شوف تشوف

الرأي

الابتزاز الأمريكي للسعودية يدخل فصلا جديدا

العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تعمد إهانة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أثناء زيارته للعاصمة السعودية لحضور اجتماعات قمة مجلس التعاون الخليجي، عندما قصد عدم الخروج لاستقباله على أرض المطار، أسوة بقادة خليجيين آخرين وصلوا في اليوم نفسه، بسبب تصريحاته التي وجه فيها انتقادات لبلاده بدعم الاسلام المتطرف ونشره، وطالبها بالحوار مع طهران للوصول إلى سلام بارد، ولهذا لا نستبعد أن تلجأ «المؤسسة» الأمريكية إلى رد انتقامي لهذا السبب أو لغيره، إن لم يكن في عهد الإدارة الحالية الموشك على الانتهاء، ففي عهد الإدارة المقبلة.
عملية «الابتزاز» للمملكة العربية السعودية بدأت عندما أعلن أعضاء في الكونغرس عن نواياهم إصدار تشريع يدينها، أي المملكة، بالتورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، التي أدت إلى مقتل ثلاثة آلاف أمريكي، كانوا يعملون في برجي مركز التجارة العالمي، ويفرض نشر محتوى تقرير اللجنة المستقلة في هذه الهجمات، بما في ذلك 28 صفحة جرى طمس سطورها باللون الأسود، ودارت تكهنات عديدة بأن السعودية مذكورة فيها.
الرئيس باراك أوباما تعهد باستخدام صلاحياته كرئيس للجمهورية بمنع صدور هذا التشريع أو القانون، ولكن من غير المستبعد أن تمرره الإدارة الجديدة، جمهورية كانت أو ديمقراطية، وبما يؤدي إلى إعطاء الضوء الأخضر لأهالي ضحايا هذه الهجمات بمقاضاة المملكة أمام المحاكم الأمريكية، طلبا لتعويضات مالية ضخمة، لأن 15 من منفذي هذه الهجمات من مواطنيها.
الاثنين الماضي أدلى جون برينان، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) بتصريحات في مقابلة مع محطة «إن بي سي» بمناسبة الذكرى الخامسة لاغتيال زعيم تنظيم «القاعدة»، قال فيها «إن نشر تقرير كامل عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر يمكن أن يلحق الضرر بالعلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية»، ولكنه أضاف بطريقة ماكرة «إن اللجنة المعنية فحصت جميع البيانات، وتوصلت إلى استنتاج قاطع أنه ليست هناك أدلة على أن الحكومة السعودية أو ممثليها الرسميين قدموا مساعدات مالية لتنظيم «القاعدة».
كلام برينان هذا يناقض نفسه، فإذا كان ما قاله عن عدم وجود أي أدلة على تقديم الحكومة السعودية، أو ممثليها أموالا للمتورطين في الهجوم، صحيحا ومؤكدا، فلماذا يتحدث إذا في فقرة سابقة عن أن نشر هذا التقرير كاملا يمكن أن يلحق ضررا بالعلاقات السعودية الأمريكية؟ إنه تلاعب بالكلمات والأعصاب المراد منه توجيه رسائل مبطنة إلى الرياض تحديدا.
إنها عملية «ابتزاز» مبرمجة هدفها إرهاب السلطات السعودية، ودفعها للقبول بالإملاءات الأمريكية تحت تهديد التقرير المذكور، وصفحاته الـ28 التي جرى تسويد سطورها.
قبل أيام سربت أوساط امنية أمريكية، وربما تكون وكالة المخابرات المركزية نفسها، أو أحد العاملين فيها، معلومات إلى صحيفة «الاندبندنت» البريطانية تقول أن الأميرة هيفاء الفيصل زوجة الأمير بندر بن سلطان، السفير السابق في واشنطن، ورئيس جهاز الامن القومي السعودي سابقا، قد أرسلت 75 ألف دولار من حسابها البنكي إلى أسامة بسنان السعودي، الذي كان يقيم في مدينة سان ديغيو قبيل الهجمات المذكورة، وكان في صحبة اثنين من المنفذين هما نواف الحازمي، وخالد المحضار، وجرى تحويل جزء منها إلى مواطن سعودي آخر، يدعى عمر البيومي الذي قدم مساعدة للحازمي والمحضار، حول كيفية التسجيل في دورات للتدريب على الطيران.
هذه الأدلة التي يعتقد أن بعضها ورد في تحقيق لجنة الكونغرس تبدو ضعيفة للغاية، فالمبلغ المذكور جرى تحويله إلى أسامة بسنان تلبية لطلب تقدم به إليها (الأميرة هيفاء) لمساعدته لعلاج زوجته، كما أن إعطاءه جزءا من المبلغ للبيومي، لا يعني أيضا أن هذا البيومي له علاقة بالحازمي أو المحضار، وأن تقديمه مساعدة لهما للانخراط في دورات تدريب على الطيران، لا يعني أنه يعرف نواياهما، والا لطالبت الادارة الأمريكية بتسليمه لمحاكمته بتهمة الارهاب، أو لزجت به في سجن غوانتانامو سيء الذكر.
المسألة لا تعدو عن كونها عملية «تلفيق» أمريكية الهدف منها الابتزاز، وحلب عشرات المليارات من الاحتياطات المالية السعودية المقدرة بحوالي 620 مليار دولار قبل أن تتبخر، بسبب العجز في الموازنات وتكاليف الحروب الباهظة في اليمن وسورية.
أذكر أنني التقيت زميل الدراسة عبد الرحمن شلقم، وزير الخارجية الليبي، عندما كان رئيسا للدبلوماسية الليبية في عهد الراحل معمر القذافي، وأشرف بالكامل على المفاوضات مع الادارة الأمريكية لتسوية قضية رفعها أهالي ضحايا طائرة لوكربي أمام إحدى المحاكم الأمريكية، وقضت بدفع تعويضات مقدارها ثلاثة مليارات دولار، وأكد لي، أي السيد شلقم، أنه يؤمن إيمانا قاطعا بأن اتهام ليبيا مفبرك، وأن بلاده ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بعملية التفجير، فسألته ولماذا دفعتم التعويضات إذا؟ أجابني بأنهم فعلوا ذلك من أجل «إنقاذ» ليبيا، والحكم فيها، وفتح صفحة جديدة مع أمريكا والغرب، وقال «نحن اشترينا سلامتنا وبلدنا وبقاءنا بالثلاثة مليارات، ولإغلاق هذا الملف نهائيا».
أمريكا التي فبركت أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، لا نعتقد أنها ستعجز عن فبركة اتهامات للسعودية، حليفتها على مدى 80 عاما، بلعب دور في تفجير الحادي عشر من سبتمبر.
أمريكا تنضح عداء للعرب والمسلمين، ولا يمكن الوثوق فيها كحليف أو صديق، لأنها تغير حلفاءها مثلما تغير جواربها، عندما تنتهي مصالحها معهم، ولا تفهم لا لغة القوة والندية، وانقلابها على السعودية ودول الخليج، وتوقيعها اتفاقا نوويا مع إيران أحد الأدلة، وقائمة الأدلة الأخرى طويلة.
دفع ليبيا ثلاثة مليارات لأهالي ضحايا طائرة لوكربي لم يحم نظام العقيد معمر القذافي، ولم يأت بالسلام والاستقرار لليبيا، فبعد بضعة أشهر فقط من توقيع الاتفاق المذكور أطاحت طائرات حلف «الناتو» بالعقيد ونظامه، عبر بوابة «ثورة» فبركها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وصديقه ومستشاره برنارد هنري ليفي، ونترك الباقي لفهمكم.
نخشى أن يتكرر السيناريو نفسه في السعودية، وما نأمله أن تستوعب السعودية هذا الدرس الليبي جيدا حتى لا تتحول إلى ليبيا أخرى، والله وحده أعلم بالغيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى