شوف تشوف

الخطافة 1.2

 

 

قبل أن يخبو الجدل الذي أثير حول وصف الوزيرة الحقاوي للنساء اللواتي قضين رفسا بنواحي الصويرة بالملهوطات، اندلع نقاش في البرلمان حول ضرورة وجود “الخطافة” في هذه البلاد، فقال فريق إن وجودهم شر مفيد، فهم يساهمون في حل مشكلة موجودة في الواقع، وقال الوزير إن الخطفة ضرورة يجب تقنينها، أي أن تصير “الخطفة” بالعلالي وبالقانون، وكأن الوزير الداعية يجهل أن “الخطفة” في هذا البلد تُمارس بالقانون وأن “الخطافة ديال بصح” يتجمعون في “الموقف السياسي للخطافة المتحدين” ويحترفون خطف “البلايص” في البرلمان والحكومة والمؤسسات العمومية أمام أنظار الشعب.

وفِي المغرب كل يخطف بطريقته، فهناك الخطافة الملهوطين الذين يراكمون المناصب والتعويضات، وهناك الخطافة الذين يحترفون تقنية ضرب وهرب، أي اقتناص الهموز والفرص، وهناك من يضعون أيديهم على امتياز عمومي ويعتقدون أنه أصبح ملكهم إلى الأبد.

وكم مرة تحدثنا مرارا عن “السيبة” في قطاع التعليم، وعن كون المحسوبية والزبونية هما المعياران الوحيدان في نيل تفويضات الإمضاء والتعويضات وتفويض المهام، بشكل تبدو معه الترشيحات لنيل المناصب مجرد مسرحية محبوكة بطريقة “قانونية”، ونستطيع أن نعطي أمثلة كثيرة عن هذا الأمر، حتى أنه يمكننا أن نتكهن باسم الشخص المحظوظ الذي سينجح من خلال قراءة الشروط التي توضع في مذكرات التباري حول المناصب، وإذا حدثت مفاجأة ونجح شخص آخر استطاع أن يفرض نفسه بمؤهلاته فإن المباراة تلغى بدعوى “عدم اقتناع اللجنة بمؤهلات المرشحين”.

وإلا ما السر في كون مديريات الرباط وتمارة والقنيطرة وأكاديمية سوس مثلا لا تزال شاغرة منذ سنوات، مع أنها كانت موضوع تبار في عدة مناسبات، والجواب كما قلنا يوجد في عقلية “الخطافة” التي تحدثنا عنها، بل ويحصل أيضا أن تجد مديرا مركزيا يتقاضى تعويضا شهريا لا يقل عن 3 ملايين سنتيم، دون ذكر التعويضات السنوية التي تصرف كل سنة في شهر دجنبر، والتي لا تقل عن عشرة ملايين سنتيم، بالإضافة إلى السيارة والسكن الإداري، مع أنه لا يعمل شيئا في الواقع، إذ غالبا ما يتم اقتطاع قسم معين من مديرية يقع في زقاق خلفي بالعاصمة ليختبئ فيها، وقد يحصل مرة في السنة، أن يصدر مذكرة تتحدث عن فائدة الاعتناء بالشجرة أو فوائد أكل فواكه البحر، ويرسلها إلى تلاميذ لم يروا قط في حياتهم البحر، فبالأحرى أن يعرفوا فواكهه، ونحن هنا نتحدث عما لا يقل عن ثمانية مسؤولين من هذا النوع بوزارة التربية الوطنية، والأخطر هو أن كل هؤلاء محميون من طرف شخصيات حزبية أو إدارية، أي من طرف “الخطافة الكبار”.

وهذا وجه واحد من أوجه الفساد الإداري، أما الوجه الآخر فيتعلق بالسكنيات، فمن فرط انتشار ثقافة الفساد، أصبحت الوزارة محكومة بنظام الغاب، أي “اللي حط يدو على شي حاجة ولات ديالو”، وإذا حصل أن وقعت ضجة ما، فإن الصغار الذين لا يحميهم أحد هم من يتم تطبيق القانون في حقهم، فيما المحميون الكبار غير معنيين إطلاقا بالقانون.

هكذا عاد ملف احتلال السكنيات الوظيفية والإدارية بوزارة التربية الوطنية إلى السطح مرة أخرى هذه الأيام، فقد كشفت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في مذكرة وزارية صدرت قبل أيام بتوقيع الكاتب العام للوزارة، أن المصالح المركزية المختصة بملف السكنيات التابعة لوزارة التربية الوطنية وقفت على تمادي بعض أطر وموظفي الوزارة في احتلال السكنيات الإدارية والوظيفية التي أسندت لهم في وقت سابق بحكم مهام ومسؤوليات خولت لهم حق الاستفادة من هذه السكنيات دون أن يتم إرجاعها وإفراغها بعد تقاعدهم أو انتقالهم إلى مناطق أو قطاعات أخرى.

وحسب المذكرة فإن عددا مهما من المساكن الوظيفية ما زال محتلا من طرف المعفيين من مهامهم أو المنتقلين للعمل بجهات أخرى أو المحالين على التقاعد أو من طرف ورثة المتوفين منهم، الشيء الذي يتنافى مع المقتضيات الجاري بها العمل.

هذه المعطيات توصلت إليها مصالح الوزارة بعد إجرائها لإحصاء عام ودقيق لكل المساكن الإدارية والوظيفية التابعة لها، من أجل تحيين المعطيات الخاصة بها وبمعتمريها من الموظفين والمدرسين والمسؤولين والأعوان على المستويين الجهوي والإقليمي، قبل أن تدعو الوزارة مصالحها الخارجية والجهوية إلى اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية في حق جميع المحتلين لهذه السكنيات، وذلك طبقا للمقتضيات القانونية المعمول بها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى