الرئيسية

الأخبار تكشف معاناة سنوية للطلبة بسبب ظروف الأحياء الجامعية

إلهام العبوبي
انتقال الكثير من الطلبة الجامعيين، بعد الحصول على شهادة البكالوريا، للدراسة بمدن غير تلك التي يعيش بها ذووهم، يضعهم وجها لوجه مع إكراه الإقامة. وبينما يتجه بعضهم إلى اكتراء منازل يلجأ معظمهم إلى الأحياء الجامعية، لكنهم يفاجؤون داخل عدد من هذه الأحياء بواقع مرير. عدد منهم يصطدمون بالفوضى والاكتظاظ داخل الغرف، بسبب عجز الطاقة الإيوائية
عن استيعاب كافة الطلبة، فضلا عن الحالة المزرية لتلك البنايات بفعل تقادم مرافقها. “الأخبار” تنقل صورا من معاناة يكابدها سنويا الطلبة الوافدون على الأحياء الجامعية من
مدن بعيدة من أجل متابعة دراساتهم العليا، والذين يجدون أنفسهم مجبرين على مواجهة واقع يحول دون تحقيق مبتغاهم في أحسن الظروف.
في رسالة إلى جريدة “الأخبار”، تحدث أحد الطلبة الجامعيين بمرارة شديدة، وهو يصف واقع الأحياء الجامعية المزري والظروف التي لا تسمح بمتابعة الدراسة العليا بشكل جيد وإنهائها بنتائج مشرفة. رسالة الطالب وإن ركزت على الحي الجامعي حيث يقطن فإنها لا تحصر مجمل المشاكل داخله، بقدر ما تفتح الباب لكشف الكثير من الأوضاع غير السليمة داخل مؤسسات يفترض أنها توفر الشروط والإمكانيات اللازمة للتحصيل العلمي بالنسبة لشريحة الطلبة الجامعيين.

hay-jamia1

معاناة من «مغيلة»
كريم (اسم مستعار) طالب جامعي بكلية السلطان مولاي سليمان ببني ملال ساقته الأقدار إلى الاستقرار بالحي الجامعي للمدينة من أجل استكمال دراسته بعد حصوله على شهادة البكالوريا بمدينته الأصلية. في حديث لـ”الأخبار” يكشف كريم وعلامة الصدمة بادية عليه أن الأوضاع بالحي الذي يقطنه مع الكثير من زملائه مزرية ، مشيرا إلى أنه لا يجعلهم يتحملونها غير الضرورة التي هاجروا من أجلها من مناطقهم البعيدة، ويشير أيضا إلى ما يصفه بخروقات لم يجد لها تفسيرا.
يقول كريم إن الكلية تقع بمنطقة معروفة باسم “مغيلة” وتضم الحي الجامعي القديم والجديد، وتبعد بثمانية كيلومترات عن وسط المدينة، الشيء الذي يستغله أصحاب المحلات التجارية المجاورة لمكان سكن الطلبة من أجل الرفع من أثمنة منتوجاتهم التي لا يجد الطلبة بدا، في ظل البعد عن مركز المدينة، من اقتنائها بتلك الأسعار المرتفعة.
ويضيف أيضا أنهم يعانون داخل الحي الجامعي من غياب حارس للأمن مما يجعل الحي عرضة لمجموعة من التجاوزات، إذ يعمد بعض الطلبة، بحسبه، إلى حمل ممنوعات إلى الغرف، بالإضافة إلى الأسلحة البيضاء، مشيرا إلى أن المدخل الرئيسي للحي مشترك ما بين الذكور والإناث، ما يسبب في كثير مما ينعته بالتجاوزات الأخلاقية بين الجنسين، حسب قوله.
ويذكر كريم أن الغرف الممنوحة للطلبة صغيرة وخالية من أي تجهيزات، إذ تبلغ مساحتها ثلاثة أمتار على مترين يشترك فيها أربعة أفراد، الأمر الذي يؤدي إلى كثير من النزاعات والمشاكل بين الطلبة، فضلا عن تفشي ظاهرة سرقة الكراسي والطاولات المخصصة للمطالعة أو بعض الأدوات، بغية ترتيب كتبهم المتناثرة في أرجاء الغرفة، على حد تعبيره، مضيفا أن الأسِرة التي وصفها بأنها من النوع الرخيص وغير المريحة تتسبب في كثير من الأحيان في إصابتهم بتشنجات على مستوى الظهر والعنق.
أما في ما يخص المرافق الصحية والترفيهية، فقد أكد هذا الطالب الجامعي أنها منعدمة، باستثناء ملعبين لكرة القدم وكرة اليد قال إنهما يستلزمان عدة إصلاحات.
“لا أعرف إن كانت هناك اختلاسات أو خروقات، لكن هناك أسئلة لم نجد لها جوابا” يقول كريم، مردفا أن “المسؤولين يزعمون أن الطالب يستهلك خمسين درهما يوميا”، الشيء الذي يعتبره مستحيلا، كاشفا أن الوجبات التي تقدم للطلبة داخل الحي الجامعي لا تتناسب مع هذا المبلغ المزعوم، بحسب تعبيره، مضيفا أن الوجبات لا تتغير.
ويضيف كريم بنبرة الحانق على ظروف التغذية بالحي الجامعي الذي يقطنه أن الأطباق تطهى في أماكن متسخة مما يجعل الطلبة معرضين لعدة أمراض، مشيرا إلى أنهم يفاجؤون أحيانا بإغلاق المطعم دون أن يقدم المسؤولون توضيحات للطلبة ولا أجوبة عن تساؤلاتهم.

سكن غامض.. بين طنجة والرباط
يحكي كثير من الطلبة عن ظروف سيئة يعيشونها داخل الحي الجامعي بطنجة ومنها قصة إحدى الطالبات بسلك الماستر بكلية عبد العزيز السعدي. هذه الأخيرة التي هاجرت من منطقة بعيدة لأجل استكمال مسارها في البحث العلمي روت جانبا من معاناتها لـ”الأخبار” في سبيل الحصول على سكن.
الطالبة (أ.أ)، التي رفضت الكشف عن هويتها، تقول إنه بعد قبولها في سلك الماستر قررت الالتحاق بالحي الجامعي بطنجة، لكن طلبها قوبل بالرفض رفقة مجموعة من الطلبة، بحكم أن الإدارة تضمن السكن فقط لطلاب سلك الإجازة بحسبها. وبما أن هؤلاء سبق أن استفادوا من السكن أثناء دراستهم بسلك الإجازة، فقد استندت الإدارة إلى ذلك ولجأت إلى عملية الانتقاء، معتمدة على سلوك الطلاب وأخلاقهم، فتقرر منح بعضهم السكن بالاعتماد على السلطة التقديرية للإدارة.
المتحدثة نفسها تضيف أن الإدارة أخبرتها وبعض الطلبة ممن في مثل حالتها أنهم سيقطنون الحي بصفة غير قانونية، ولن يتم تسجيل ملفاتهم عبر الرابط المخصص للطلبة، حتى لا تعلم الإدارة المركزية بالرباط أن طلبة الماستر يقطنون بالحي، بحسب التبريرالذي تلقته الطالبة متسائلة: “هل هذه المسطرة مستحدثة أم أن هناك غموضا” في الأمر؟”.
الطالبة التي تحدثت لـ”الأخبار” باستغراب حول الطريقة التي يدار بها الحي الجامعي بطنجة، تكشف أن هذا الأخير هو الوحيد الذي لا يؤمن للطلبة الطعام رغم وجود مطعم بسبب إغلاقه منذ سنوات، لعدم وجود تمويل من طرف الجهات المسؤولة، بحسب ما تنقله الطالبة من أجوبة قدمت لهما حول هذا الأمر.
تعددت الأحياء والمعاناة واحدة
معاناة الطلبة داخل الأحياء الجامعية تكاد تكون واحدة، مع بعض الاستثناءات القليلة. “س.ع” الطالب بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، والقاطن بالحي الجامعي فاس سايس، يقول إن الوضع بهذا الحي لم يعد يطاق بعدما بلغ الاكتظاظ نسبة غير مسبوقة، فأمام زيادة الطلبات المقدمة من أجل الاستفادة من السكن بالحي المذكور لجأت إدارته إلى جعل الغرف تضم أربعة أفراد، وفي بعض الاحيان سته أفراد عوض شخصين في الغرفة، مما خلق ازدحاما شديدا ما بين الطلبة.
ويضيف “س.ع”، الذي نقل لـ”الأخبار” بعضا من المعاناة التي واجهها هو وزملاؤه داخل الحي الجامعي أن الأوضاع مزرية، مشيرا إلى سوء المرافق الصحية وانتشار الروائح الكريهة، فضلا عن تعطل وظيفة الصيانة، ما يؤدي إلى تسرب قطرات ماء من أسقف بعض بنايات الحي، التي يعيش داخلها الطلبة. وبخصوص العناية بالجانب الصحي للطلبة، يكشف “س.ع” أن المستوصف الطبي يخصص طبيبا واحدا لأزيد من 4 آلاف طالب، مع العلم أن هذا الطبيب يلوذ بالفرار ويغلق المصحة كلما بدأت المواجهات الدامية بين الفصائل الطلابية، بحسب قول الطالب ذاته.
المتحدث نفسه يرى بخصوص جانب التغذية بالحي الجامعي بفاس أن وجود مطعم بمواصفات جد عادية يحتم على الطلبة الاستغناء عنه لرداءة الأكل، كما يبدي سخطه عن عدم توفير الحافلات الكافية للتنقل من الحي الجامعي إلى الكلية مما ينتج عنه تأخر في إدراك الدروس في كثير من الأحيان، سيما أن الحي الجامعي يبعد عن الكلية بـ12 كيلومترا تقريبا.

إدريس البوعامي: «جودة الأحياء الجامعية في تطور والإجراءات ستكون صارمة مستقبلا»
أوضح إدريس بوعامي، مدير المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية، في اتصال بـ”الأخبار”، أن الاستراتيجية المتبعة من طرف المكتب ووزارة التعليم العالي، في مجال الإيواء، ترتكز على عدة تدابير تنص على بناء أحياء جديدة وتوسعة أحياء حالية، ثم التحكم في عملية الإيواء وتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص، والاصلاح الشامل والمتواصل للأحياء.
وأضاف أنه منذ سنة 2013 تم بناء أحياء جديدة بكل من بني ملال، أكادير تطوان، الناظور، آسفي، مكناس وفاس بقدرة استيعابية إجمالية تصل إلى 3400 سرير، مشيرا إلى أن المكتب شرع في توسعة مجموعة من الأحياء، بمدن وجدة الدارالبيضاء، الرباط، مكناس، الرشيدية بطاقة إيوائيه تصل إلى 7400 سرير، مضيفا أن القدرة الإيوائية الآن تفوق 27300 سرير، أي ما يعادل نسبة 86 في المئة بالمقارنة مع سنتي 2011 و2012.
وأقر مدير المكتب الوطني للأعمال الجامعية أنه رغم هذا الجهد الذي تقوم به الوزارة، فإن القدرة الإيوائية الحالية تبقى جد محدودة، مقارنة مع عدد الطلبة المعوزين، الذين يتقدمون بطلب الاستفادة من السكن الجامعي، مضيفا أنه رغم ذلك ارتفعت نسبة الاستجابة لطلبات الايواء إلى 55 في المئة سنة 2014، وسترتفع أكثر سنة 2015-2016.
ولتحسين ظروف عيش الطلبة، قال بوعامي إن المكتب قام بتدابير تشمل الاصلاح الشامل لكل الأحياء الجامعية الـ20، تشمل تجديد الأفرشة والأغطية والأسرة، والكراسي والطاولات، بناء خمسة عشر مركزا طبيا وإصلاح ثلاثة آخرين مع مدها بكل المعدات الضرورية والأدوية الكافية، بالإضافة إلى بناء قاعات للرياضة البدنية. ومركبات مشتركة للدوش بكل الأحياء مع تثبيت الالواح الشمسية بها لتسخين الماء، واصلاح الملاعب الرياضية وفضاءات الأحياء (الانارة، الممرات، الساحات، الحدائق)، وتثبيت كاميرات المراقبة بكل الأحياء للمساهمة في استباب الأمن بها. وذكر أن وزارة التعليم العالي والمكتب اتجها لتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص لبناء إقامات طلابية.
أما عن طريقة الاستفادة من السكن بالحي الجامعي، فأكد أن المكتب بدأ تطبيق مسطرة جديدة، تروم الشفافية والعدالة ونبذ المحسوبية والزبونية. وتطبيقا لهذه المسطرة -يقول بوعامي- فإن طلب الاستفادة من السكن يترتب، حسب معايير(دخل الأبوين، عدد الإخوة والأخوات تحت الكفالة، بعد الإقامة، الاستحقاق الإداري) مع إعطاء الأهمية للمعيارين الأولين، وكذا الطلبة الجدد بمسلك الاجازة ثم طلبة الماستر وأخيرا الدكتوراه.
وأشار المسؤول ذاته إلى أن المكتب يوزع على الطلبة ما يقارب تسعة ملايين وجبة غذائية سنويا عبر 15 مطعما جامعيا وسيتم الرفع من عدد المطاعم إلى 20 في متم سنة 2016، وحتى يتم التحكم في عملية الإطعام كماَ وكيفا، فإن المكتب يعتمد أسلوب المناولة بـ12 مطعما من أصل 15، حسب البوعامي الذي أشار إلى أنه تم تعيين وتكوين مراقب بكل المطاعم الجامعية، مضيفا أن مطعم الحي بطنجة لم يتم بناؤه، بسبب إخلال الشركة بالتزاماتها ما دفع المكتب إلى التوجه للقضاء لفسخ العقدة معها بخصوص توسعة الأحياء الجامعية بالرباط، سطات، وطنجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى