الرأي

ازدواجية المشاعر

سمعنا كثيرا عن ازدواجية الخطابات والأفكار، عن المقياسين اللذين يتم اعتمادهما في الحكم على نفس الظاهرة، أو عن الأحكام التي نطلقها وفق هندسة متغيرة، تلك العبارة المفضلة لدى الدكتور طارق رمضان، رغم أنه هو نفسه غالبا ما يتم اتهامه بازدواجية الخطابات واختلافها حسب الظروف والأمكنة. سمعنا عن كل هذه الظواهر المرتبطة غالبا بالأفكار وطريقة استعمالنا لقوانين المنطق أثناء الاستدلال والحكم على الحوادث التي تواجهنا في العصر الحالي. لكن هناك ظاهرة أكثر غرابة من الأولى، بدأت بالانتشار في الآونة الأخيرة، وأصبحت ذات مفعول سحري يستعملها البعض لتفسير كل ما لا يمكن تفسيره، تماما كتعويذة «الأبراكادابرا».. إنها ازدواجية المشاعر! نفس ما يحدث مع الأفكار انتقلت عدواه للمشاعر هذه الأيام. إذا لم نكن ننظر للإرهاب مثلا بنفس النظرة حين تتغير معتقدات المجرم الدينية، فإننا لم نعد نعبر عن نفس الشعور أيضا حين نوضع أمام مواقف تتفاوت درجة خطورتها وأهميتها. وكأننا أصبحنا نمارس سياسة الانتقائية في كل شيء، نختار ما يوافق أهواءنا، نسلط عليه الضوء ونثير حوله الضجة العارمة، ونتجاهل تماما ما لا يوافقها، وما لا يخدم أهدافنا المرتبطة في الغالب بمسألة تحقيق الذات بداخل المجتمع، رغم أن خطورة ما نتجاهله أكبر بكثير من خطورة ما نجعله في قلب اهتماماتنا. وهذا ما أدى إلى ظهور مشاكل وهمية تحاول تغطية المشاكل الحقيقية، فأصبحنا بعد ذلك نحارب طواحين الهواء معتقدين أنها أعداء لنا، في الوقت الذي يجلس فيه الأعداء الحقيقيون في مكان آمن جدا بعيدا عن أنظارنا، مراقبين باستمرار لسخافاتنا وهي تنتشر كالفيروسات التي تحاول قتل بعضها البعض في مسرحية بهلوانية لا ينقصها إلا بعض القِردة كي تكتمل قصتها. لا يمكن لعاقل أن يفهم كيف يدعي البعض أن طريقة لباس امرأة في الشارع مثلا، تسبب إيذاء لمشاعر المسلمين، وتحرك غيرتهم على الدين الإسلامي الحنيف، في حين أن مشاهد القتل والعنف ضد إخوانهم في مختلف دول هذا العالم لا تحرك أي شيء من هذه الغيرة! وإلا فلماذا يتحرك الجميع حين يتعلق الأمر بطريقة اللباس ولا يتحرك أحد حين يتعلق الأمر بالظلم الذي يواجهه أي إنسان في هذا العالم؟ وحتى لا نذهب بعيدا جدا، كيف لا تحرك مشاعرنا طريقة لباس فتاة تعيش في الشارع شبه عارية لأنها تتسول لقمة العيش ولا تجد من ينقذها من أنياب الجوع والفقر؟ في هذه الحالة نحن نعرف الحل جيدا، وهو أن نغض البصر ولا ننظر إلى هذه المسكينة ثم نكمل طريقنا، أو في أحسن الأحوال نلقي درهما في يدها وندعو معها بأن يصلح الله من حالها. أين غيرتنا الدينية هنا؟
قصة المشاعر الدينية المرهفة هذه حجة واهية، وأصبح من الضروري أن نبحث عن غيرها كي نغطي حماقاتنا التي تتكاثر كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى