شوف تشوف

الرأي

الانفراج؟

الكلمة الأكثر شيوعا هذه الأيام هي «الانفراج». من كثرة ما استعملت في المقالات المواكبة لمسلسل تشكيل الحكومة، أصبحت أكثر حضورا في الجرائد من عبارة «الانتقال الديموقراطي».
الانتظار هو أسوأ ما يمكن أن يقع. ونحن الآن ضحية هذا الانتظار، واكتشفنا أن هناك ما هو أسوأ، وهو انتظار «اللاشيء». والمثير أن هؤلاء الذين ينتظرون، لا يملكون أي فكرة عن بنية الحكومة المقبلة ولا توجهها.. وهو أمر متوقع في الحقيقة، لأن مشكلة المغرب منذ سنوات أن سياسييه لا يملكون أي فكرة عن المستقبل.
لقد سقط المتسابقون في الفخ. انشغلوا بتوزيع الأسماء على الدوائر، وتفريق التزكيات والبحث عن الأصوات، وانشغلوا أكثر، طيلة السنوات الخمس الأخيرة، بزرع أنصارهم لتشكيل خريطة انتخابية محكمة، لكنهم نسوا التفكير في ما بعد الانتخابات. وهذا الأمر يقع لكل من لا يرى أبعد من أنفه.. للأسف.
سُرقت كلمة الانفراج من نشرة أحوال الطقس وجيء بها إلى السياسة لتفقد عمقها. المكان الوحيد الذي كنا نسمع فيه مصطلح الانفراج هو النشرة الجوية، في مواسم المطر التي يصلي القرويون خلالها لكي لا تنزل منازلهم فوق رؤوسهم من شدة التساقطات المطرية التي لا تقيم وزنا لهشاشة البنيات التحتية وحجم القواديس. ورغم أنهم كانوا يتحدثون وقتها عن انفراج في الأفق، فإن الأمطار كانت تواصل الهطول إلى أن تسحب الأودية رؤوسا من المواشي، وتنزل بعض الأسقف القديمة فوق رؤوس أحفاد البُناة الأصليين لتلك المنازل الآيلة للسقوط أصلا، وقد تُتلف المزروعات، ورغم ذلك فإن النشرة الجوية تتحدث دائما عن الانفراج.
عاد الحديث من جديد هذه الأيام عن معاناة المناطق المعزولة مع المطر، وككل عام، لا شيء سيكون جديدا، سيجرف التيار بعض المواطنين الذين تجرؤوا على العبور وتحدوا قوة التيار، وستقام جنازة وعويل وسينسى الجميع القصة، وستبقى الأمور على حالها. المستفيد الوحيد هم أولئك الذين يعقدون الاجتماعات في الجماعات المحلية والبلديات لمناقشة ميزانيات إنشاء القناطر وترميمها، وينتظرون مثل هذه «المناسبات» لتخصيص ميزانيات جديدة لترميم القناطر، وكأن الأمر يتعلق بقناطر معلقة فوق البراكين.
هناك قسط من اللوم يجب أن يُوجه لهؤلاء المواطنين أنفسهم. فغياب الوعي بمخاطر الأماكن المجاورة لمجاري الأنهار والعيش بقرب الكوارث الطبيعية، يجعل أغلب المواطنين هناك يذهبون ضحية هذا الجهل، ويطالبون بتدخل الدولة وهم يعلمون جيدا أن المسؤولين القريبين منهم، لن يفعلوا أي شيء لأجلهم. هناك من يبني بيته على بعد أمتار من مجرى نهر كبير يُرى من الفضاء، ويطالب الدولة في الأخير بأن تحميه من الفيضان. هذا دون أن نشير إلى ملايين المغاربة الذين يعيشون في المنازل الطينية التي لا تزال تُبنى في المناطق الفقيرة بأدوات بدائية، ويكون الطين مكونا أساسيا في بنائها، حتى أن هناك مناطق في المغرب لا يزال استعمال الإسمنت فيها للبناء حكرا على الأغنياء وحدهم، والمهاجرين بطبيعة الحال. وعلى ذكر المهاجرين، لا ندري كيف سيكون إحساسهم وهم يرون هذه الأيام ما تتخبط فيه البلاد من نقاشات بيزنطية حول السياسية وتدبير الشأن العام وتحديات الأحزاب، التي أصبحت كلها فجأة تهتم بشأن المرجعية.
هؤلاء، أي المهاجرون، يعلمون جيدا أن تحويلاتهم هي الضامن الأساسي لاستقرار الأسر المغربية. دعك من الانفراج والتوافقات والمقاصة وأسعار البترول.. المغربي بخير ما دام قريبه خلف البحر يتذكره كل شهر، الانفراج الحقيقي هو رؤية موظف وكالة تحويل الأموال وهو يعدّها، أما الحكومة والجفاف، وحتى الفيضان.. كلها فيها نظر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى