الرأي

الحماس السعودي لإرسال قوات برية إلى سوريا «يبرد» قليلا

أكد العميد أحمد العسيري الناطق باسم وزارة الدفاع السعودية أن بلاده باشرت استعداداتها لشن عملية برية في سوريا تحت قيادة التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة، وقال إن موعد العملية لم يتحدد بعد، وهي ما زالت قيد البحث من قبل الخبراء، ولكن يبدو أن تصريحات العميد العسيري حول التدخل البري في سورية، باتت مثل تهديدات زميله السيد عادل الجبير وزير الخارجية التي يكررها ليل نهار، حول إزالة الرئيس بشار الأسد من السلطة سلما أو حربا، أي أنها «جعجعة بدون طحن».
الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يريد إرسال قوات برية، وخوض حرب كونية في سوريا استجابة للمطالب «الثأرية» السعودية، لأن الإدارة الأمريكية تفكر بطريقة متناقضة كليا للطريقة التي تفكر بها القيادات العربية الحليفة، وعلى رأسها القيادة السعودية، فالحروب لا تخاض من منطلقات انتقامية، أو تنفيسا لأحقاد شخصية لهذا الزعيم أو ذاك، لأن قرار الحرب يؤخذ من أجل المصالح العليا، وبعد موافقة المؤسسات التشريعية والتنفيذية، ودوائر صنع القرار، وليس نتيجة لمزاجية هذا الحليف أو ذاك.
مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بادر سريعا اليوم بالرد على تصريحات العميد العسيري هذه، عندما قال إنه لا توجد أي خطط لدى الولايات المتحدة لتنفيذ عملية برية في سورية، أي إنها لن «تتشرف» بقيادة التحالف السعودي في هذه الحرب التي يقرع طبولها منذ أسبوع العميد العسيري وغيره، ويستنجد بالحليف الأمريكي لقيادتها.
مناورات «رعد الشمال» وبرقها، التي جرى الإعلان عنها بقيادة المملكة العربية السعودية بمشاركة قوات من عشر، أو حتى مئة دولة، لا تعني أن هذه الدول المشاركة مستعدة لإرسال قوات برية إلى سورية، وجاءت مشاركتها في المناورات من قبيل «المجاملة» للشقيق السعودي «المأزوم»، لأن الدول التي أرسلت قوات إلى اليمن لنجدة المملكة العربية السعودية تعض أصابع الندم، بعد تورطها في حرب بلا قاع، وكبدتها خسائر بشرية كبيرة، وأحرجتها أمام شعوبها، ومن الطبيعي أن تتجنب تكرار هذا الخطأ مرة أخرى في سورية، الأكثر صعوبة وخطورة، «فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين»، ومن ثعابين متعطشين للعض والانتقام بأقوى السموم، وأكثرها فتكا.
أي قوات برية سعودية سترسل إلى سوريا ستقاتل عدوين ينتظرانها على أحر من الجمر، والأول هو «الدولة الاسلامية» التي تأتيها هذه الفريسة إلى عقر دارها طوعا، وتوفر عليها الذهاب إليها، والثاني الجيش العربي السوري المدعوم روسيا، الذي تؤمن قيادته إيمانا قاطعا بأن المسؤول الأكبر عن تدمير بلادها، وإيصالها إلى ما وصلت اليه من فوضى دموية هي المملكة العربية السعودية، بدعمها للمعارضة المسلحة بالسلاح والمليارات.
في بداية انطلاق «عاصفة الحزم» كان هناك قطاع عريض من الشعب اليمني يؤيدها بقوة، ويرى فيها بأرقة أمل للخروج من حالة الفوضى التي تعيشها بلاده بسبب الاجتياح الحوثي لمؤسسات الدولة، ولكن هذا التأييد بدأ يتبخر تدريجيا حتى أوشك على التلاشي، عندما فشلت هذه العاصفة في «إعادة الأمل» إلى اليمن، وباتت إنجازاتها الأبرز هي قصف المستشفيات والمصانع البدائية، ومزارع الأبقار والدواجن، وخزانات المياه، وحتى مدينة عدن التي حررتها «العاصفة» لم يصمد فيها قائد قواتها الأمنية أكثر من أيام قبل أن ينتقل إلى دار البقاء، بفعل عملية اغتيال من تنظيم «الدولة الاسلامية».
السعودية وحلفاؤها في اليمن يقاتلون التحالف «الحوثي الصالحي» الذي يملك أسلحة ومعدات عسكرية تعود إلى الحرب العالمية الأولى، أي قبل مئة عام تقريبا، ومع ذلك لم تستعد تعز ولا الحديدة، ولا حتى كل مأرب، رغم اقتراب حربها من إتمام عامها الإول، فكيف سيكون حالها عندما تواجه طائرات روسية وقوات سوريا على الإرض من جانب، ومقاتلي «الدولة الاسلامية» من جانب آخر، مضافا إلى ذلك أن الأجواء السورية لن تكون صافية مثل أجواء اليمن «تتمخطر» فيها طائرات «عاصفة الحزم» بكل حرية، ودون أي تهديد، فهناك صواريخ روسية من طراز «إس 400» و«إس 300»، وهي جاهزة لاختبار قدراتها للمرة الأولى، واقتناص الطائرات السعودية دون غيرها باعتبارها «صيدا سمينا».
عندما تهدد روسيا بالتصدي لأي قوات برية سعودية، وعندما يتوعدها السيد وليد المعلم، وهو أحد الحمائم، وليس «عسيري» سوريا، بإعادتها في صناديق (وليس توابيت) خشبية، ويترفع السيد حسن نصر الله أمين عام «حزب الله» عن الرد على سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل وتهجماته، ويقول أن عدم دخول القوات البرية السعودية سيكون نصرا إقليميا، ودخولها نصرا على مستوى المنطقة بأسرها، فإن على العميد العسيري، ومن يعطيه التعليمات بما يدلي به من تصريحات أن يراجعا نفسيهما، وبسرعة.
القيادة السعودية يجب أن تدرس كيفية إيجاد «استراتيجية خروج» من هذه المآزق السياسية والعسكرية التي وجدت نفسها أسيرتها، فلا أحد يريد خوض حروبها في سوريا أو اليمن، ومن يقولون لها إنهم مستعدون لذلك، وهم قلة هامشية لم تنتصر في أي حروب خاضتها، ونتعفف عن ذكر الأسماء، يريد ذهب المعز، أو ما تبقى منه من فتات، وليس سيفه، هذا إذا لم يكونوا يريدون توريطها في حروب تنفيس عن أحقاد دفينة.
عندما تتردد الإدارة الأمريكية في إرسال قوات برية إلى سورية، ويجدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديده لها بالاختيار بينه وبين الأكراد، وترفض حتى مجرد الرد عليه، ويطرق، أي أردوغان، أبواب تل أبيب طالبا التطبيع الكامل للعلاقات، فإن على القيادة السعودية أن تراجع حساباتها، وتدرك أنها تراهن على أحصنة خاسرة، أو هذا ما نعتقد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى