الرأي

التنورة

رأيت اليوم شابة جميلة في مقتبل العمر ترتدي شورطا قصيرا «دجين» تسير بملامحها البريئة وساقيها العاريتين رفقة والدتها بشارع علال بنعبد الله بالرباط.
في وسط المدن الكبرى ومنذ منتصف الستينات الى بداية التسعينيات كانت الميني جوب موضة ورمزا للأنوثة، ولم يكن الناس يتدخلون في شكل لباس الفتاة أو المرأة، فمنظر السيقان العارية كان عاديا حيث العديد من النساء يذهبن الى مقرات العمل أو للدراسة بلباسهن القصير دون أن يتعرضن لأي مضايقة.
لكن لكل مكان لباسه، فلا يمكن مثلا تصور شابة أو امرأة تتجول بلباس قصير في سوق أسبوعي أو حي شعبي، وإلا فهي بالضرورة تبحث عن المشاكل، كحكاية تلك المرأة المعاصرة التي ذهبت للتسوق في حي شعبي وهي ترتدي تنورة فضفاضة فوق الركبة، عندما همت بمغادرة السوق، فتحت «كوفر» سيارتها وانحنت قليلا لتضع به مقتنيات التبضع، في لحظة خاطفة وامام انظار الجموع باغتها من الخلف رجل مكبوت، ربما كان مختلا عقليا، هز سترتها وقضى الغرض وهو يتأوه.
في بداية التسعينات كانت تسكن بالحي الذي أقطنه فتاة متحررة، تُمتع نظر كل من يراها وهي تستعرض أنوثتها وأناقتها وجمالها دون أن تعطي الانطباع بأنها فتاة «سهلة» لا عاهرة ولا خانعة.. كانت أنثى فاتنة، ساحرة بجمالها وبقوامها الرشيق: طويلة القامة، ممتلئة قليلا حيث يليق الامتلاء، دائمة الأناقة، جريئة، متحررة ومدهشة لا تجد حرجا في إبراز مفاتنها والاحتفال بجمالها. تلبس كعارضات الازياء في مجلات الموضة العالمية وتتحرك كبطلات الافلام الامريكية دون أن تبالي بمن حولها، كانت تبدو لي كـ«نجمة سينمائية» محاطة بجمهور من المعجبات والمعجبين والمصورين. فعلا، فعُيونُُ كثيرة كانت تلتقط لها الصور وتخزنها في الذاكرة. في نادي أحد شواطئ الرباط المشهورة حيث يقل الاكتظاظ ولا يصله من أبناء الأحياء الشعبية إلا المتحضرون المتعايشون مع المظاهر الغربية، رأيتها يوما تتصرف كما لو أنها في شاطئ ميامي بيتش بفلوريدا: أنا التي كنت أجد صعوبة في التخلي عن «الكاش ـ مايو أو الميني ـ شورط» استغربت كثيرا لجرأتها وأنا أراها تسبح وتأخذ حمام شمس وهي عارية إلا من مايو برازيلي لا يكاد يستر شيئا.
في السنوات الاخيرة أراها صدفة في الحمام الشعبي، مؤخرا سألتها فيما كانت تُفكر وهي تواجه نظرة المجتمع للفتاة المتحررة. بنبرة هادئة كان ردها: «لا شيء. لم أكن أرى الناس ولا أبالي بنظرتهم.. كنت أفكر فقط في نفسي». صدقتها، لأنني أيضا في بداية شبابي كنت أحب ارتداء الميني جوب، واللباس القصير صيف شتاء. ولم أكن أبدا أفكر في الناس ونظرتهم إلا للمواجهة، دائما مستعدة لردع الفضوليين والمتحرشين على قلتهم وكل من سولت له نفسه التحرش بي ولو بإبداء ملاحظة ولو غزلية على شكلي. نظرة واحدة غاضبة كانت كافية لجعل المقبل على التحرش والغزل يبلع لسانه ويتخلى عن فكرته.
ذلك زمن آخر، وموضة أخرى، الآن الموضة هي «دخول الشبوقات».. حتى في بعض البلدان الغربية المتحضرة كفرنسا مثلا صار من المستحيل التجول في بعض الأحياء التي يقطنها المهاجرون باللباس القصير دون التعرض للتحرش والمضايقة وحتى الشتم. يبدو أن في زمننا هذا لم يعد ينفع تخراج العينين لردع المتحرشين، بل الأفضل خفضهما و«تحمل التحرش» والا ستجد الواحدة نفسها بعد وابل من الشتم واللعنات في مخفر شرطة وبعدها في السجن بتهمة زعزعة «شيء ما» كما وقع لفتاتي أكادير، اللتين ربما، أخطأتا المكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى