شوف تشوف

الرأي

«الجهات» التي تضرنا جميعا

لا حديث اليوم إلا عن الجهات. ويمكن للرابح ألا يربح أي شيء، ويمكن أيضا لغير المحظوظين في الانتخابات، المطرودين بالصناديق، أن يعودوا إلى الساحة من نافذة «التحالفات».
التحالف المغربي حالة مستعصية فعلا.. ولا أحد من أصحاب العلوم السياسية، يستطيع أن يشرح لنا منطق هذه التحالفات الحزبية المغربية التي تجمع بين اليساري، الشيوعي، والإسلامي وحتى الذين يعيشون مراهقة فكرية، ولم يحددوا انتماءهم بعد.
لسان الحملة الانتخابية رطب لا عظم فيه، لذلك يستعمله رئيس الحكومة، لأنه الشيء الوحيد الذي يتوفر عليه، بسخاء لتوزيع الاتهامات على الخصوم السياسيين الذين يجد نفسه اليوم أمام إمكانية التحالف معهم، بل وتسليمهم بعض المناطق على حساب مرشحي حزبه.. كل شيء وارد في نهاية المطاف.
هناك مرشحون وزعماء أحزاب، وجه إليهم رئيس الحكومة اتهامات خطيرة، ولو كان هناك عاقل واحد يأخذ كلام بنكيران جديا، لفُتح على الأقل تحقيق في الموضوع، حتى يذهب أحد الأطراف للمحكمة. إما أن يسجن المنافس الذي اتهمه بنكيران بالفساد والسرقة، أو يُحجر على رئيس الحكومة لأنه يتهم الناس كيفما اتفق. لكن هؤلاء جميعا محظوظون لأنهم يتمتعون بالحصانة. لذلك لا يفكرون إطلاقا قبل التفوه بالكلام «السياسي» الساقط.
حزب التجمع الوطني للأحرار، يريد مزيدا من المكاسب، ولا بد أن بنكيران اليوم يفكر في طريقة لكبح طموح هذا الحزب الذي دخل الحكومة بشهية مفتوحة لابتلاع الكراسي والحقائب.
عندما انسحب حزب الاستقلال من الحكومة، لم يجد بنكيران أمامه إلا صلاح الدين مزوار. ولأنهما لا يملكان إلا بعضهما، فضلا وضع الخلافات جانبا، ونسيان الماضي الذي تبادلا فيه الاتهامات دون توقف. وهكذا أصبح بنكيران يقبّل مزوار ويضحك في وجهه، وأصبح مزوار مفتخرا بالانتماء إلى الحكومة التي لم يتوقف عن نعتها بأفشل حكومة في تاريخ المغرب. وهكذا استطاع مزوار أن يضغط على بنكيران، وينتزع حقيبة وزارة الخارجية وحقائب أخرى مهمة، وينتزع أيضا رئاسة البرلمان. وكان على بنكيران أن «يسمح» في سعد الدين العثماني ويتنازل عن حقيبة الخارجية لعدو الأمس.
ليست هذه المرة الأولى التي يخضع فيها حزب العدالة والتنمية لضغوطات في مسألة التحالفات، وينصاع لها بنكيران عن طيب خاطر وبجرعة زائدة من الضحك الباسل الذي يدمنه، بينما يتكلف أنصاره الميامين بتقديم التبريرات في كل اتجاه، وهم يعلمون أكثر من غيرهم أن عدو البيجيديين الأول، خلال العشر سنوات الأخيرة لم يكن أحدا غير صلاح الدين مزوار.
يذكرون جميعا، أن مزوار كان من بين أكثر السياسيين، وهو الذي كان وقتها حديث عهد بالسياسة بعد أن قفز إليها من النسيج، شراسة في الهجوم على بنكيران الذي كان وقتها معارضا يمارس رياضة ضرب الطاولة في البرلمان. لكنهم يحاولون تناسي الماضي النضالي الذي أصبح يبدو بئيسا أمام الواقع الحالي العجيب.
مشكلة الأحزاب المغربية أنها لا تمارس السياسة. لا وجود أبدا لمنطق مغربي في مسألة التحالفات الحزبية لتسيير الجماعات وحتى الجهات.
ولعل أطرف ما وقع في مسلسل التحالفات حتى اليوم، هو ما عاشه سكان جماعة بنواحي تزنيت، حيث اختفى أحد المرشحين عن الأنظار وأطفأ هاتفه فور إعلان نتائج الانتخابات واعتكف في شقة بحي السلام بأكادير، وقضى مرشحو الأحزاب الأخرى أياما بلياليها يبحثون عنه للتوصل إلى تسوية بشأن التحالفات التي سيشكلون بها أعضاء المجلس الذي سيسير الجماعة، وبعد أيام من البحث وصلوا إليه، لكنه رفض أن يضع يده في يد المرشحين الآخرين، وأخبرهم أن الفائز في الانتخابات هو «كريط» وليس الحزب.
حالة هذا الـ«كريط» ليست إلا واقعا مصغرا لما تعيشه السياسة المغربية اليوم، حيث لا توجد «جهات» باسثناء تلك التي يتفاوض حولها بنكيران وخصومه أو شركاؤه (لم نعد نعلم) كما لو أنها رقعة شطرنج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى