سري للغاية

الجابري: «هؤلاء هم أعضاء أول مجلس دستوري ولهذه الأسباب ولد ميتا»

رابعا: إقالة الحكومة.. وفوز الاتحاد في الانتخابات
تجددت الحملة على حكومة عبد الله إبراهيم كما بينا سابقا، وتمكن خصوم الاتحاد من الحصول على قرار إقالتها يوم 20 ماي 1960، أي قبل إجراء الانتخابات الجماعية الأولى بأسبوع واحد. وكان واضحا أن حرص خصوم الاتحاد على التعجيل بإقالة الحكومة التي يساندها، كان يرمي من جملة ما يرمي إليه التأثير في الرأي العام المغربي، حتى لا يصوت لمرشحي الاتحاد، خصوصا بعد أن فاجأتهم نتائج انتخابات الغرف التجارية والصناعية التي جرت يوم 8 ماي، والتي حقق فيها الاتحاد فوزا كاملا، إذ فاز مرشحوه في معظم المدن المغربية بأغلبية ساحقة، بفضل تجنيد التجار والصناع الصغار، فحصل الاتحاد على مائة في المائة من المقاعد في غرف المدن التالية: البيضاء، طنجة، الناظور، الجديدة، سطات، وفي مجموع إقليم الشاوية، وفي آسفي، والرباط. وفاز بنسبة أكثر من 90 في المائة من المقاعد في مراكش ومكناس.
وحول هذا الفوز الكبير كتبت تعليقا في ركن «بالعربي الفصيح» كان مما ورد فيه بعد إبراز أهمية الحدث، ما يلي:
«… ومن هنا لا يمكن أن يفسر نجاح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في هذه التجربة إلا على هذا الأساس، أساس وعي الشعب ونضجه وإيمانه بالمبادئ والأفكار، وثورته على الأشخاص والألقاب والمفاهيم التقليدية الأخرى. الكل يعلم أن قيادة الاتحاد الوطني مشتتة: بعضها في السجون وبعضها الآخر في الخارج، وكثير من العناصر الواعية الثورية لا تظهر في الميدان، إما لأنها في السجن أو في ما يشبه السجن، والكل يعلم أيضا أن الانتخابات في ميدان التجارة والصناعة تكون نتائجها منطقيا في صالح العناصر الرأسمالية الرجعية، ولكن الذي حدث غير هذا. لماذا؟ لأن الشعب المغربي هو الذي فرض تلك القيادة ولأن الجماهير المغربية قد لفظت منذ مدة العناصر الرأسمالية والرجعية، وبعبارة أخرى لقد أصبح الشعب يملك زمام أموره ويوجهه بوعيه وإدراكه».
وقد جاءت نتائج الانتخابات الجماعية لتؤكد ذلك، إذ لم تؤثر إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في معنوية المناضلين الاتحاديين فتجندوا لتعبئة الجماهير فكانت النتيجة أن فاز مرشحو الاتحاد، عندما أعلنت النتائج يوم 30 ماي، بأغلبية ساحقة في أغلبية المدن والقرى. لقد حصل مرشحو الاتحاد على أرقام قياسية في البيضاء والرباط وطنجة والجديدة والقنيطرة وغيرها. من بين النتائج التي كان لها وقع المفاجأة العظمى في الداخل والخارج، انهزام السيد محمد الدويري الذي عين وزيرا للمالية في حكومة ولي العهد في الرباط أمام مرشح الاتحاد الحاج محمد بنعلال العوينات، وكان يكسب قوت يومه من بيع الفحم (فحام). وقد أبرزت «التحرير» انتصار هذا الرجل الشعبي على السيد الوزير بأغلبية ساحقة 374 صوتا مقابل 130 للدويري.
هذا وقد نجحت الشخصيات الاتحادية المترشحة: بوطالب، محمد حجي، الدكتور بلمختار، المعطي بوعبيد، التهامي الوزاني، عبد الرزاق من الاتحاد المغربي للشغل، عبد الحي الشامي، احميدو الوطني.. إلخ. وقد فاز المرشحون الاتحاديون بأغلبية كبيرة في البلديات التالية: البيضاء، الرباط، القنيطرة، الجديدة، سطات، مراكش ورزازات، آسفي، طنجة، الناظور، تطوان، القصر الكبير، خريبكة، ضواحي سوس وغيرها. وحصل على نسبة هامة من المقاعد في الجماعات القروية. والجدير بالذكر أنه لم يكن هناك تزوير أو تدخل مباشر من طرف الإدارة, ولكن كانت هناك هيمنة للسلطة في البادية.
وقد نشبت سجالات صحفية بين الاتحاد وحزب الاستقلال حول أيهما نال الأغلبية. ورغبة في جعل حد لهذا السجال حتى لا ينسينا أهدافنا، ويلهينا من نضالنا كتبت التعليق التالي في ركن «بالعربي الفصيح» يوم 2 يونيو 1960.
يقول التعليق:
«مرت التجربة الديمقراطية الأولى للانتخابات الجماعية كأحسن ما تمر الانتخابات في البلدان المتقدمة التي قطعت أشواطا كبيرة في الحياة الديمقراطية. وإذا كانت نتائج هذه الانتخابات قد أظهرت بوضوح مدى انتصار التقدمية واندحار الرجعية حيث اكتسح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اكتساحا عظيما هائلا، في جميع نواحي البلاد، فلول الرجعية المحتضرة، فإن الواجب يقضي الآن أن تنصرف القوات الشعبية إلى بناء مستقبل البلاد بناء صحيحا على أسس ديمقراطية سليمة. فالواجب يقضي، وقد نجح الاتحاد الوطني نجاحا هائلا مؤيدا بالأرقام والأسماء، أن ننصرف جميعا إلى ما هو أهم، إلى بناء مستقبل البلاد، واضعين ثقتنا الكاملة في الجماهير الشعبية التي برهنت عن وعيها ونضجها ورشدها، الشيء الذي شهد به الخاص والعام، الأجانب وغير الأجانب، والخطر كل الخطر هو السقوط مع الرجعية الفاشلة في مجادلات كلامية دائمة لأن الاستعمار، حليف الرجعية، يريد أكثر من هذا. يريد أن نبقى في مجادلات فارغة مع القوى الرجعية، ليتفرج هو، ويستغل انصرافنا عن أهدافنا الوطنية فيثبت أقدامه ويوطد ركائزه، في حين أن المعركة القائمة في المغرب هي معركة ضد الاستعمار وبقايا الاستعمار، معركة من أجل الديمقراطية والتحرر والتقدم المطرد. لذلك يجب أن ننصرف للعمل من أجل مستقبل البلاد.
نعم لقد انتصرنا اليوم وعلينا أن نعمل لننتصر غدا. هذا شعارنا، وعلى ضوئه سنسير، واثقين من أنفسنا ومن قوتنا كشعب مناضل مكافح. فلنسر جميعا معززين بانتصارنا، فلنسر جميعا والله معنا، والنصر لنا».
خامسا: حملة مضادة تربط المجلس التأسيسي بما جرى في فرنسا
وإثر هذه النجاحات على مستوى الاستشارات الشعبية، أدرك خصوم الاتحاد، وعلى رأسهم كديرة وجماعته، أنه إذا أجريت انتخابات مجلس تأسيسي لوضع الدستور سيكون حظ الاتحاد فيه كحظه في انتخابات الغرف والبلديات، وبالتالي سيكون الدستور الذي سيضعه هذا المجلس في صالح ملكية دستورية ديمقراطية حقيقية. من أجل ذلك انطلقوا في حملة من الوشاية الكاذبة ضد الاتحاد قصد التأثير في جلالة المرحوم محمد الخامس، وقد أسسوا حملتهم على القول إن الاتحاد الوطني بمطالبته بالمجلس الـتأسيسي إنما يريد الإطاحة بالملكية كما حدث حين الثورة الفرنسية عندما اجتمع مجلس تأسيسي سنة 1789 وقرر إلغاء الملكية. ولقطع الطريق أمام هذه التأويلات المغرضة، قررت اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في اجتماعها يوم 20 يونيو 1960، إضافة توضيح لبيان المجلس الوطني حول المجلس التأسيسي، فأكدت أن «الشعب المغربي على استعداد
لانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور ديمقراطي يعرض بعد تحريره على مصادقة الشعب».
ترأس الاجتماع عبد الرحمان اليوسفي، وتولى عبد الهادي بوطالب تقديم العرض السياسي باسم الكتابة العامة، تعرض فيه للقرارات التي سبق أن اتخذها الاتحاد في الفترة الماضية، ثم قال: «إن أهم تلك القرارات بدون شك هو قرار المجلس الوطني المجتمع يوم 3 أبريل الماضي الذي طالب فيه بضرورة التعجيل بانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور ديمقراطي متحرر يعتبر الشعب مصدر السلطات». وبعد أن تعرض لرد فعل السلطات الرسمية على هذا المطلب، قال إن الانتخابات الجماعية قد برهنت على أن «الشعب ناضج ومستعد الآن لانتخاب مجلس تأسيسي، وإن الأصوب هو الشروع بأقصى ما يمكن من السرعة في انتخاب هذا المجلس الذي يجب أن يكلف بوضع الدستور وتقديمه إلى الشعب ليصوت عليه مرة أخرى». وقال بوطالب: «إن ممثلي الشعب هم الذين يجب أن يضعوا الدستور، وإننا لا نريد دستورا ممنوحا، لأن الدستور هو تنظيم ديمقراطي للحكم وهو حق مقدس للشعب، وإن هذا الدستور هو الذي سيضعه ممثلو الشعب والذي سيضع حدا للالتباس والغموض والفوضى السائدة عندنا في تسيير شؤون البلاد».
وفي هذه الأثناء أطلق سراح الأخ البصري والمقاومين بعد أن ثبت لجلالة المرحوم محمد الخامس زيف التهم الموجهة إليهم بخصوص ما سمي «مؤامرة اغتيال ولي العهد»، وقد زار الأخ البصري عددا من المدن أقيمت له فيها استقبالات حاشدة، وخطب في مهرجانات ضخمة، وكان التركيز في ذلك الوقت على المسألة الديمقراطية: على موضوع اختصاصات المجالس البلدية والقروية والدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي لوضع الدستور.
وفي هذه الفترة أيضا التحق الشهيد عمر بنجلون بالمغرب بعد أن أنهى دراسته في فرنسا, حيث كان ينشط في فرع الاتحاد هناك. وكان الشهيد قد حضر ليسانس في الحقوق وشهادة في المواصلات، فعين نائبا للمدير الإقليمي للبريد بالدار البيضاء، وربط اتصالات مع النقابيين البريديين، وصار المحرك للنضال النقابي في القطاع قبل أن يطرد ويتفرغ للنضال السياسي والتنظيم الحزبي والصراع مع الجهاز النقابي.
الفصل الثاني عشر
أولا: مجلس للدستور يولد ميتا!
في الوقت الذي اشتدت فيه حملة الاتحاد من أجل المجلس التأسيسي لوضع دستور ـ يوافق عليه الملك ويعرضه على الاستفتاء ـ وفي الوقت الذي أسقط فيه في أيدي خصوم الاتحاد الذين قاموا بتلك الوشاية الكاذبة التي حاولت أن تحاكم نوايا الاتحاد فربطت بين المجلس التأسيسي وما حدث في فرنسا، في هذا الوقت، وبالضبط في 27 غشت 1960، صدر بلاغ عن الديوان الملكي يعلن أن جلالة الملك أخبر أعضاء حكومته بإنشاء «مجلس الدستور». وأنه قد عين الشخصيات الآتية أسماؤهم أعضاء فيه:
من رجال العلم: 1 الوزير المستشار في مجلس التاج، المختار السوسي. 2 ـ السيد الرحال الفاروقي. 3 محمد داوود. 4 السيد عبد الله كنون. من رجال القضاء: 5 السيد عبد الرحمان الشفشاوني. 6 السيد أحمد الحمياني. 7 السيد أحمد أباحنيني. 8 عمر بنخضرة. من رجال الفكر والسياسة: 9 السيد حرمة ولد بابانا. 10 السيد علال الفاسي. 11 محمد بلحسن الوزاني. 12 السيد الرشيد ملين. 13 السيد المحجوبي أحرضان. 14 السيد عبد الهادي بوطالب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى