد المرأة، تكررت في أكثر من مناسبة، وأشهر من قام بها هو وزير التعليم السابق الاستقلالي الوفا عندما نصح تلميذة في الابتدائي بالزواج. ولعل الوزير كان على علم، وهو في كرسي الوزارة وقتها، بالأرقام الحقيقية لعدد التلميذات اللواتي ينقطعن عن الدراسة سنويا لتأسيس أسر صغيرة في الجبال والقرى التي تتزوج فيها الفتيات قبل أن يصلن بسنوات إلى حصص النشاط العلمي ودرس «التوالد».
الموقع الرسمي للحزب الذي يقود الحكومة كتب أول أمس خبرا مفاده أن مسؤولة أممية أثنت على التقدم الذي وصل إليه المغرب في المجال الحقوقي. يحدث هذا في وقت تنهال الشكايات على مكتب رئيس الحكومة من مواطنين يتذمرون من مستوى خدمات المستشفيات العمومية، وهناك من يتابع الدولة اليوم في المحاكم بتهم التهاون الذي تعتبر إدارة المستشفيات مسؤولة عنه بالدرجة الأولى، دون أن يبادر أي مسؤول حكومي إلى فتح تحقيق في الموضوع لمعرفة المسؤولين عن تلك الكوارث وعزلهم أو معاقبتهم.
صحيح أن الأمر مرتبط في شق منه بالعامل البشري والوزارة أمام معضلة الطلبة الأطباء والأطباء الخريجين الذين رفضوا الالتحاق بالمناطق النائية وكأن مواطني الجبال ليسوا مواطنين ولا يحق لهم الاستفادة من التطبيب، لكن هناك أيضا مسؤولية في التسيير تتحملها وزارة الصحة ورئيس الحكومة للوقوف على الاختلالات التي تعرفها إدارات المستشفيات العمومية، ومحاسبة المسؤولين المباشرين عن اختفاء المعدات والأدوية وآليات الكشف التي تصاب دائما بأعطال تؤجل مواعد الكشف على المرضى بالأشهر، إلى الحد الذي أصبحنا معه أضحوكة دولية في زمن العولمة عندما تم تعميم ورقة رسمية تحمل طابع مستشفى عمومي تمنح مريضا بالزائدة الدودية موعدا لاستئصالها لن يصل أجله إلا بعد أن يموت المريض وتحسم السماء في شأنه.
لم نسمع يوما عن مسؤول في الصحة ينصح طبيبة بالزواج بدل علاج المرضى، رغم أن المبدأ هنا واحد. إذ إن التلميذات اللواتي تُوجه لهن النصيحة بالزواج وتأسيس أسرة بدل مواصلة المسار الأكاديمي أو المهني، غالبا ما يحركن مطالب أو احتجاجات يعتبرها المسؤولون مصدرا لصداع الرأس والمشاكل.
بعيدا عن موجة الحقوقيات اللواتي يثرن دائما مشاكل غرف النوم ومحاكم الأسرة، هناك حاجة عاجلة اليوم للوقوف عند ما يقع داخل مؤسسات التعليم العمومي. شريحة كبيرة من الشباب المغربي تعيش هذه الأيام محنة حقيقية، تقع خارج اهتمام الحكومة تماما، سببها المشاكل الإدارية التي تعرقل حصول شبان وشابات على الشهادات العلمية ومشاكل أخرى تتعلق بالتعيينات، يجب على هؤلاء الذين يحتفلون اليوم بالتقدم المغربي في حقوق الإنسان أن ينظروا إليها، علهم يشعرون بالخجل من أنفسهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى