شوف تشوف

الرئيسية

الأخبار تكشف أسرار مهن تدور في فلك الموت

كوثر كمار
يبدأ عملهم عند موت الآخرين، ينشطون في الجنائز والمقابر، يواجهون العديد من المشاكل خاصة أن مهنهم محفوفة بالمخاطر، منهم من يعمل على حفر القبور وحراستها، ومنهم من يغسلون الموتى وينقلون جثامينهم، غير أن البعض يستغلون هذه المهن من أجل القيام بأفعال مشينة تنتهك حرمة الموتى.
«الأخبار» تكشف عن أسرار مثيرة حول مهن الموت بالمغرب، وتنقل شهادات صادمة.
انتقلنا إلى مقبرة الغفران بمدينة الدار البيضاء حيث كانت الساعة تشير إلى الواحدة والنصف زوالا، منذ ولوجنا الباب الأول للمبقرة التف حولنا حوالي 20 شخصا اتخذوا التسول مهنة لهم، فيما يلاحق «الفقهاء» خطوات الزوار إلى أن يقفوا أمام قبر الموتى لتلاوة سورة ياسين مقابل الحصول على بعض الدريهمات.
يقول العربي، وهو «فقيه» صادفناه بمقبرة الغفران خلال حديثه مع «الأخبار»، «إنه يعيش من خلال تلاوة القرآن على قبور الموتى، إذ يحصل على حوالي 30 درهما في اليوم غير أن المنافسة كبيرة بحكم وجود الكثير من «الطلبة» في أروقة المقبرة»، تدفع العربي أحيانا إلى اقتسام بعض المداخيل مع «طلبة» آخرين يضايقونه عند القبور، ويضيف أنه يراقب تحركات الزائرات اللواتي يحاولن دفن السحر خاصة خلال شهر شعبان، ويشير إلى أنه عثر عدة مرات على السحر بالقرب من المقابر وقام بإبطاله بمساعدة حفاري القبور.

معاناة حفاري القبور
يعد حفر القبور من بين أبرز المهن النشيطة داخل المقبرة، ويمتلك ممتهنوها أسرارا غامضة ومثيرة حول ما يقع في المقابر.
عبد الحق، حفار قبور بمبقرة الغفران يبدأ عمله على الساعة السابعة صباحا وينتهي على الساعة السابعة مساء إن لم يحدث طارئ بوصول جنازة ليلا، ليرمي جسده المنهمك بحفر أربعة قبور متتالية أحيانا، يجلس عبد الحق تحت ظل شجرة لعلها تقيه أشعة الشمس الحارقة، ويقول خلال حديثه مع «الأخبار» ،إن راتبه اليومي ينبني على مدى كرم الميت، إذ أنه لا يعمل مع الشركة المكلفة بالدفن، بل يحاول فقط مساعدة العمال في الحفر بمفرده، بالإضافة إلى إزالة الشوائب والأعشاب التي تغطي القبر.
ويضيف ابن منطقة الهراويين بالبيضاء أن هذه المهنة لا تخلو من المخاطر ومشاهدة الغرائب والعجائب.
ويحكي بأن جثث الموتى أحيانا بالرغم من أنها تبدو في نعشها ضئيلة الحجم إلا أنها لا تسع الحفرة، وهذا أمر يثير الاستغراب، فيما نصادف أحيانا جثثا تفوح منها روائح زكية كالمسك.
ولم يخف عبد الحق تذمره من ممارسات بعض النسوة اللواتي يحاولن القيام بأعمالهن السحرية، خاصة عندما تكون المقبرة مكتظة في المناسبات الدينية كشهر شعبان وعاشوراء.
ويروي أنه كان يراقب رفقة صديقه مجموعة من النساء قمن بالنبش بجنبات القبر، قبل أن يكتشفا أنهن حفرن حفرة صغيرة ووضعن فيها قفلين عليهما صورة امرأة ورجل، ويضيف أنه دائما يدخل في مشادات كلامية مع الزائرات اللواتي يسرقن الماء الموضوع فوق القبر المخصص للطيور كي تشرب منه، غير أن المشعوذات يستغلونه من أجل السحر.

حراس المقابر
تعد عملية مراقبة ما يجري داخل «مملكة الموتى» أكثر تعقيدا بالنسبة لحراس المقابر خاصة بالليل، وذلك بسبب المشاكل والصعوبات التي يواجهونها أثناء قيامهم بعملهم.
محمد يعمل كحارس بإحدى المقابر بمدينة تازة يمارس هذه المهنة منذ حوالي سنتين، إذ لا يتعدى راتبه ألف وخمس مائدة درهم شهريا الذي يمنحه إياه أحد المحسنين، فضلا عن بعض المساعدات المادية التي يحصل عليها من طرف الزوار.
ويحكي محمد أن مهنته محفوفة بالمخاطر خاصة أثناء الليل، إذ يحاول المتشردون اقتحام المقبرة لإحياء سهراتهم الماجنة قبل أن يضيف أنه يمنعهم بكل ما أوتي من قوة غير أنه يتعرض للاعتداءات في بعض الأحيان.
فبالإضافة إلى المتشردين يعاني أيضا حارس المقبرة من المشعوذين الذي يحاولون استخدام أساليب تمويهية بهدف دفن السحر أو سرقة أعضاء الموتى ليلا.
يقول حارس المقبرة: «فالبرغم من المقابل المادي الزهيد الذي أحصل عليه، غير أنني أعتبر مهنتي شريفة وأحبها لأنني أشعر بالسكون والتقرب من الله، خاصة أن نهاية كل واحد فينا هي الموت، للأسف يحاول بعض المشعوذين إرشائي كي أغض البصر عن أفعالهم الإجرامية غير أنني لا أسمح لهم بذلك»، ثم يردف أن بعض العاملين في بعض المقابر يتواطؤون أحيانا مع المشعوذين للحصول على مقابل مادي جد مغري يتجاوز أحيانا خمسة آلاف درهم، حسب نوعية الطلب.

مغسلات يهربن أدوات غسل الموتى
تستغل بعض المغسلات مهمة الغسل على الطريقة الإسلامية من أجل الربح المادي، وذلك من خلال سرقة أدوات الغسل كالماء والصابون والمشط والكيس.
فاطنة سيدة في عقدها الخامس كرست معظم وقتها لغسل جثث النساء، إذ اضطرت لاتخاذ هذه المهمة كمهنة بسبب ضيق ذات اليد فهي المعيل الوحيد لأسرتها المكونة من خمسة أبناء بعدما توفي زوجها.
وتحكي فاطنة خلال معرض حديثها مع «الأخبار» أن أجرها يتحدد حسب كرم أهل الميتة، وتضيف أنها، بالإضافة إلى عملية الغسل تحرص على عدم ضياع المواد المستعملة في الغسل بسبب الشعوذة.
تقول فاطنة بنبرة متحسرة: «تحاول مجموعة من النساء سرقة أدوات غسل الميت بأي ثمن ففي بعض الأحيان يحاولن إرشائي بمبالغ خيالية تفوق عشرة آلاف درهم، غير أنني أرفض ذلك خوفا من الخالق». وتتذكر فاطنة أنها خلال إحدى الجنائز طلبت منها إحدى السيدات بأن لا ترمي الماء في المجاري، بل تتركه في الوعاء وتسلمه لها، بالإضافة إلى الصابون والكيس، لكنها رفضت القيام بذلك، وفي المقابل تعمل بعض المغسلات بتواطؤ مع المشعوذوين، إذ يحصلن على مبالغ خيالية وفق ما تقوله فاطنة الغسالة، وتروي أن إحدى المغسلات قامت ببيع قارورة ماء خاصة بالغسل بحوالي خمسة عشر ألف درهم لإحدى العائلات الميسورة والتي استخدمته في السحر.

المهنة.. ندابة
تتسلل بعض «الندابات» إلى بيت العزاء بهدف سرقة أدوات غسل الميت أو مقابل الحصول على بعض المال كصدقة من المعزين، إذ يقمن في بعض المناطق المغربية بالبكاء والعويل والصراخ على الميت، بالإضافة إلى «التعداد» وهو عبارة عن كلام موزون ترثي فيه النائحة المفقود.
حورية سيدة في عقدها الرابع تقطن بسيدي يحي بضواحي مدنية القنيطرة تقول في حديثها مع «الأخبار»، إن بعض السيدات يترددن على بيوت العزاء بهدف النواح و»التعداد» فمنهن من يقمن بذلك كعادة بدون مقابل، في حين أخريات اتخذنها كمهنة يجنين منها المال من خلال الصدقة التي يتكرم بها أهل الميت عليهن.
وتضيف حورية عندما توفي والدها قدمت النواحات يعددن وكأنهن على علاقة وطيدة بالمتوفي، ولم يذهبن إلى حال سبليهن إلا بعدما تناولهن وجبة العشاء كما أخذن بعض الأكل معهن لأطفالهن.
الفقر والعوز يجعل بعض النساء يترددن على بيوت العزاء للحصول على الصدقة.
فرقية سيدة في عقدها الثالث وهي أم لثلاثة أطفال، تتردد باستمرار على بيوت العزاء لجمع الصدقة، وتحكي رقية خلال حديثها مع «الأخبار»، أن الفقر دفعها للتسول في الجنائز من أجل إطعام أطفالها بعدما تخلى عنهم زوجها، وتضيف أن معظم أهالي الموتى يتعاملون معها بسخاء وكرم خاصة الأسر الميسورة، ففي بعض الأحيان تحصل على 500 درهم خلال اليوم الواحد. وتقول رقية إنها تتمكن من معرفة مكان وجود الجنازة بمساعدة سائق حافلة نقل الجثامين لأنه يقطن بجوار منزلها ويعلم بوضعيتها الاجتماعية المزرية.

شركات خاصة تجني أرباحا طائلة من خلال «تجارة الموت»
تعد «تجارة الموت» مربحة بالنسبة لبعض الشركات التي تخصصت في هذا المجال، إذ تقوم بتصميم بعض القبور التي تتجاوز أحيانا 15 مليون سنتيم، بالنظر إلى مواد البناء المُستعمَلة فيها والنقوش المحفورة والألوان المعتمدة، وأغلى مواد بناء القبور تلك التي يتم استيرادها من إيطاليا، كالرخام الأبيض، في حين يكلف بناء قبر من الرخام المغربي ذي اللون الرمادي حوالي 20 ألف درهم.
وتصل تكاليف الدفن في المغرب إلى 170 درهما، 100 منها من أجل إدارة المقبرة و70 درهما تحصلها الشركة المكلفة بالحفر والبناء، غير أن مجموعة من المواطنين اختاروا شراء قطع أرضية داخل المقبرة من أجل إنشاء مدافن عائلية يصل ثمنها إلى 80 ألف درهم في بعض الأحيان. في حين يقوم مواطنون آخرون ببناء قبور عائلاتهم وتزيينها بالرخام، وكذا إقامة شواهد للقبور مثل هذه الأعمال تكلف ما بين 300 و1500 درهم حسب جودة المواد المستعملة وطريقة البناء.
في حين تبقى مجموعة من القبور بدون بناء بسبب ضعف الحالة المادية للأهل أو لأسباب أخرى، ويبقى المسؤولون عن الشركة متكتمين عن قيمة المداخيل التي يدرها هذا القطاع من أرباح مهمة، خاصة في ما يتعلق بالأموات المسيحيين
واليهود، فالبرغم من أن عدد المقيمين منهم بالمدينة ضئيل جدا، لكن ذلك لا يمنعهم من إعداد توابيت بمواصفات خاصة.
ويقول يوسف وهو موظف بإحدى الشركات الخاصة في بناء القبور أن خشب صندوق التابوت يجب أن يتميز بجودة عالية على خلاف توابيت المسلمين، إذ يتم تخصيص صندوق داخلي من الزنك مزود بفلتر يمنع تحلل الجثة بفعل الغازات، ويتم تحضير الصليب الذي قد يرفع من سعر التابوت والذي يتجاوز عشرين ألف درهم، ويضيف أن تجارة الموت مربحة فقط عندما يتم التعامل مع الأسر المربحة التي ترغب في بناء القبور بالرخام باهظ الثمن».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى