الرئيسيةبانوراما

التكنولوجيا من خدمة عن بعد إلى أنظمة مراقبة تدمر الخصوصية

إعداد: سهيلة التاور
كيف يمكن لمفهوم التكنولوجيا المتعارف عليه أن يتغير وينقلب رأسا على عقب؟ ففيما كانت تهدف إلى تسهيل الحياة على البشر ورفع المشقة عنهم، تغيرت أهداف التكنولوجيا وصارت تساهم في محاصرة الإنسان ومتابعته لحظة بلحظة من خلال هاتفه الذكي، حاسوبه المتنقل وحتى من خلال التطبيقات التي يحملها والحسابات الإلكترونية التي ينشئها عبر الأنترنت. إنها أنظمة المراقبة التي غيرت مفهوم التكنولوجيا وقد تم تبني هذه الأنظمة لأغراض مختلفة منها الإيجابي كالمتابعة الطبية عن بعد والمساهمة في حماية الأمن الداخلي والخارجي للبلدان، آخرها الشراكة بين فيسبوك وغوغل وFBI وnsa، ومنها السلبي كالمتاجرة في المعلومات الشخصية مقابل مبالغ هائلة.
تعتبر التكنولوجيا مهمة لأنها تستخدم في جميع مجالات الحياة. فعندما تتأمل روتينك اليومي وتحصي جميع أدوات التكنولوجيا التي تستهلكها في يوم واحد فقط ستدرك مدى أهمية التكنولوجيا عند استخدامك للهاتف النقال أو مشاهدة التلفاز أو قيادة السيارة أو استخدام الحاسوب أو أي آلة كهربائية. في الواقع، يوما بعد يوم يزداد الاعتماد على التكنولوجيا سواء من خلال التواصل أو المواصلات أو البحث عن أي معلومة أو حتى التسلية. وبسبب أهمية التكنولوجيا، فقد قامت معظم الشركات بإنشاء أقسام للبحوث والتطوير لتقديم إمكانيات أخرى لتلبية متطلبات الناس أو إبهارهم بشيء لم يحلموا به يوما كالمراقبة الصحية عن بعد مثلا، أو مساعدة الوكالات الاستخباراتية الكبرى والأمنية المحلية والدولية. كما أن أخرى استغلتها لأغراض ذاتية وأصبحت توفر المعلومات الشخصية التي يقوم الشخص بالإدلاء بها للجهات التي هي في حاجة إليها مقابلة ملايين الدولارات.

يوم سينقرض الأطباء
هل سبق لك أن ذهبت إلى طبيب ما، سواء أكان متخصصا أو عاما، ووجدت أمامك عددا ليس بالقليل من المرضى الراغبين في فحوصات وربما وضعهم الصحي يستوجب وقتا طويلا لتشخيص مرضهم، فقعدت تنتظر لساعات طوال في غرفة الانتظار وفي بعض الحالات تتوجع أو تصطحب ابنك الصغير المريض الذي يتألم بصوت عال مصحوبا ببكاء؟ أكيد، إنه أمر لابد وأنك عشته ولو مرة واحدة في حياتك أو للأسف تكرر معك مرات عديدة. من حسن حظ الجميع أن هذه المعاناة أصبحت شيئا من الماضي. ففي غضون السنوات العشر القادمة، سيتمكن الطبيب من تفحص أذنك أو أذن طفلك من خلال منظار متصل بجهاز الكمبيوتر الخاص بك الذي يسجل شريط فيديو للأذن من الداخل والخارج، ثم يرسل هذا الشريط إلى الطبيب بنقرة زر واحدة ليستطيع تشخيص المرض، وبعد ذلك يرسل لك الوصفة الطبية عن طريق تطبيق مؤمن موجود على هاتفك النقال، وبالتالي الزيارة الطبية تكون قد تمت.

عملية المراقبة الطبية
بدلا من استقبال المرضى الذين تم تشخيص مرضهم مسبقا، تم خلق الطب الوقائي والفردي. في كل صباح، بمجرد إلقاء نظرة على شاشة الكمبيوتر، يستطيع الطبيب أن يكون فكرة محددة على حالة المريض، مع الاستعانة ببرنامج متخصص في تجميع المعلومات المرسلة من قبل المريض الموجود في منزله ويخزنها قبل أن يعلن برسالة استشعار عن ضرورة التدخل للتشخيص. ففي لوحة المراقبة الخاصة بالطبيب، تسجل جميع أسماء المرضى بطريقة يرتب فيها الأشخاص الذين هم في حالة صعبة والتي تتطلب مراقبة دقيقة وأولئك الذين يتمتعون بحالة مستقرة، فبالنسبة لهؤلاء الأخيرين تظهر إشارة بجانب أسمائهم باللون الأخضر وعند أي خطر تشتعل إشارة باللون الأحمر سواء على الكمبيوتر أو على الهاتف النقال الخاص بالطبيب، الشيء الذي يستوجب عليه التدخل على الفور دون تأخر عن طريق عملية كشف عن بعد بواسطة اتصال صوت وصورة مع المريض الذي لم يحس بعد بأعراض مرضه بشدة وهو جالس مرتاح في منزله دون الحاجة إلى أن ينتظر 6 أيام على الأقل ليكشف عليه الطبيب في عيادته.

مميزات الطب عن بعد
الهدف من هذه الفكرة التي هي في تطور مستمر لتحقق بشكل واسع النطاق في العالم بأكمله خلال العشرة أعوام القادمة، ليس هو القيام بتجريد الطب من صفات الإنسانية، بل على العكس من ذلك، فهذا سيسمح لك بأن تكون متابعا صحيا من طرف الطبيب بكل سهولة، بدون تكلفة باهضة، نتائج علاجية ممتازة، وكذلك التخلص من نفقات التنقل، وعدم تضييع الوقت داخل قاعات الانتظار. فصحيح أن الأجهزة المتصلة لا تستطيع القيام بكل شيء. ولكن خلال العشرة أعوام القادمة، سيتم العمل على أن تتمكن من توصيل أكبر قدر ممكن من التفاصيل العضوية. وكل الأجهزة المتصلة ستجمع في جهاز واحد فقط قادر على القيام بجميع القياسات والذي يتوفر على شاشة تماما كشكل الساعة اليدوية. والطبيب بدوره سيتوفر على جميع التفاصيل الخاصة بمريضه ابتداء من اليوم الأول الذي تمت فيه متابعته الطبية.

مراقبة حيز التطبيق
في العالم الصحي الكل سيكون متصلا، الطبيب الاختصاصي، الطبيب العام، المستشفى، المريض، الصيدلي، وكذا الممرضة. يتوقع إريك كوي، طبيب عام في نوييل ليزو بيي، في لي دو سيفر ومؤسس الأطباء المتصلين «Connected Doctors»، مقر التأمل لتطوير هذه الممارسة الناشئة. فلقد استطاع هذا الطبيب أن يخرج هذه الفكرة الجديدة إلى الوجود ووضعها حيز التطبيق. إنه يتابع حاليا 70 من مرضاه من خلال معلومات عضوية استقاها عن طريق أجهزة متصلة، من مقياس ضغط الدم إلى جهاز قياس السكر في الدم وجهاز قياس الأكسجين الجزيئي. فكلما قام الطبيب بإخبار المريض وتقديم له الشرح الكافي ليتمكن من استخدام هذه الأجهزة كلما زاد المريض دراية بصحته وأصبح عنصرا فعالا في الإجراءات الطبية العلاجية، كما سيساعد في تطور «الطب عن بعد» الذي يعتبر فعالا جدا وغير مكلف ماديا ولا جسديا.

أجهزة التعقب على الفايسبوك وغوغل
بعد سنوات قليلة ستتمكن المخابرات ورجال الشرطة أن يعتقلوا كل شخص خارق للقانون بعد ساعات فقط من قيامه بفعلته. وذلك بفضل كاميرات المراقبة، التي تلتقط كل تفاصيل الجريمة المرتكبة، التابعة للفايسبوك، موقع التواصل الاجتماعي الذي يخزن أزيد من 250 مليار صورة لمستخدميه وأصدقائهم. فمعدل نجاح برنامجه الخاص بالتعرف عن الوجوه «Deepface» يصل إلى 97,25 في المائة ويفوق حتى أقوى البرامج المعلوماتية التابعة للقوات الرسمية (85 في المائة). فبفضل تقنياتهم واللوغاريتمات التي يتوفرون عليها ذات إمكانية وضع اسم كل شخص على صورته، تحليل البريد الإلكتروني لكل شخص، الصور، الفيديوهات، التعليقات، فإن غوغل والفايسبوك تمكنا من تبني أنظمة جد متطورة. إنهم يتاجرون في العالم بأسره، بملايير المعلومات التي يأتون بها عن طريق المعلومات الذاتية التي نقوم بتسجيلها بمحض إرادتنا عند ولوجنا البرامج والتطبيقات الخاصة بهم والتي بدورها تسمح لهم بتشكيل عدة وسائل للمتاجرة بها. ففي سنة 2025، ستتمكن هذه المواقع العملاقة من توفير معلومات أكثر من التي في يدها الآن وأكثر تدقيقا وخطورة والأهم من هذا أنها لن تكون موجهة دائما لغاية أمنية سليمة مائة في المائة.

معلومات تحت الطلب
مع الأيام، سيصبح غوغل والفايسبوك وآبل فروعا مساعدة للشرطة السلطوية. فنظرا للأزمة والقيود المفروضة على الميزانية، الحكومات أصبحت جد منهكة، وبدلا من قيامها بعملية البحث ستلتجئ إلى هؤلاء العمالقة لشرائها جاهزة وبدون عناء. فمقابل مبلغ معين من الدولارات، هذه المعلومات الخاصة ستمكن من تمييز، تحديد، واستدعاء الملايين من الأشخاص المتهمين وكذا المشكوك فيهم في قضايا يعاقب عليها القانون.
إن هذا التطور جار به العمل حاليا. فمن الذي قاد المغني جون لوك لاهاي إلى الامتثال أمام المحكمة؟ المراهقة الضحية؟ أبواها؟ الكلاب البوليسية للشرطة الوطنية؟ إنه أكيد الفايسبوك، أو بالأخص واحد من اللوغاريتمات الخاصة به.
يجب معرفة أن في سنة 2012، بدأت الشركة تستعمل برامج لتسجيل كل الرسائل الخاصة وتحليل الصور المتبادلة، وعند حدوث أي تصرف غير طبيعي، يتم تحديده والإعلان عليه من طرف الروبوهات، ثم يتم تدخل الأمن الوطني أو الدولي. فهذا تماما ما حصل بالنسبة للمغني جون لوك الذي كان يستعمل الفايسبوك للمحادثة مع تلك المراهقة. كما أنها يمكن أن تساعد الشركات في التجسس على مكاتب الدراسات المنافسة لها، لتحديد الاستراتيجية التي يعتمدونها، وكذا سرقة العروض المقدمة لهم.

أهداف دعائية وأخرى أمنية
كما أن هناك قضايا أخرى من نوع آخر يدخل فيها غوغل كضيق شرف. إن غوغل بفضل روبوهاته يسجل كل رسائلنا التي نتبادلها عبر البريد الإلكتروني والتي تستغلها لترسل لنا الدعايات التي تتناسب ورغباتنا، شخصيتنا وكذا اهتماماتنا. كما أن أنظمتها جعلت إمكانية الإشارة إلى أي محتوى يتضمن مشاهد خليعة بورنوغرافية أو شكل من أشكال الاعتداء الجنسي على الأطفال إذا تمت مشاهدة ذلك في حساباتنا الخاصة على الأنترنيت. مجموعة من القضايا أبانت على أن هؤلاء العمالقة يعملون بشراكة مع NSA الوكالة الأمنية الوطنية، إلا أنهم كلهم ينكرون هذا خوفا من فقدان مستخدميهم والإقلاع عن استخدامهم، ولكن إدارة أوباما أكدت وجود برنامج يمكن من الولوج، لأهداف استخباراتية داخلية، للمعلومات الخاصة بالمستخدمين المقيمين بالخارج. على حسب ما نعلم، هذه الشراكة بين الشركات الرقمية وخدمات التجسس والشرطة غير مطبقة بشكل جدي وحازم، إلا أنه خلال العشر سنوات القادمة ستتطور بالتأكيد. حيث أنه إذا كان من المفروض وضع 20 وكيلا لتتبع شخص واحد 24 ساعة على 24، فبفضل غوغل وآبل سيتم تتبعه بكل سهولة وكشف ما يفعله طوال اليوم وكذا معرفة تنقلاته بدون عناء حتى عن طريق نظام تحديد الموقع الجغرافي المحمل على الهواتف الذكية. وهكذا ستتمكن الشرطة من إلقاء القبض على الخارقين للقانون في وقت أقل.

الخصوصية.. شيء نظري فقط
إن شرعيتنا تضمن لنا الحفاظ على حياتنا الخاصة. كما أن قانون الأمن الداخلي يخول لنا الحق في التمتع بالسرية التامة في تبادلاتنا التي تتم عن طريق وسائل التواصل الإلكتروني. إلا أن الـ NSA والفايسبوك لا يهتمون لهذا نهائيا وما يدل على ذلك هم المتهمين المحكوم عليهم بسنوات سجنا نافذا بناء على محادثات عبر الفايسبوك أو رسائل عبر البريد الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى