شوف تشوف

الرأي

«الحظ»

هي
لطالما عرفت أن الجمال والعقل لا ينفعان في شيء إذا كان حظ صاحبهما سيئا، والآن فقط تأكدت، فقد كنت الأجمل بين أخواتي البنات والأرجح عقلا بينهن، وكنت في حياة عائلتي نسمة الهواء الطيبة التي تحيي القلوب وتبعث فيها السعادة. وجئت ذات صيف من غربتك، وكنت ابن عمي الذي هاجر إلى بلاد بعيدة منذ زمن طويل، ورجعت منكسرا من فشل تجربة زواجك بأجنبية، اقترفت معها جرم طفل لا يطيقك.. أتيت باحثا عن بنت وطنك لتمتص غضبك من كل بنات الغربة، وكنت أود سؤال الحظ الذي لم يسخر لك غيري، لماذا اختارني أنا من دون بنات الكون؟ فلم أكن حتى أظهر للعموم عكس الفتيات اللواتي يتجملن ويخرجن كل يوم، ومن زاوية البيت أخذتني، حمامة بيضاء ناصعة لم تمسسها يوما يد إنس ولا جان، وإلى تلك البلاد الممطرة العاصفة استقر بي الحال، وسجنتني في مبنى عال ومنعتني من الخروج، زرت بلدي بعدها بضع مرات لأحضر حفلات زفاف أخواتي، فواحدة اختارت القلب ونعمت بالحب في حضن رجل وسيم حنون، وأخرى اختارت المال وتمتعت في نعيم ما يملكه زوجها، وأنا فقدت كل شيء فلا مال ولا جمال ولا حرية، وحتى علاقتك بعمك الذي هو أبي، أنهيتها بسوء خلقك ومنعتني بعدها عن كل أهلي. أخذت الهاتف مني، ولم يبق لي غير ربي أدعوه في سري لينقذني ويعيدني لحضن أمي  وأبي وينهي اشتياقي لهما ولتراب بلدي ولقطط الجيران.

هو
تتكلمين عن الحظ ومن أين لي بشعاع صغير منه يضيء عتمة انتظاري؟ لقد تركت بلدي ناشدا التحرر من كل شيء، قيم المجتمع وتقاليده الباهتة الرجعية، ولم أكن أريد العيش كما عاش أبي وجدّي. لهذا اخترت للزواج نصرانية يختلف دمها عن دمي، وتمنيت أن أحقق معها أحلامي، لكن مع الأسف خاب ظني، ولم أجد شيئا مما حسبته، وزارني الحنين لنساء وطني، خصوصا وأنا أرى زوجتي وابني هاربين مني، وينعتاني بالمسلم وبالعربي وبالإرهابي، وكيف أصف شعوري يوم وجدت ابني أمامي يضع سلسلة تحمل الصليب؟ وكم تأذت رجولتي وإسلامي وعروبتي، آه.. كيف أوضح إحساسي؟ وما أسوأ ما أتى به الشيطان ليلتها إلى رأسي، وحتى لا أؤذي الولد وأمه ونفسي، قررت أن أنساهما وأن أطلقها وأن أبعدهما نهائيا عني، وعدت لبلدي باحثا عمن تؤنسني في غربتي، ونصحني أبي بالزواج منك، رغم الخلافات البعيدة والقريبة بين والدي ووالدك، وكنت لا أعلم عنها شيئا في بعدي، وتزوجت منك وحسب الجميع في العائلة أن المياه ستجري بالصلح والود بين والدينا، لكن الماء لم يذهب إلى أي مكان بل تبخر مع أوهامهم، وجفت القلوب بينهما وبيننا، وحل خراب كبير، لتبقي قابعة كالبومة في وجهي وفي بيتي، فما هذا الشؤم الذي يلازمني في حياتي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى