الرأي

الحرب الباردة السعودية الإيرانية تنسف جهود الحل السياسي في سوريا واليمن

المنطقة تشهد حاليا أجواء حرب باردة، تسخن بشكل تدريجي، على أرضية الصراع السعودي الايراني المتأجج، ابتداء من قطع العلاقات وانتهاء بوقف الرحلات الجوية، وهذا كله، وما يمكن أن يتفرع عنه، قد ينعكس بشكل أو بآخر على القضايا والحروب الإقليمية، وخاصة في سورية واليمن، بل والمنطقة بأسرها.
لم تعد الحرب للقضاء على «الدولة الاسلامية» تتصدر الاهتمام الاقليمي والدولي بالشكل الذي كانت عليه قبل أسابيع فقط، كما أن الآمال ببدء مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في غضون اسبوعين للاتفاق على حكومة وحدة وطنية وصلاحياتها تمهيدا للوصول إلى الانتخابات، والدستور، والحل السياسي في نهاية المطاف، كلها تبخرت وعادت الأزمة السورية بالتالي إلى المربع الأول، ولو إلى حين.
المملكة العربية السعودية تتعمد التصعيد الدبلوماسي، والتحشيد السني، في مواجهة إيران التي تميل إلى التهدئة للحفاظ على مكاسبها الاستراتيجية في سورية من خلال تحالفها مع روسيا، وما نتج عنه من تقدم على الأرض، وفي اليمن من خلال توريط خصمها السعودي في اليمن، واستخدام الأقليات الشيعية في الخليج كورقة ضغط وتهديد إضافية، وربما أيضا لتحويل الأنظار عن تعثر «عاصفة الحزم»، وتفاقم حالة التململ الداخلي نتيجة لذلك، ولأوضاع اقتصادية متراجعة.
النهج السعودي الراهن يتعمد محاولة إفساد كل ما حققته إيران من مكتسبات بسبب نجاحها في عقد اتفاق نووي مع الدول الست العظمى يؤدي إلى رفع الحصار عنها، وعودتها بالتالي كقوة «مقبولة» وليس «إرهابية» إلى المجتمع الدولي، فهذه العودة الايرانية التي ستبدأ في منتصف العام الجديد «نظريا» ستعني العودة إلى الأسواق النفطية، واسترداد مليارات من الدولارات مجمدة، وشراء أسلحة جديدة متقدمة من روسيا والصين على وجه الخصوص.
إعدام المرجع الشيعي السعودي نمر باقر النمر يوم السبت الماضي كان أحد أركان هذا النهج في صيغته التكتيكية، ورد الفعل الايراني المتهور بحرق السفارة السعودية في طهران أكد نجاحه، ووقوع إيران في مصيدته في التوقيت الخطأ، مع تسليمنا المسبق، بأن إيران ليست بريئة مطلقا من توظيف الورقة الطائفية لخدمة مصالحها.
الخطة السعودية نجحت في استفزاز إيران، وصب كمية هائلة من البنزين على التأزيم الطائفي، لكنها لم تحقق النجاح نفسه على صعيد التحشيد والتعبئة، للحكومات السنية على الأقل في مواجهة إيران، فتركيا التي دخلت قبل أسبوع في مجلس تعاون استراتيجي مع السعودية لم تغلق سفارة، ولم تسحب سفيرها في طهران، وادارت وجهها إلى الناحية الأخرى، وأخفت موقفها في النأي عن النفس، بإعرابها عن الاستعداد للتوسط بين طرفي الصراع السعودي الايراني للوصول إلى تسوية، أما الكويت، العضو المؤسس في مجلس التعاون الخليجي فلم تقطع علاقات مع إيران هي الأخرى، واكتفت باستدعاء سفيرها في طهران للتشاور، ولم تطرد السفير الإيراني وتغلق سفارته، مثلما فعلت البحرين، أو تخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى المستوى القائم بالأعمال، مثلما فعلت الإمارات.
خيبة الأمل السعودية من حالة «الفتور» في محيطها الخليجي والعربي، دفعتها للإقدام على خطوتين: الأولى توجيه الدعوة إلى اجتماع طارىء لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض السبت، وأخرى لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة في القاهرة لتصعيد عملية التحشيد السياسي العربي والخليجي في مواجهة إيران.
المتشددون في الجانبين السعودي والايراني هم أبرز المستفيدين من أعمال التصعيد والتحشيد الطائفي هذه، أما الخاسرون فهم العقلاء والمعتدلون الذين يدركون حجم المخاطر، ويقيمون نتائجها الكارثية جيدا، ومن يتابع أعمال التحريض الطائفي على الانتقام والثأر في وسائل الإعلام الايرانية والسعودية يدرك جيدا ما نقول.
فرص الحل السياسي للأزمة السورية تراجعت إلى الدرك الأسفل، والجهود التي بذلت لتحسينها طوال النصف الثاني من العام الماضي، ذهبت أدراج الرياح، والمعارضة السورية التي تسيطر عليها وقرارها المملكة العربية السعودية، وتتخذ من الرياض مقرا لها ستتشدد أكثر في مواقفها بإيعاز سعودي مرفوق بوعود بتزويد فصائلها المقاتلة على الأرض بأسلحة حديثة متقدمة.
تنظيما «الدولة الاسلامية» و«القاعدة» في كل من العراق وسورية واليمن سيخرجان أكثر قوة من هذه الحرب الطائفية الباردة التي بدت أمرا واقعا في المنطقة، فالتحريض الطائفي للسنة من قبل السعودية قد يؤدي إلى زيادة دعم أبناء الطائفة في العراق وسورية لـ«الدولة الاسلامية»، وتدفق متطوعين إليها من مختلف أنحاء العالم الاسلامي، بعد خسارتها لمدينة الرمادي أو معظمها، وإعدام 42 متهما من عناصر «القاعدة» من قبل السعودية يوم السبت الماضي قد يؤدي إلى إنهاء «هدنة» غير معلنة من قبل التنظيم مع قوات التحالف السعودي في اليمن، وما حدث من تصعيد من قبل هذا التنظيم في الهجمات ضد التحالف في عدن طوال اليومين الماضيين، ونجاة محافظي عدن ولحج من محاولة اغتيال بسيارة ملغومة بأعجوبة، هو أحد الأدلة، وبداية التحرك الهجومي المتوقع تصاعده.
المنطقة تعيش حاليا على حافة هاوية حرب طائفية، سنية وشيعية، أو هكذا يراد لها أن تكون، وهي حرب إذا اندلعت، واحتمالات اندلاعها هي الأكبر، ستطيح بأنظمة، وتغير حدودا، وتقسم دولا كانت تعتقد أنها محصنة من الثورة والتقسيم، بل والتفتيت.. والأيام بيننا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى